نهى البدوي تكتب لـ(اليوم الثامن):
«الكي بفرض السلام» آخر العلاج للصراع في اليمن
يعزز التوجه الدولي لفرض السلام نظرة وتطلعات الكثيرين في اليمن في امكانية نجاح الجهود الأممية لوقف الحرب، التي برزت مؤشرات جديتها قبل وخلال زيارة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة السيد مارتن غريفيث الذي إنهاء زيارته لصنعاء والحديدة ومشاوراته مع القادة الحوثيين السبت الماضي، والمناقشة معهم لملفي تسليم الحديدة لطرف ثالث، وإجراءات بناء الثقة، لاستئناف مفاوضات السلام، الذي يرى اليمنيون في وقفها فرصة لإنقاذهم من شبح المجاعة الذي يهدد حياتهم، وسيهيأ الظروف لتعافي الوضع لاقتصادي وإنهاء محفزات التطرف والإرهاب والفوضى الأمنية التي انتجها واقع الحرب.
يأتي توجه المجتمع الدولي بفرض السلام بعد استشعاره خطورة الوضع الإنساني في اليمن، بسبب استمرار الحرب، مما دفع بعض الدول والمنظمات الدولية للضغط على الأطراف المشاركة في الصراع، للإسراع بالانخراط في المفاوضات المزمع عقدها في مدينة ستوكهولم بالسويد أوائل ديسمبر المقبل، والشروع في بدأ خطوات بناء الثقة، لتجنيب اليمنيين كارثة المجاعة المنتظرة حيث أعلن وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس الأربعاء الماضي عن انعقاد محادثات للسلام بين الحكومة اليمنية والحوثيين مطلع ديسمبر القادم في السويد، كما وزع مندوب بريطانيا في مجلس الأمن الدولي الاثنين الماضي مسودة مشروع قرار بريطاني لوقف الحرب في اليمن، كما أكد خادم الحرمين الشريفين ملك المملكة العربية السعودية سلمان بن عبد العزيز في حديث له الأربعاء الماضي أمام مجلس الشورى السعودي على التزامه بمسارات السلام لإنهاء الصراع في اليمن، فيما رحب وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش بعقد مباحثات يمنية في السويد، وتؤكد هذه المواقف المتسقة والمتطابقة عن إصرار دولي لوقف الحرب في اليمن والدفع بأطراف الصراع للانخراط في مشاورات السلام المرتقب عقدها في السويد.
ويبدو أن المواقف المتصلبة للأطراف المتحاربة في اليمن وداعميهم الإقليميين برفضهم تقديم التنازلات المطلوبة في جولات المشاورات السابقة، لوقف الحرب، وتهيئة الأرضية للوصول إلى مرحلة السلام، وتمسك كل طرف بمواقفه الرافضة للرضوخ للآخر لحقن لدماء اليمنيين، بالإضافة إلى تفاقم الوضع الإنساني لاستمرار الحرب في ظل فشل قوات التحالف في إحراز أي نجاح لحسم المعارك والسيطرة على ميناء الحديدة، الذي بات بؤرة للحرب والسلام في اليمن، وبعد أن صار استمرار الحرب لم يعد ذات جدوى بقدر ما هو استمراراً لقتل اليمنيين سوى بنيرانها أم بتداعياتها الإنسانية التي وضعتهم على حافة الهاوية، أفقدت اليمنيين تلك المواقف الأمل في وقف الحرب، ما جعلهم ينظرون بعين الرضاء والتأييد للتوجه الدولي لفرض السلام كخيار أقل كلفة لإنقاذهم من خطر المجاعة الذي يهدد حياة أكثر من ١٤ مليون نسمة بالهلاك بحسب تقارير الأمم المتحدة.
كما أن فساد الأطراف المتحاربة وانعكاساته على الوضع المعيشي للمجتمع وازدياد مستوى الفقر والتهريب للمخدرات وانتشار الفوضى والتطرف والإرهاب، وتدهور الأوضاع الإنسانية والمعيشية والأمنيةً جعل اليمنيين ينظرون بلهفه إلى من سيأتي لينقذهم وينطلقون في نظرتهم هذه من طرحهم للتساؤل: ماذا لو تخلى المجتمع الدولي عن اليمن وتركه لنفسه يوجه مصيره؟ ومن التفكير بأنه لن يحدث أسوأ مما هم فيه الآن بعد أن أصبحت بلدهم مسرح لحرب إقليمية تدار بالوكالة ووقودها الإنسان اليمني، ولم يقتصر ضحاياها على المشاركين فيها إنما طال الشعب بأسرة بعد أن فتكت المجاعة بحياة الآلاف منهم حيث قالت: هيئة إنقاذ الطفولة، الأربعاء، في بيان لها إن ما يقدر بنحو 85 ألف طفل تحت سن الخامسة ربما لقوا حتفهم جراء الجوع الشديد في اليمن منذُ بداية الحرب في مارس ٢٠١٥م.
ما كان لمعظم اليمنيين أن يفضلوا خيار فرض السلام وإدارة طرف ثالث لميناء الحديدة تحت أشراف الأمم المتحدة، عن أي خيار آخر لولاء دوافعه ودواعي تقديم التنازلات، بعد عجز الحكومة المعترف بها دولياً عن السيطرة على ميناء الحديدة، ودفع اليمنيين حياتهم ثمناً لتمسك طرفي الحرب بأحقية كلاً منهما بإدارة الميناء. ولولا المجاعة والفوضى الأمنية وانتشار محفزات التطرف والإرهاب التي انتجتها حرب تدار بالوكالة لتصفية حسابات إقليمية في بلدهم، ورفض طرفي الحرب تقديم التنازلات للسلام لإنقاذ اليمنيين من المجاعة، لما أنعش خيار فرض السلام آمالهم لوقف الحرب وعزز تطلعاتهم لنجاح فرص السلام هذه المرة، مع اعتزازنا وتقديرنا لبقية المواقف ووجهات النظر المعارضة لذلك، التي قد ربما لديها ما يبررها، لكني أرى أنهُ لا جدوى لبعض الخيارات الخاسرة والرهان عليها بعد أن صار الوضع في اليمن يتطلب فرض السلام الذي بات أشبه بالكي كآخر العلاج للصراع في اليمن.