أحمد عبداللاه يكتب لـ(اليوم الثامن):
نظرة الإعلام السعودي للجنوب.. هل حان وقت التغيير؟
منذ عام 2015 يعتبر الجنوب خارج سيطرة الحوثيين وحلفائهم، ولم يبق بعدهم لإيران من الناحية العملية أي وكلاء أو وكالة عدا حالات فردية عائمة في فضاءات الإعلام المضاد.
هذا أمر بديهي، لكن أحداً لا يستطيع التأكيد إن كان إعلام المملكة السعودية استوعب ذلك أم أنه يجد في خطاب "السلطة الشرعية" وأدوات الإخوان المعروفة ما يشبع غرائزه، فيسارع استتباعاً لتصريحاتهم وأقوالهم إلى نصب خيمة فضائية وصب قهوة السمّار احتفاء بعقر ناقة الحقيقة كي تسقط على مذبح الأهواء المنفلتة. فهل تشيح منصات إعلام رسمي تابع لدولة كبيرة كالمملكة بأطباقها عن الوقائع الساطعة؟
للأسف الأداء العام يشير إلى أن هذه الفرضية مرجحة للغاية خاصة بعد أن اتضح وهن وضعف وارتباك الإعلام حتى في التعامل مع ملف خاشقجي الذي يعتبر تحد كبير للمملكة وقادتها.
محلل سعودي، اختلطت عليه الجهات، يقول: "إيران في اليمن فشلت شمالا فاتجهت جنوبا".. بمعنى أن الجنوب ممكن ان يتبع إيران وأن يمارس طقوس اللطم العاشورائي، وأن الشمال الذي تحولت هضبته الى اقليم كربلائي يمكنه (بمعنى مقارب) أن يتبع كوالالمبور وفقاً لرؤيته المضحكة. من يعلم ماذا سيضيف إن شطح به الخيال أكثر في المرة القادمة.
هذا ليس محلل بل "مخلل" وواحد من بين العناصر الاعلامية في المملكة الذين يجيدون رص الكلمات على طريقة الهلوسة بعيد عن تدخل "الكيمياء الشرعية" لفحص المحفزات الحزبية.. خاصة وأن قناة الأخبار والعربية ومعهما بعض الصحف أصبحت منصات لبعض الذين توقفت جماجمهم عند الولاءات و القناعات المسبقة.
وعليك أيها المشاهد الغريق أن تكون حصيفاً في تيهك لأن بلبلة الأفكار وألسنة المتحدثين، الذين يخفون في قمصانهم البيضاء ما يعادل أوزانهم نفاق، سوف تجرجرك بنعومة ولطف في أزقة الاخونجية الباطنية، وأمام الأقنعة المتعددة الألوان التي تتفنن الميديا والقنوات السعودية بتقديمهم افراداً مشفرين بألقاب مختلفة.
الخلل والبلاء صناعة محلية أيها الأشقاء السعوديون ولديكم جين مرضي قديم.. في الإعلام واللجان والاستخبارات والمعلومات... وأنتم من تغمطون حسناتكم وتبدون سيئاتكم.. فلا لوم على خصومكم الذين يسجلون تفوق كبير في الحرب الاعلامية الضروس اداء وهيبة وسلطنة، بينما انتم توجهون السهام لحلفائكم، كلما حاولوا النسيان استجد شيء أشد غباء من ذي قبله.
أي أن السعودية هي الدولة الوحيدة التي تعطي خصومها سيف ودرع وخيل ليصارعوها على أرضها.. وتكلف إحدى لجانها المتهالكة كي تقف في يوم رملي عاصف على كومة صحراوية تكتب انطباعاتها حول قواعد الحرب ودرجة العبقرية عند الحكام.
الشعوب المغلوبة على أمرها (وأولهم الجنوبيون) التي ضجرت من تكرار هذا المشهد بدأت تدرك بأن الأمر لم يعد تكتيك وإعجوبات لامرئية، وإنما إخفاق وضياع يصل حدود العمى المزدوج الذي يحدث حين لا يرى المرء أي شيء وفي الوقت ذاته يرى أشياء لا وجود لها... وإن ظهر شيء من الحقيقة فإنها سوف تتوه في شبكة معقدة من التسلسل المتشعب وقنوات وهياكل بيروقراطية ولا تصل الى دوائر القرار الا بعد ان تجف عروق الحياة ويصبح الثمن مضاعف الف مرة. فيحق القول: أن تموت نائما خير من أن توقظك الطعنات لتعرف انك ملاق ربك خائبا مغدورا.
وبسبب عجز دولة كبرى كالمملكة في تقييم وتطوير قدراتها الإعلامية بصورة توازي مكانتها وثقلها صار العالم يستقي معلومات وأحداث بلاد الشرق المريض من قناة الجزيرة التي تعاظم دورها في زمن "السبي الحديث" وأصبحت منبراً مؤثراً للغاية، ليس على نمط كتابات إبن سيراخ الاورشليمي، الذي خدم بها شعبه في زمن "السبي البابلي"، وإنما على طريقة حمار بن باعوراء الذي يحمله إلى قمة تطل على قومه ليدعو عليهم.. مدركة أنها تمارس الكذب الإعلامي المقدس خدمة لآلهة التغيير المزعومة كي تعيد الشرق إلى حظيرة السلطان الذي توزع بلاده على العالم الغربي في دور مكمل للجزيرة فطائر الأخبار الساخنة من بازار "انادولو اجينسي" حين يضرب الغربَ جوعٌ شرق أوسطي.
ولهذا فإن من أبسط حقوق المملكة وحلفائها أن "تدمغ" إعلاميي الخطأ بالوشم القرمزي الشهير !
أو ليس الكذب على ملايين المشاهدين أمر معيب؟ أو ليس من الكبائر ان توضع دماء المدافعين عن أرضهم وكرامتهم في خانة أعدائهم الغزاة؟ أو ليس من حقهم المطالبة بمحاسبة تلك الأبواق ومن يقف وراءها؟ بلا .. وتلك أبسط الحقوق لو كان الحكام يعقلون ويعدلون.
اعلامهم ورق بلا حبر فلا تندهشوا أيها الموجوعون لأن ادوات المملكة ما تزال تتململ داخل برواز التاريخ وتحتاج هزات متتالية حتى تصحو، وسوف تظل، ولو إلى حين، تتعامل مع الآخرين على نمط "قيّلوهم واسقوهم ليبردوا" حتى نفكر ماذا سنفعل بهم.
لكن في الحالة الجنوبية لم يعد هناك "تقييل" او "تبريد" بل استنزاف وتلفيق وتأجيل حتى تحل المملكة كل مشاكلها مع الكون ثم تبدأ في التفكير.. ماذا تفعل بهم؟
في العامين المنصرمين راكم العالم معلومات تفوق ما أنتجته البشرية منذ ظهور الهوموسابيان وصولاً إلى مجريات عاصفة الحزم.. وكل ذلك يتضاعف بدرجات يصعب قياسها حتى تؤتى العقول من العلم كثيرا. ولا يُفهم في هذا السياق كيف أن المملكة بإعلامها وأعلامها ماتزال بعد ما يقارب من أربع سنوات حرب لا تدرك من هم الحلفاء ومن هم الأعداء ظاهراً وباطناً في اليمن، وكيف هو أداء كل طرف في الميدان، وكيف أن السلطة الشرعية بقيادة حزب الاخوان بحاجة إلى أسنان تمساح للمساعدة على الطحن والابتلاع أكثر من حاجتها إلى عقل سياسي أو إرادة لعمل أي شيء، لأن المصلحة لديها أن تبقى البلد لفترة طويلة على جبل من بارود، باعتبار ذلك الضمان الوحيد لبقائها. وهذا ليس افتراض، وعلى أي مراقب صاح ضميره أن يقرأ مسارات الحرب منذ أن عصفت وحتى ضاع حزمها. فهل تتوافق أهداف السلطة الشرعية مع أهداف المملكة؟
تلك إشارة مزعجة ومؤشر لا يُستدل به سوى إلى أن القائمين على أمور جزيرة العرب بحاجة عاجلة إلى إصلاح أحوالهم والتخلص من اللجان المعتقة والصناديق الإعلامية والاستخباراتية والسفراء الغارقين في أهوائهم و ولاءاتهم الخفية، والخروج من إطار المنظومة المعقدة في جمع المعلومات وتحليلها وفي آلية اتخاذ القرار. وبالرغم من وضع المقاربات النظرية في الاقتصاد والتنمية التي تتناسب مع البريستيج العام للدولة أمام المتغيرات العالمية، إلا أن المملكة بحاجة إلى إعادة تقييم أدوارها الخارجية وأدائها ونظرتها لمستقبل المنطقة. فالمملكة لم تبدأ الإصلاحات الحقيقية بعد ولم تلمس سوى قشور يابسة تكرمشت في صقيع الفصول.