أزراج عمر يكتب:
خطر اللهجات الدارجة
منذ مدة تحدث مسؤول رسمي كبير بوزارة التربية الوطنية الجزائرية عن وجود نية داخل أروقة هذه المؤسسة الرسمية لإحلال اللهجات العربية الجزائرية الدارجة محل اللغة العربية الفصحى الموحدة في التعليم التحضيري والابتدائي الجزائري، ومبرره في ذلك هو أن “الكثير من التلاميذ لا يحسنون إلا لهجتهم التي تعلموها في المنزل”، وجراء ذلك فهو يؤكد أن “تعليم اللغة العربية الفصحى سيتم تعديله تدريجيا”، وأنه “لا بد من التكامل بين اللغة الأم واللغة الفصحى”، و”يجب أن يتعلم التلميذ في مرحلة أولى اللغات الجزائرية”.
والملفت للنظر هو أن هذا المشروع الخطير والمعلن عنه باحتشام، لم يطبق حتى الآن، ولكنه لا يزال قائما في أذهان الكثير من المسؤولين عن المنظومة التعليمية الجزائرية.
ومن غرائب الأمور أن الجهات المعنية والمسؤولة مباشرة عن سن وتطبيق القوانين مثل رئاسة الجمهورية، والحكومة، ومجلس الأمة، لم تحسم هذه القضية لصالح التدريس باللغة العربية الفصحى في مختلف مراحل التدريس باعتبارها تمثل القاسم المشترك إلى جانب التدريس باللغة الأمازيغية واللغات الأجنبية الحية.
من الملاحظ أن التعليقات والمداخلات التي نشرت هنا وهناك حول أطروحة هذا المسؤول بوزارة التربية، قد اكتفت بالانقسام الشكلي الذي سرعان ما تم تغييبه، حيث لم تتطور إلى نقاش فكري علمي واسع حول تعقيدات وأمراض المشكلة اللغوية في الجزائر وما تفرزه من إعاقات للهوية الفردية والجماعية، كما لم يفتح المجال لمناقشة مشكلة اللهجات العربية الدارجة التي ليست حتى يومنا هذا قادرة على أن تستوعب العلوم التجريدية، وتقنيات الإدارة، وشتى حقول المعرفة مثل الفلسفة، والآداب والفنون الرفيعة وشتى أشكال ومضامين الثقافة.
في هذا السياق لا بد من التذكير بأن اللهجات الدارجة المتداولة عبر التراب الجزائري كثيرة وتنطق في مختلف المناطق بلكنات مكسّرة، وهذا يعني أن تعليم اللهجات العربية الدارجة نفسه لن يكون موحدا، وأن الأجيال الجزائرية القادمة ستصبح جزرا لغوية دارجة ومتنافرة، ويعني هذا أيضا أن الهويات الثقافية، وحاملها اللغوي لتلاميذنا، ستصبح هويات “دارجة”.
كما أن التخاطب في ما بينهم سوف يحتاج إلى مترجمين دارجين بالملايين، وبذلك تكون الجزائر الدولة السباقة والرائدة في خلق التنافر اللغوي الدارج. أما احتكام بعض المسؤولين الجزائريين إلى ما يسمونه بلغة الأمهات فأمر غير معقول لأن نسبة عالية من الأمهات الجزائريات وخاصة الريفيات يتحدثن هجينا من اللهجات العربية الدارجة، فضلا عن اللهجات الأمازيغية التي لم تتطور بعد إلى لغات عامة، ويلاحظ أيضا أن هؤلاء الريفيات لا يزلن أسيرات آفة الأمية الحرفية، فضلا عن أشكال أخرى من الأميات.