هاني مسهور يكتب:
خنق إيران
أطلق مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون مصطلح «خنق إيران» في إشارته لاستراتيجية الولايات المتحدة الأميركية تجاه التعامل مع الملف الإيراني والتمهيد لحزمة العقوبات الأميركية الثانية التي ستبدأ في نوفمبر 2018م، ويبدو الموقف الفرنسي الحاد أشبه ما يكون بتوجيه صفعة قاسية للنظام الإيراني، «فأنشطة إيران الإرهابية على التراب الفرنسي لن تمر من دون عقاب»، بهذا بررت فرنسا عقوباتها على إيران بعد تجميد الحكومة الفرنسية، أصولاً مملوكة للاستخبارات الإيرانية وأخرى لمواطنين إيرانيين اثنين رداً على مخطط كان يهدف للهجوم على مؤتمر لجماعة معارضة إيرانية على مشارف باريس في يونيو 2018م.
سيكون لتدهور العلاقات مع فرنسا تداعيات أكبر على إيران إذ يأتي في وقت تتطلع فيه حكومة الرئيس حسن روحاني للعواصم الأوروبية لإنقاذ الاتفاق النووي، الذي أبرم عام 2015م بين إيران وقوى عالمية، بعد انسحاب الولايات المتحدة منه. العقوبات الفرنسية على إيران تؤكد سعي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى ضرورة العمل على مواجهة أنشطة إيران الإرهابية والمزعزعة للاستقرار في المنطقة بعد أن طفح الكيل من إيران التي تتصرف كقاطع طريق وليس كدولة.
شهدت أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة «سبتمبر 2018م» ما يمكن أن يوصف بأنه تحشيد دولي ضد السياسة الإيرانية استعداداً لمواجهة منتظرة مع الولايات المتحدة، الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان أكثر تشدداً في خطابه أمام الأمم المتحدة، وكذلك في الجلسة الخاصة التي عقدت في مجلس الأمن الدولي، كما أن الأميركيين باتوا بالفعل مقتنعين تماماً بأن استراتيجية خنق النظام الإيراني هي الوسيلة الوحيدة الممكنة التي من خلالها يمكن تغيير سلوك النظام في طهران.
صادرات النِّفْط الإيرانيَّة تتراجع بشدة، ويُعدّ هذا التراجع الذي جاء على نحوٍ يفوق التوقعات، إلى جانب حقيقة أنه سيزداد في المستقبل، انتصاراً للرئيس الأميركي ترامب الذي جعل الموقف الصارم تجاه إيران حجر أساس لسياسته الخارجية، وفرَضَ عقوباتٍ على إيران على الرغم من معارضة أوروبا، وعندما أعلنت إدارة ترامب لأول مرة فرض العقوبات على إيران، دفع الطابع الانفرادي لبعض الدول في سوق النِّفْط إلى التشكيك في فاعلية العقوبات، غير أن الواقع يتحدث عن مسألة مختلفة تماماً، فحتى المحاولات البائسة للالتفاف على العقوبات الأميركية لا يبدو أنها ستستطيع تجاوز استراتيجية البيت الأبيض، فأغلب الشركات الأوروبية الكبرى قامت بإلغاء عقودها في إيران، ولم تنتظر ترتيبات الاتحاد الأوروبي التي لا تحمل مؤشرات لإنقاذ إيران.
مؤشرات الاختناق واضحة من خلال عجز حكومة روحاني التي تتآكل بالفساد، يضاف لذلك الرفض المتزايد للشعب الإيراني للنظام، لاسيما في فئة الشباب، والعمال الذين لم يتسلموا أجورهم منذ أكثر من شهر، والمتقاعدين، والنساء اللائي لا يتمتعن بأي قدر من الحرية، كما أن الانشقاقات الداخلية الإثنية (العرب، الأكراد والآذريون، البلوش) والخلافات الأيديولوجية بين (الإصلاحيين والمحافظين)، هي واحد من مؤشرات عدم قدرة النظام عن التوفيق بين أطياف المجتمع.
ويلاحظ أن الإيرانيين في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة باتوا في عزلة سياسية غير مسبوقة فلقد ألقى الرئيس روحاني كلمته أمام كراسٍ فارغة بعد أن غادرت معظم الوفود الرسمية من القاعة، كل هذا يأتي في ظل انهيار للعملة الإيرانية ووصولها لمستويات قياسية في مقابل الدولار الأميركي، كل هذا يحدث قبل أسابيع من دخول الحزمة الثانية من العقوبات حيز التنفيذ، في دلالة واضحة على أن الإيرانيين سيواجهون وضعاً خانقاً لا يمكنهم التعامل معه عبر العنتريات وتصديرهم لأزمتهم مع المجتمع الدولي للخارج.
الفرصة الوحيدة للنظام الإيراني أن يراجع سياسات الأربعين سنة الماضية، التي بدأت بحرب السنوات الثماني مع العراق، ووصلت لتصدير الفوضى إلى العالم العربي عبر الميليشيات المسلحة في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، والتدخل في شؤون البحرين والسعودية وغيرها من الدول العربية، على إيران أن تقرر إن كانت دولة أو ثورة، كما قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، وكما أشار إلى ذلك سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن إيران لم تتوقف يوماً عن العبث في المنطقة ودعم الإرهاب وتطوير أسلحتها، إذاً لا فرصة مواتية للنظام الإيراني للتنفس بعد أن أطبقت الاستراتيجية الأميركية على العنق وباتت تخنق إيران.