أزراج عمر يكتب:
سمير أمين والنقد ما بعد الاستعماري
لقد صدم خبر وفاة المفكر المصري البارز سمير أمين الساحة الفكرية ببلداننا وبرحيله نكون قد فقدنا مثقفا مؤمنا بالثقافة وبالفكر كركيزتين أساسيتين لوجودنا التاريخي والحضاري.
تتمثل أهمية سمير في كونه مسلحا بالنظرية الفكرية النقدية، وبالالتزام بالتنوير الثقافي والسياسي، وباستيعاب مكونَات وبنيات تراثنا، وتعقيدات واقعنا وابتكارات الفكر العالمي الحديث والمعاصر.
يتميز الدكتور سمير أمين بامتلاكه لمنظورات نقدية متعددة ومتضافرة تسندها موسوعية خصبة تتجسد في مؤلفاته الكثيرة التي تغطي مجالات الاقتصاد السياسي، ونظرية الثقافة، والفكر الماركسي، ونقد العولمة والأحادية القطبية والرأسمالية المتوحشة وأسسها الثقافية والسوسيولوجية فضلا عن تضمن كتاباته لشبكة من الرؤى الفلسفية التي تمنح فكره النقدي نكهة متميزة.
في تقديري فإن معظم ما كتب عن سمير أمين في العالم العربي قد ركز على إسهاماته في تحليل ونقد خطاب وممارسات الاقتصاد السياسي بركيزته الكولونيالية وما بعد الكولونيالية وبذلك ابتعد نقاده والمهتمون بإنجازاته الفكرية عن تحديد وإبراز معمار هويته الفكرية النقدية التي يمكن تلخيص أهم ركيزة من ركائزها الكثيرة في انتماء الدكتور أمين إلى نظرية التبعية التي تم تدشينها في الخمسينات من القرن الماضي على أيدي كل من هانز سينغر وروول بريبيش ومن بعدهما بول باران وبول سويزي وأندريه غوندر فرانك وفولتر رودني وفرانسوا بيرو وكورت روثتشيلد ومن ثم عمانويل فولترشتاين الذي نحت نظرية أنظمة العالم التي كرَسها لنقد النظام الاقتصادي العالمي الذي تهيمن عليه الدول الغربية المركزية على حساب دول الهامش، أي دول العالم الثالث التابعة.
من المؤكد أن الدكتور سمير أمين قد أسهم في تغذية نظرية التبعية، ونظرية أنظمة العالم بوجهة نظر مشتقة من تجربة الدول العربية المستعمرة سابقا ثم التابعة للمراكز الرأسمالية بشكل خاص وأكثر فداحة وذلك في مرحلة ما بعد الاستعمار الأوروبي العسكري.
ومن الواضح أن مصطلحي دول المركز ودول الأطراف قد تبلورا بقوة على أيدي مفكري نظرية التابعة ونظرية أنظمة العالم الذين ينتمون في الغالب إلى دول أميركا اللاتينية ولا شك أن الدكتور سمير أمين قد أسهم في تطويرهما من خلال تطبيقه لهما على تجربة مختلفة وتتمثل في خصوصية التجربة العربية، ولكن الأهمية الاستثنائية لإسهامه تتمثل في نظرية “فكَ الارتباط” التي حاول أن يبني ركائزها في كتاب كامل حلل فيه مفهومها واستراتيجياتها وأسسها النقدية وبذلك يكون الدكتور أمين قد لعب دورا مهما في وضع لبنات النقد المدعو الآن بالنقد الكولونيالي وما بعد الكولونيالي وخاصة المؤسس منه على النظرية الماركسية التقليدية أو على مفاهيم واستراتيجيات الديالكتيك المادي والتاريخي غير التقليدي وعلى بعض أبعاد النظرية النقدية التي أسسها مفكرو مدرسة فرانكفورت.