أزراج عمر يكتب:

أدباء طي النسيان

في مرحلتي الستينات والسبعينات من القرن الماضي ظهرت على مسرح الحياة الثقافية الجزائرية كوكبة من الأدباء الجزائريين الجدد باللغة العربية، وكانت الكتابة عندهم إيقاظا لجزء من ذاكرة الهوية الروحية الوطنية، ومقاومة لآثار الدمار الثقافي الاستعماري الفرنسي، ومحاولة لبناء الشخصية الأدبية الجزائرية في مرحلة ما بعد الاستقلال كل حسب كفاءته وموهبته، سواء كان تقليديا أو نزّاعا إلى التحديث والعصرنة.

لاشك أن بروز ما يدعى بجيل الاستقلال من الأدباء الجزائريين -وخاصة الشباب منهم في تلك الحقبة من التاريخ الثقافي الجزائري الذي لم يكتب بنزاهة حتى يومنا هذا- قد تزامن مع تأسيس صفحات وملاحق أدبية وفنية وثقافية في مختلف الصحف اليومية والأسبوعية والشهرية، جنبا إلى جنب تنشيط حصص أسبوعية وشهرية مكرسة لمختلف الأجناس الأدبية على مستوى الإذاعة الوطنية والتلفزيون الجزائري.

وفي هذا الخصوص أذكر هنا عددا من الأدباء الذين قاموا بجهود عملية أسهمت في توفير البيئة الملائمة لتشجيع المواهب الجديدة في ذلك الوقت منهم الإعلامي الجزائري الطيب ناجح منشط الحصص الأدبية، والدكتور عبدالله ركيبي من خلال برنامج المكرس لإبراز مواهب الأدباء الشبان، والإعلامي المغربي محمد علي الهواري الذي أشرف وقتذاك على القسم الثقافي والبريد الأدبي لجريدة الشعب، وأحمد حمدي الذي شجع نشر قصائد الشعراء الشباب الناشئين أثناء عمله على مدى سنوات بالقسم الثقافي بالمجاهد الأسبوعي، ومحمد عبدالقادر السائحي من خلال إشرافه على الملحق الأدبي لجريدة الشعب وتنشيطه للأمسيات الشعرية والنقدية بقاعة الموقار، وكذا أبوالقاسم خمار من خلال برنامجه الإذاعي الأسبوعي المدعو “من روائع الشعر العالمي”.

 في ذلك الوقت أسهم عدد من الأدباء العرب البارزين أيضا في تغذية وتحريك الحياة الأدبية الجزائرية، منهم نقاد أمثال محمود أمين العالم وغالي شكري وشكري فيصل، وفنانون مسرحيون كسعد أردش وكرم مطاوع، ويوسف إدريس وألفريد فرج، وشعراء كنزار قباني، وسليمان العيسى، وصلاح عبدالصبور، ومحمد مهدي الجواهري، ومنوَر صمادح، وسعدي يوسف وغيرهم كثير جدا.

 من الناحية العملية فقد أسهم هؤلاء وآخرون في إثراء الحياة الأدبية والفكرية الجزائرية ولكن لا أحد منهم يُذكر في أيامنا هذه سواء في سجلات الندوات التي تؤرخ لمسارات الحركة الأدبية في الجزائر، أو في المناسبات الثقافية ذات الطابع الوطني أو العربي، ومن المدهش أن السلطات الجزائرية لم تسم حتى الأزقة المعتمة والمؤسسات الثقافية والفنية بأسمائهم أسوة بما تفعله الأمم الراقية التي تطلق أسماء الساحات على الأدباء والمفكرين والفنانين الذين قدموا خدمات جليلة للنهوض بالحياة الثقافية وحقولها الأدبية والفنية والفكرية، أو تعلق لاصقات على جدران بيوت ومقرات تنقش عليها أسماء الذين نشطوا أو أقاموا فيها ولو لفترة وجيزة.