إبراهيم الجبين يكتب:

أين ستدور الحرب الكبرى؟

حتى على العلماء، تغيّر العالم كثيراً. وهذا أندرس ساندبيرغ الباحث في معهد مستقبل الإنسانية في أكسفورد يشكو قائلا “أحاول أن أفكر في المستقبل، ولكن التنبؤات ليست بالأمر السهل. فالسؤال الكبير اليوم هو: هل بإمكاننا أن نتعلم ما نحن قادرون على التنبؤ به؟”.

وقد كثرت الهمسات في هذه الأيام الأخيرة من العام الحالي 2018 عن وشوك اندلاع حرب كبرى. ومرات يحدد بعض قراء المستقبل الجيوسياسي جغرافيا تلك الحرب في بقعة من الشرق العربي، وفي مرات أخرى في بحر الصين أو في القرم.

ورغم توافر الكثير من المقدمات الموضوعية التي تؤكد قرب تفجّرها، إلا أن الحرب الكبرى لن تدور في أي من تلك الأصقاع المتوقعة. وسيكذب المنجمون وإن صدقوا.

ما فعلته الحضارة بالإنسان لم يظهر أثره بعد. ونحن ركزنا قبل سنوات على جزء مما بحث فيه الأميركي فرانسيس فوكوياما. لكن كثيرين لم يتابعوا حتى قراءة عنوان نظريته المثيرة. كان فوكوياما قد اختار لبحثه الكبير عنواناً طويلاً “نهاية التاريخ و.. الإنسان الأخير”. ولعل الإنسان الأخير هذا جدير بالبحث والاهتمام اليوم أكثر.

“الإنسان الأخير” فكرة من ابتكار الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، لكن فوكوياما جلبها إلى عصر الميلينيوم. معتبراً أن مطلب نيتشه بأن يصير الناس أسياد أنفسهم، كلامٌ نظريٌ أرستقراطي. يقول فوكوياما “حينما كان زرادشت نيتشه يتحدث إلى الجمهور عن الإنسان الأخير، علت صيحة تقول: أعطنا ذلك الإنسان يا زرادشت. اجعلنا هذا الإنسان الأخير ونحن نعفيك مما تبقى”. بينما اعتقد فوكوياما أن حياة الإنسان الأخير هي حياة الأمان الشخصي والوفرة المادية. لكن مع ذلك، فقد كان يخشى من ردّة ما إلى الإنسان القديم، تعيد الزج بالعالم في “التاريخ بكل حروبه وظلمه وثوراته”. أليس هذا ما يحدث؟

الحرب العظيمة التي نكاد نسمع طبولها تقرع ستستعر داخل الإنسان وحده. وفي البُعد السحيق من ذاته التي لن تحتمل المزيد من الضخ. هناك في تلك الصحراء الصغيرة والشاسعة في الوقت ذاته، التي باتت غابات كثيفة من أشجار البيانات، تغزوها الكائنات النانوغرافية والأسلاك والشرايين الصناعية والآلات الحاسبة. هناك في الأعماق. وما أبعد الأعماق.

بقي فوكوياما يحذّر من تصادم قد يقع ما بين رغبة تأكيد الذات عند البشر أو ما تسمّى بـ“الميغالوتيميا“، وبين رغبة الإنسانية بالمساواة أو “الإيزوتيميا”، ويعتقد أن خلط هذين المكوّنين سيؤدي إلى دمار البشرية حتماً. وإلى “النهاية” كما يتصوّر. لكنها البداية وحسب، حينها ستقع الحرب الكبرى.

العرب