أزراج عمريكتب..

الهوية الثقافية والتكامل

منذ سنوات طويلة طرح الشاعر المعروف يوسف الخال مشكلة الهوية المستوردة في مجتمعاتنا المشرقية والمغاربية وتجليها في الإنتاج الأدبي العربي المعاصر، وفي هذا الخصوص قال “بين كوننا شكلا في العالم الحديث، وكوننا جوهرا من خارجه ‘تناقض‘ يضطرنا إلى معاناة قضايا مجتمع قديم في عالم حديث، ومعاناة قضايا عالم حديث في مجتمع قديم. ففي التعبير عن معاناتنا تلك نعرّض أنفسنا لإنتاج أدب يجده القارئ العربي مستوردا غربياً”.

ولكن هذه المسألة صار ينظر إليها على مستوى النظرية الأدبية المعاصرة على أساس أنها ليست انحرافا أو اغترابا للشخصية الإبداعية الثقافية، بل إن نظرية التناص مثلا سواء تلك التي نظّرت لها الناقدة جوليا كريستيفا أو تلك التي اقترحها الناقد الروسي في كتابه عن عالم الكاتب الفرنسي رابليه حيث دعا فيه إلى الاحتفاء بالهوية الكارنفالية التي يتشكل نسيجها، على نحو عضوي، من تعدد واختلاف التنوعات الثقافية والحضارية والإثنية حيث اعتبرها رديفا للفضاء الديمقراطي الذي يتأسس على التنوع النابذ للأحادية المغلقة.

لا شك أن هذه النظريات الأدبية المعاصرة تؤكد على أن التناص، والهجنة، والتلاقح تعد مجتمعة روحا عصرية تبعث الحياة في أي ظاهرة حضارية ذات بعد إنساني عابر للعرقية وخارقة للمفهوم الرجعي للأصالة.

في هذا السياق نجد الناقد الثقافي ستيوارت هول يعتبر بناء الهوية على أساس التناص والتحول شرطا ضروريا للحوار في أي مجتمع، كما أنه يرى أن “مفهوم الهوية هو استراتيجي وموقعي” وأن “مفهوم الهوية لا يشير إلى تلك النواة المستقرة من النفس التي تظهر منذ البداية إلى النهاية عبر كل متغيرات التاريخ بدون حدوث التغير فيها ولها”، و”ليست ذلك الجزء الصغير من النفس الذي يظل دائما ومسبقا الشيء ذاته ومتطابقا مع نفسه عبر الزمان”. وهكذا ندرك أن أحادية الهوية الثقافية، أو الأدبية ليست إلا أحد أوهام المدافعين عن الأصالة المغلقة الذين ينتقدهم الناقد والفنان والمفكر أدورنو في كتابه “رطانة الأصالة”.

لا شك أن الهوية الأدبية مكونة بدورها من تنوع كل من المرجعيات الثقافية ومضامين وأشكال التراث الوطني والإنساني، وعلى هذا الأساس ندرك أن التراث ليس مجرد تجميع للتقاليد والأعراف، والإنتاج المادي والروحي الظاهر للعيان فقط، وإنما هو مرتبط بمكونات البنية العميقة اللاواعية للشخصية الثقافية الفردية، أو الجماعية.

ونظرا إلى أهمية هذا المنظور في النظرية الأدبية المعاصرة نجد نقادا يدعون إلى العمل بمبدأ التكامل، الذي كرسته مدرسة كوبنهاغن الفيزيائية التي دشنت نظرية مبدأ التكامل بزعامة العالم الفيزيائي الدانماركي نيلز بور، وتؤكد هذه النظرية أن “المعرفة الكاملة للظواهر على الأبعاد الذرية تتطلب وصفاً لكل من خصائص الموجة والجسيمات”.