نهى البدوي تكتب لـ(اليوم الثامن):
«القاعدة» و«داعش» صراع البقاء في اليمن
لم يقتصر صراع البقاء على التيارات السياسية والحزبية وطرفي الحرب الدائرة في اليمن، إنما أمتد في الأشهر الأخيرة ليصل إلى تنظيمي «القاعدة» و«وداعش» في محافظة البيضاء، ورغم تتعدد الأسباب والدوافع حول الصراع وأسبابه وخفاياه، لكنه يعُد انعكاساً وتواصلاً للصراع القائم في سوريا والعراق وليبيا منذُ عامين بين التنظيمان الأساسيان «الدولة الإسلامية في بلاد الشام» و«تنظيم قاعدة الجهاد في شبة الجزيرة العربية» وكأن الصراع بينهما في اليمن يجسد قول الاديب الفرنسي بول فاليري: «الحرب مجزرة تدور بين أناس لا يعرفون بعضهم البعض لحساب آخرين يعرفون بعضهم البعض ولا يقتلون بعضهم البعض».
ازدادت حدة الصراع والتنافس بين تنظيمي «القاعدة» و«داعش» بعد النجاحات الميدانية التي حققها التحالف العربي على الأرض، وتطهير الأراضي التي كانت تحت سيطرة عناصر التنظيمان وتقويض أنشطتهما في عدد من المحافظات الجنوبية ودحرهما، إلى بقية المحافظات المجاورة ومنها محافظة البيضاء، اللذان ينشطان فيها في ظل الانفلات الأمني الذي وفرَّ الظروف الملائمة لتحركهما بأمان، ما جعل التنافس والصراع بينهما يخرج إلى العلن، ومحاولة كلا منهما تقديم نفسه بأنه جزء من المجتمع والحامي للقبائل في مناطق «قيفة» و«حميدة» معقل تواجدهما مستفيدان من فراغ الدولة الذي أتاح لهما تقديم نفسيهما كبديل عنها.
ويثير القتال الذي يحدث بينهما مخاوف الأهالي في مناطق تواجدهما، ويشير تقرير نشرته صحيفة «العربي الجديد» بعنوان «في البيضاء: 4 حروب في منطقة واحدة» في ٢٢ سبتمبر الماضي إلى «دخول تنظيم "داعش" على الخط عبر ظهور مفاجئ في بدايات العام 2017، حيث أقام معسكرين له يحملان اسمي اثنين من رموزه قُتلا في سورية، وهما أبو محمد العدناني وأبو محمد الفرقان. وقد شهد الشهران الأخيران معارك متقطعة بين مقاتلي "القاعدة" و"داعش"، في مواجهة مباغتة. ويعبّر العديد من أبناء البيضاء عن توجّسهم من وجود "داعش" أكثر من توجسهم من "القاعدة"، لأسباب متعددة، يذكرون منها أن "داعش" يضم في صفوفه العديد من المقاتلين الأجانب». وأثبتت الاشتباكات التي دارت بين التنظيمان في ١٠ يوليو الماضي أنه لا يهمهما دماء اليمنيين بقدر ما يحرصان للحفاظ على وجودهما وإنهم عندما يقتلان بعضهما البعض إنما يقتلان اليمنيين ومسألة الحفاظ على دمائهم لا وجود لها في حسابات الصراع بينهما حيث أسفرت المواجهات عن مقتل 14 من مقاتلي «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» و22 من عناصر«داعش» بالإضافة إلى احتجاز تنظيم «داعش» لـ 12 رهينة من مقاتلي «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» بحسب تقارير إعلامية.
وكما كان بالأمس فراغ الدولة قاسماً مشتركاً يجمعهما، فإن التنافس لفرض السيطرة والنفوذ والمصالح، يمثلان اليوم جوهر الصراع بينهما، ومهما حاولا السعي لنيل الرضاء الشعبي والقبلي لتعزيز علاقتهما بالمجتمع في إطار التسابق والتنافس على كسب وده للحصول على الحماية المجتمعية والقبلية إلا أن الصراع سيظهر صورهم الحقيقية ومدى استخدامهم للقبائل كوقود لصراعهم والتضحية بهم في سبيل الحفاظ على بقائهما مسيطران على الأرض.
عندما يصل الصراع بين أية أطراف مسلحة إلى ذروته ونقطة الصدام المسلح، يتحول الأبرياء الذين لا ينأون بأنفسهم عنه إلى وقوداً له، ويدفعون حياتهم ثمناً باهضاً لصمتهم عنه، وفي الغالب تظهر بعض مواقف العقل الرافضة لأن تكون وقوداً للصراع والاقتتال. فهل سيرضى أبناء تلك المناطق بإن يتحولوا إلى وقوداً لصراع البقاء بين تنظيمي «القاعدة» و«داعش» في اليمن؟