أزراج عمر يكتب:

المثاقفة المعطوبة

لا أذكر حتى الآن ذلك الكتاب الذي قرأت فيه منذ زمان بعيد دعوة حارة تقدم بها أحد كتابنا، يدعونا فيها إلى رصد تأثر الثقافة العربية بالوجودية أو بالماركسية وغيرهما من التيارات الفكرية الغربية القديمة والحديثة والمعاصرة. وفي الواقع فإنه يمكن لنا توسيع نطاق هذه الدعوة لتشمل تأثر الثقافة العربية بالنظريات والمفاهيم الأدبية والعلمية والفنية والاجتماعية الأنثروبولوجية والنفسية والتكنولوجية، ومختلف أساليب حياة أوروبا/ الغرب على الأقل منذ ما يسمى بعصر النهضة في المشرق العربي.

إن العجيب في الأمر هو أن معظم النقاط المضيئة في تراثنا الحضاري الجمعي يعود الفضل غالبا في اكتشافها أو المحافظة عليها أو التعريف بها إلى المستشرقين، بما في ذلك بعض المرتبطين منهم بالآلة الكولونيالية. وفي تقديري إن ما يشار إليه على أنه تأثر بالوجودية أو بالماركسية أو بالبراغماتية ثم بالليبرالية لا يتجاوز نطاق الانبهار بالموضة الفكرية الوافدة والتي سرعان ما تنطفئ في ديارنا، بعد أن يكون مبتكروها قد هجروها إلى طقوس فكرية أخرى سواء في ميادين الفكر أو العلم أو الآداب والفنون وغيرها.

 في الستينات والسبعينات من القرن العشرين رأينا أفواجا من المتمركسين العرب، منهم من كانوا يعتبرون أنفسهم مفكرين أو فلاسفة، وهناك منهم من قدموا أنفسهم لمواطنينا بأنهم العرّابون المطبقون لنظريات الماركسية سواء في إطار أحزاب شللية أو في شكل مجموعات مصابة بالنرجسية، حتى كادت أن تتحول إلى قبيلة ذات عصبية مجهزة بالعنف المادي والإبستمولوجي والحزبي.

ولكن المؤلم في كل هذا هو أن لا أحد من هؤلاء قام بتجربة نظرية أو تطبيقية لتطوير فكرة أو نظرية منبثقة من رحم مجتمعاتنا إلى الماركسية الوافدة، والتي لم توظف جديا حتى لفهم وإدراك مسألة مهمة وهي أن مجتمعاتنا لا تنتمي، من حيث تقاليدها الروحية وأسسها الثقافية والقيمية والنفسية وأساليبها الزراعية والفلاحية، إلى نموذج الإنتاج الأوروبي/ الغربي بقاعدته الصناعية التي أفرزت تاريخيا الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية والصراع الطبقي بينهما.

وبالعكس فإن بلداننا تنتمي إلى النموذج الأفريقي الآسيوي الذي نصح ماركس شخصيا بلداننا بالاشتغال عليه نظريا وممارسة، من أجل بناء هوية خاصة ومتميزة لمجتمعاتنا. والأدهى والأمر هو أن مأساة استيراد قشور النظريات والنماذج المختلفة من الغرب لا تزال تتكرر راهنا. وأعتقد أيضا أنّ السؤال الذي ينبغي علينا طرحه في هذا السياق هو: لماذا لا توجد دعوات جادة أيضا إلى دراسة الأسباب التي أدّت ولا تزال تؤدي إلى إدارة أقطاب الثقافة العربية المعاصرة، لتنوع الثقافات والفلسفات والحضارات التي بنيت عليها في الفضاءين الأفريقي والآسيوي، علما أن هذين الفضاءين هما أكثر قربا منّا قيما، وحساسية نفسية وأخلاقية وإنتاجيا؟