أزراج عمر يكتب:

من اختطاف "أوروبا" إلى خطف التاريخ

من حين إلى آخر نقرأ اعترافات لهذا المفكر الأوروبي أو ذاك يقرَ فيها بما قدمته الثقافة الأفريقية أو الإسلامية للغرب من ثمرات حضارية أسهمت بحق في بناء معمار حضارته.

 ففي المقدمة التي كتبها المفكر ريتشارد كيرني لكتابه “حالات العقل”، والذي هو عبارة عن حوارات مع عدد من النقاد والفلاسفة المعاصرين أمثال نعوم تشومسكي إدوارد سعيد وجوليا كريستيفا وفاتسلاف هافل وجاك دريدا، قال ما يلي “هل بمقدور أوروبا أن تعيد صياغة نفسها؟ وهل بمقدورها أن تميز بين ميراثها المتنوع – الجديد، والسيء والبشع؟ هل بمقدورها أن تسهم في تكوين مفهوم جديد لعالمية متحررة من إرث الهيمنة على العالم -عالمية تحترم الفروق والاختلافات؟”.

 ثم يدعو “أوروبا” لتعترف بدورها بأنه ما كان “لتعاليم أرسطو والفلسفة اليونانية أن تعود إلى أوروبا بعد عصر الظلمات لو لم يكن بفضل عمل المفكرين العرب العظماء…”. بعد هذه الدعوة الحارة يذكَر ريتشارد كيرني أوروبا “بالخطايا التي ارتكبت بدءا من الهيمنة الكولونيالية، وصولا إلى الاستغلال الاقتصادي وتبديد موارد البيئة وإفسادها”.

 هنا يشير كيرني إلى أن مصطلح أوروبا قد اختطف من لبنان، أي من أرض الشرق، مبرزا أنه لم يكن نابعا من العرق الذي يدعى في أدبيات الاستشراق بالأوروبي/ الغربي الآري.

فأوروبا هذه هي إلهة ملك مدينة صور اللبنانية التي اختطفها زيوس الذي تصفه الأسطورة اليونانية بالإله المتّخذ لنفسه هيئة ثور جميل. لا شك أنه بقدر ما تذكرنا هذه الأسطورة بالتواصل بين اليونان وبين لبنان القديم، فإنها تذكرنا أيضا بأن علاقة التواصل تلك قد دشنت بواسطة قبول واقع الاختلاف الثقافي والحضاري. ولكن ينبغي تسجيل ملاحظة وهي أن عملية الاختطاف لم تتم على مستوى الأسطورة فقط، بل تمت ولا تزال تتواصل أيضا على مستوى التاريخ الواقعي عبر سلسلة علاقات القوة والاحتلالات الأوروبية في العصور القديمة والحديثة والمعاصرة.

إنه جميل أن يعترف الدكتور ريتشارد كيرني بأن أثينا التي تعتبر في نظر الغرب بمثابة الجذر الثقافي والحضاري لأوروبا الغربية لم تزدهر ولم تحقق وثباتها الحضارية بمعزل عن مؤثرات أفريقيا، ومن دون الاقتباس من بابل ومصر، ولكن هذا الاعتراف الفردي ليس بمقدوره لوحده أن يجعل أوروبا وامتداداتها في أميركا أن تعيد صياغة نفسها على أساس مفهوم جديد لعالمية متحرّرة من الهيمنة في الوقت الذي نجد المناهج الدراسية الأوروبية تحتفي بكتّاب وفلاسفة عنصريين، يقسمون الجغرافيا في كتبهم وفقا لمنطق الاستعمار منهم، مثلا، الألماني هيجل الذي تتعلم الأجيال الأوروبية / الغربية من كتابه “مقدمة لفلسفة التاريخ” حتى الآن أن شمال أفريقيا “هو أفريقيا الأوروبية”.