أزراج عمر يكتب:

الجزائر: لماذا يدعو خليل إلى تقويض مصالح فرنسا

في الأيام القليلة الماضية من هذا الأسبوع، هاجم وزير الطاقة والمناجم الأسبق شكيب خليل مجددا مصالح فرنسا في الجزائر واللوبي الفرنسي في الجزائر بلغة واضحة وذلك في عدد من تصريحاته منها تصريحه الذي ورد في المحاضرة التي ألقاها مؤخرا بجامعة المسيلة حيث قال فيها ساخرا بأن “جميع البلدان الناجحة تستخدم اللغة الإنجليزية، أما اللغة الفرنسية فهي لسان جميع البلدان الفاشلة”، ويفهم من هذا أن اللغة الفرنسية التي يقدسها هذا اللوبي الفرنسي في الجزائر لم تجلب إلا التخلف للجزائر وللبلدان التي تدور في فلك فرنسا المستعمرة سابقا.

إلى حد الساعة لم يكشف أحد من المقربين من شكيب خليل النقاب عن الأسباب الحقيقية التي دفعت به إلى مقارعة التيار الفرانكفوني المرتبط بفرنسا والذي يعتبر مكونا جوهريا للنظام الحاكم في الجزائر. وهنا نتساءل هل بدأنا نشهد بدايات معركة بين شكيب خليل والجماعة التي تسانده وتدعو بالتالي إلى الأمركة في الجزائر من جهة، وبين اللوبي الفرنسي داخل أروقة النظام الجزائري من جهة أخرى؟ وهل نفهم أن كلام شكيب خليل ليس مجرد تعليق للاستهلاك الإعلامي وإنما هو بمثابة إعلان عن وجود نواة صلبة لتيار يعادي الفرانكفونية داخل وفي محيط أجهزة النظام الجزائري نفسه، ويخطط للتخلص من التيار الذي يرعى مصالح باريس اقتصاديا وتجاريا ولغويا وثقافيا؟ وهل تعني تصريحات وزير الطاقة الأسبق أنه لم يتخل بعد عن مشروعه للوصول إلى سدة الرئاسة في الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2019؟

في هذا السياق نجد محللين سياسيين مختصين في الشأن السياسي الجزائري يحاولون فهم الدلالات التي تنطوي عليها مواجهة شكيب خليل للتيار الفرانكفوني المتواجد بقوة في هرم السلطة، وفي هذا الخصوص فإن فريقا من هؤلاء المحللين يعتقد أن تحركات شكيب خليل تدخل في إطار تفجير التناقضات المؤجلة بين الأقطاب المكونة لفسيفساء النظام الجزائري، وذلك من أجل تحديد مبكر لأطر الانتماءات والمواقع تمهيدا للانتخابات الرئاسية القادمة التي يمكن أن يتخذ الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وجماعته قرارا بشأن إجرائها في أي شهر بعد حلول السنة الجديدة التي ستبدأ بعد ثلاثة أشهر فقط.

ومن البديهي القول إن إشادة شكيب خليل باللغة الإنجليزية تحتمل عدة أوجه، فهي من جهة تدخل ضمن نطاق تعميق العلاقات التي تربطه بكثير من الشخصيات الأميركية التي لها نفوذ في البنوك والمؤسسات الاقتصادية الأميركية وفي البيت الأبيض، وذلك قصد الاستعانة بهم في المستقبل القريب لترجيح كفته للترشح للرئاسيات في حالة انسحاب الرئيس بوتفليقة منها، أو للدفع بهم للتدخل لضمان تعيينه بعد الانتخابات الرئاسية في منصب مفصلي في الحكومة سواء كوزير محوري أو كوزير أول خلفا لأحمد أويحيى الذي لا يتمتع بالشعبية حتى في المحافظة الأمازيغية التي ينحدر منها وهي تيزي وزو. ومن جهة أخرى فإن دعوة شكيب خليل إلى تحجيم تدريس اللغة الفرنسية في المنظومة التعليمية الجزائرية وفي العمل الدبلوماسي وتعويضها باللغة الإنجليزية سوف ينظر إليها كفعل بطولي وسوف تستقطب تيار الإسلاميين المعربين بشكل خاص والشارع الجزائري المعادي لفرنسا الاستعمارية بشكل عام للوقوف إلى جانبه.

لا بد من الإشارة هنا إلى أن الزيارات المكوكية التي قام بها شكيب خليل بعد عودته من أميركا إلى الجزائر للزوايا الدينية والمساجد تنطوي، ضمنيا، على أيديولوجيا لغوية عربية ترضي الشرائح الإسلامية بمختلف أنماطها، وبالتالي فإن مثل هذه الدعوة ستدرج كتجسيد للمطالب القديمة – الجديدة التي ما فتئت تتمسك بها حركة التحرر الوطني بهدف تحقيق مشروع فكَ الارتباط بالموروث اللغوي الفرنسي الاستعماري، وإلحاق الجزائر بالفضاء الجيوالسياسي والثقافي واللغوي الذي يخلو من إرث الصدام مع الاستعمار الدموي الذي ترمز إليه الآلة الاستعمارية الفرنسية.

لا شك أن أهمية تصريحات شكيب خليل تستمد قوتها أيضا من كونه وجها سياسيا معروفا في البلاد وأن جميع التهم التي وجهت له لا تزال مجرد فرضيات حتى الآن، وإلى جانب ذلك فهو صاحب تجربة معتبرة في إدارة شؤون الاقتصاد الجزائري وتسيير المؤسسات الكبرى على المستوى الوطني والدولي، وفضلا عن ذلك فهو رجل مثقف ليبرالي يعرف كيف تشتغل الذهنية الأميركية.