نهى البدوي تكتب لـ(اليوم الثامن):

الإرهاب العدو الأول للسلام

حقق المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن السيد مارتن غريفيث اختراقاً ملحوظاً لكسر الجمود الدبلوماسي، والدفع نحو إحياء الجهود الأممية للسلام في اليمن، وهذه المؤشرات تعكسها التحركات والتطورات الدبلوماسية، والسياسية الأخيرة على المشهد السياسي المحلي والإقليمي حول الوضع في اليمن، والرسائل السياسية الصادرة من أطراف الحرب في اليمن، والتفاؤل عن وصولها للقناعة بأن الحل للوضع في اليمن لا يمكن أن يكون إلا سياسياً، لكن لا يزال التوجس حاضراً في المشهد من مراهنة التنظيمات الإرهابية القاعدة وداعش على استمرار الأزمات والحروب، ويثير المخاوف من تكرار محاولاتهما السابقة لكبح جماح هذه التحركات أو عرقلتها.    

    لا شك أن خطورة الأزمة الإنسانية، وقلق المجتمع الدولي إزاء تفاقمها، وتزايد الدعوات المحلية لوقف الحرب الذي أصبح مطلباً شعبياً في الشمال والجنوب، دفع الأطراف المتحاربة في اليمن، وبمباركة إقليمية للتعاطي الجدي مع دعوة المبعوث الأممي مارتن غريفيث للمشاركة في المشاورات المزمع عقدها بجنيف في ٦ سبتمبر القادم، الهادفة لاستعادة الثقة بين الأطراف اليمنية؛ لتدشين مرحلة جديدة من المفاوضات للوصول إلى حل سياسي لوقف الحرب، والتخلي عن خيار الحسم العسكري في اليمن.  لكن هذه المواقف الإيجابية من الأطراف اليمنية حول مشاركتها في المشاورات، لم تبدد المخاوف والتوجس من خطورة التنظيمات الإرهابية القاعدة و داعش، وتجار الحروب، المستفيدين من وضع الحرب، لما تجنيه، من أموالاً طائلة، ومصالح كبيرة من وضع استمرارها، تُمكنهم من السيطرة على اليمن، والتحكم بمستقبله الأمني، والسياسي والاقتصادي، لا سيماء خطر تنظيما القاعدة وداعش، والمخاوف من خلطهما للأوراق أمنياً للتأثير على أي انفراج سياسي قادم.

    الوضع الأمني في اليمن الذي تعصف به الحروب والصراعات وانتشار والسلاح، لا يزال هشاً، وأصبح بلد التقلبات والتناقضات في ظل سلطات ضعيفة واحزاباً سياسية، وتيارات جهوية ممزقة، تتصارع مع ذاتها، وكلاً منها يريد مملكة أو سلطة لنفسه حتى إذا كان وحيداً، أو الاستمرار في الحرب، وقتل الأبرياء بغية تحقيق مصالحة؛ ورغم محاولات لملمة حطام التيارات والأحزاب، يبدُ الأمل ضعيفاً في انتشالها ولملمتها، بعكس الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية القاعدة وداعش التي يوحّدها هدف البقاء وتستمد قوة بقائها من رائحة الدماء التي تسال هنا وهناك؛ لاستمرار أنشطتها، وتمسكها بالأرض كوطن بديل عن الأوطان التي فقدتها، فإن محاولات لملمة شمل الأحزاب السياسية أو التهيئة للمفاوضات المرتقبة، بكل تأكيد لن تسر التنظيمات الإرهابية، مهما حاولت تسويق نفسها في جلباب الإنسانية وأعمال الخير، وإصلاح ذات البيَّن إلا أنها ستخلع جلبابها المتخفيه تحته، وستعاود الظهور بصورتها الدموية المعتادة عند اتخاذ اليمنيين خطوات جدية للتعاطي العقلاني مع أي جهود إقليمية وأممية لوقف الحرب في اليمن، ولا زالت عالقه في أذهاننا صور أشلاء الضحايا، ودموية عملياتها الانتحارية التي نفذتها قبيل وأثناء انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، وفي جولات المشاورات السابقة، في جنيف، والكويت ٢٠١٥م – ٢٠١٦م.

     يتطلب إنجاح مساعي المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة السيد مارتن غريفيث لاستئناف المفاوضات اليمنية التفاعل المسئول من كافة الأطراف المعنية بالأزمة اليمنية، المحلية، والإقليمية، وادراك أهمية الاستفادة من الفرصة المتاحة، وعدم التفريط بها، والتنبه مبكراً لمواجهة أي محاولات لعرقلتها من قبل التنظيمات الإرهابية القاعدة وداعش، كما عودتنا في الجولات السابقة، حين كانت تكشف عن وجهها الحقيقي عند كل انفراج سياسي في الصراع اليمني؛ والظهور بصورتها الخفية وتمسكها بالبقاء على الأرض على حساب استمرار نزيف دماء اليمنيين، لتبيَّن مدى خطورتها على اليمن والسلام الذي ترى البدء بأولى خطواته بدايةٌ لنهايتها في اليمن.