أزراج عمر يكتب:
النقابات الجزائرية ترسانة دعائية للنظام الحاكم
لا أحد يستطيع أن يغطي سياسات تدجين النقابات التي نفذها، ولا يزال ينفذها، النظام الجزائري منذ سنوات طويلة، وخصوصا في مرحلتَيْ الرئيسين السابقين، هواري بومدين والشاذلي بن جديد، أو خلال مرحلة حكم الرئيس الحالي عبدالعزيز بوتفليقة، إلى درجة تحويلها إلى مجرد أبواق تسبح بحمد السلطات القابضة على الحكم بأسنان فولاذية.
ففي هذا الأسبوع، مثلا، نقلت وسائل الإعلام الجزائرية أن الأمين العام للمركزية النقابية عبدالمجيد سيدي السعيد سوف يجمع قريبا جدا قيادات اتحاد العمال الجزائريين وعددا من النقابات الأخرى لكي يحصل على المساندة في منصبه، وللدعوة إلى ترشيح الرئيس بوتفليقة للعهدة الخامسة.
ومن المعلوم أيضا أن رئيس منتدى المؤسسات السيد علي حداد لا يزال يواصل مناشدتَه الحكومة للاعتراف بنقابة مستقلة خاصة برجال الأعمال، التي يريد أن تكون قوة موازية للنقابات التابعة للنظام الحاكم مثل اتحاد العمال واتحاد الفلاحين وغيرهما من الاتحادات والروابط والجمعيات المهنية والثقافية والفنية.
الظاهر جليا هو أنّ الهدف الجوهري للسيد حداد هو تعميد مكانته في الحياة السياسية من جهة، وبناء ترسانة خاصة به من جهة أخرى ليدعم بها النظام الحاكم الذي مكنه في مدة قصيرة قياسية من التحول إلى قطب قائم بنفسه، له سطوة على أدوات فرض الهيمنة مثل التلفزيون والنادي الرياضي الضخم والصحف اليومية والشركات الاقتصادية التي يقال بأن رأسمالها الكلي لا يقل عن ثلاثة مليارات دولار.
وفي الواقع فإن واقع حال النقابات الجزائرية يتميز منذ سنوات طويلة بالجمود والإفلاس الكامل، والتخلي عن الدفاع عن العمال والفلاحين ومختلف شرائح المهنيين ومنتجي الفن والأدب والفكر والثقافة، وها هي قد أصبحت راهنا متخصصة في تقديم الولاء المطلق للسلطات الحاكمة وخاصة للرئيس بوتفليقة.
فشلت أحزاب المعارضة الجزائرية في خلق بدائل لهذه النقابات الميتة، أو في القيام باستقطاب الروابط المهنية والثقافية والفنية والنقابات التقليدية الكبرى
ومقابل كل هذا هناك فشل أحزاب المعارضة الجزائرية الذريع سواء في خلق بدائل لهذه النقابات الميتة، أو في القيام باستقطاب الروابط المهنية والثقافية والفنية والنقابات الكبرى التقليدية مثل اتحاد العمال الجزائريين واتحاد الفلاحين واتحاد النساء التي تم تحريف دورها جميعا وطمست فاعليتها.
من المعلوم أنه قبل إقرار التعددية الحزبية الشكلية كانت جميع النقابات الكبرى وكذلك الروابط والاتحادات المهنية والثقافية والفنية والرياضية تابعة بهذا الشكل أو ذاك لحزب جبهة التحرير الوطني الذي كان الحزب الأوحد في المشهد السياسي الجزائري. في تلك المرحلة التاريخية، وخاصة بعد تولي الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد لمنصب رئيس الجمهورية بعد وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين، اعتبرت النقابات جزءا مفصليا من مكوّنات الجهاز الأيديولوجي العام للسلطة الحاكمة، التي كانت في الحقيقة تعني الحكومة والأمن والدفاع الوطني أكثر مما تعني الدولة بمفهومها الحديث كما في الأنظمة الديمقراطية. ونتيجة لهذا النمط من الهيكلة السياسية والأمنية والحزبية للنقابات والاتحادات المهنية بكل أنواعها، تمكن حزب جبهة التحرير الوطني من السيطرة بالكامل على العمل النقابي، وعلى وجه الخصوص بعد فرض المادة 120 من قانون هذا الحزب والتي بموجبها يجب أن يكون كل قيادي في هذه النقابات والاتحادات عضوا مهيكلا رسميا في صفوف حزب جبهة التحرير الوطني وخلاف ذلك فإنه لا يقبل بتاتا.
إنه بسبب هذه الصيغة الستالينية فقدت النقابات حينذاك قدرة الحركة الذاتية، حيث كان نشاطها يفرض عليها من طرف الأمانة الدائمة للجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني على المستوى المركزي، أما على مستوى المحافظات في الجزائر العميقة فإن المحافظين الوطنيين الذين كانوا بقوة القانون أعضاء في اللجنة المركزية للحزب يملون كل شيء على المسؤولين الجهويين في الفروع النقابية والاتحادات المهنية على مستوى المحافظات والدوائر والبلديات.
ومع اندلاع حرب العشرية الدموية تبخر هذا النمط من الهيكلة والتنظيم لما يسمى، تجاوزا، بالمجتمع المدني الذي يفتقد في واقع الأمر إلى ما يعطي هذا المفهوم مصداقيته، وجراء ذلك انفرط عقد هذا الهيكل التنظيمي، وأصبح هنا وهناك تجمعات غير مؤسسة على ثقافة العمل النقابي المدني، حيث قام المسؤولون عن أجهزة الحكم وفي الحكومات الانتقالية بمحاولات فتح المجال لإنشاء الروابط والجمعيات المتوسطة والصغيرة مع إبقاء السيطرة على النقابات الكبرى مثل اتحاد العمال واتحاد النساء، واتحاد الفلاحين وغيرها من المنظمات.
غير أن هذا الوضع قد تغير بسرعة بعد وصول الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة إلى سدة الحكم في قصر المرادية، وقد تمكن في ظرف وجيز من تحويل العمل النقابي إلى عمل دعائي يستنفر في لحظات الأزمات وفي مناسبات الانتخابات التي يحتكر الفوز فيها رجال النظام بغطاء من أحزاب الموالاة وبعض الأحزاب المحسوبة على المعارضة الشكلية، وفي المقدمة حزب حركة مجتمع السلم الذي يعمل بمعادلة مؤسسة على ثنائية انتهازية وهي وضع رجل في ضفة المعارضة، ورجل أخرى في ضفة النظام الحاكم.