خطاب اللغة السياسية الرفيعة
عن المخاء وبيان القائد عيدروس
لم يعد خطاب القيادة الجنوبية معنيا بتكرير الشعارات العاطفية بقدر ما هو مسئول عن تقديم الإجابات السياسة الشافية.
حالة الإبهام التي رافقت التقدم العسكري في المخاء, أغرت أوساطا سياسية عدة للتشكيك في صلابة النهج السياسي للقيادة الجنوبية الصاعدة, وهو ما انعكس بدوره على مزاج الشارع الملتبس بين إحساسي الفخر والضجر, إلى أن أطل عيدروس الزبيدي ببيانه الأخير كي يعيد رسم خطوط الاشتباك ويضع بنفسه قواعد اللعبة.
وفق معايير الاحتراف السياسي، فإن تصريحات المحافظ تبدو متأخرة بعض الشيء, لكن وبمراجعة الإرث النضالي الجنوبي, خصوصا في عقده الأخير, سنجد أن حديث عيدروس يشكل سابقة سياسية من حيث اللغة والمضمون.
الزبيدي لم يعد يناشد العالم بلغة رومانسية للاعتراف بقضيته العادلة, بل هو يؤسس لتوازن مصالح تكون فيه الحالة الجنوبية جزءا أصيلا من مصلحة محيطها العربي, بدرجة أولى يعي عيدروس قدراته الذاتية, وبدرجة رئيسية يعرف عيدروس كيف يواءم بين مطالبه الشعبية والمصالح الدولية الإقليمية.
قد يستغرق البعض في مناقشة الواجب الأخلاقي الذي شرح فيه الزبيدي أسباب التقدم الغربي, لكن النقطة الجوهرية في الخطاب تتمثل بالمقاربة التي حاول المحافظ تقديمها, والتي تتوخى أولا المواءمة بين ما هو جنوبي وما هو عربي, وثانيا المواءمة بين ما هو أخلاقي وما هو استراتيجي.
بلغة أدق فإن التدخل الجنوبي في المخاء لم يكن مجرد اندفاعة متسرعة, بل هو خطوة استباقية هدفها أولا وأخيرا تعزيز أمن وانتصارات الجنوب.. وعلينا أن نتفهم هكذا رسائل بإيجابية تامة خصوصا وهي تأتي في الوقت الذي شاهدنا وسمعنا الكثير من الدعوات المحرضة على الانسحاب من المخاء, بعد استشهاد اليافعي والصبيحي وغيرهم من القيادات العسكرية الجنوبية.. وهي دعوات لا تحمل بالضرورة أي نوايا خبيثة.. لكن الانصياع لها يعني الوقوع بالخطأ ودفع فاتورة أكبر من فاتورة الاستمرار في المعركة حتى تحقيق النصر.
حينما يتحدث المحافظ بهذه اللغة السياسية الرفيعة, في وقت صمت فيه الكثيرون.. ينبغي لنا أن نفكر معا كيف سندعم هذه الأطروحات ونتعاطى معها بإيجابية ونتفهم ما وراء السطور، ونثق بأن الزبيدي الذي عودنا بأنه يعمل أكثر مما يتحدث, لم يظهر بهذا الخطاب إلا وهو يدرك جيدا أن مفاعيل هذه المشاركة ستعود بالخير في حال استطعنا أن نكمل تفوقنا العسكري بتقارب سياسي ينهي حالة الانقسام ويثبت أقدام الحراك في نضاله لبناء دولته.
وبعد أن جلا عيدروس الغبار عن خطوات المقاومة الجنوبية خارج حدودها.. يبقى أن يقدم على الخطوة السياسية المقبلة في الداخل كي يعيد تشكيل الحالة الجنوبية بما يتوافق مع طموحات جماهيرها.
فشعبنا بأمس الحاجة إلى قيادة شابة تمتلك الجسارة والقدرة على بلورة رؤية مستقبلية متكاملة وكيان سياسي مستقل.. ويكفينا كي نتفاءل أن عيدروس استعاد زمام المبادرة السياسية, ويبقى أن نكمل البناء على ما فعل.