عرض كتاب..

العلاقات اليمنية _ السودانية، دراسة علمية معمقة ذات أبعاد جيوسياسية استراتيجية

هذا العرض نُشر في مجلة بريم – العدد 17 (يوليو/تموز 2025)، وهي مجلة فصلية صادرة عن مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات، ومتخصصة في دراسة قضايا الدول المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن.

العلاقات اليمنية – السودانية: دراسة علمية معمّقة ذات أبعاد جيوسياسية استراتيجية تأليف: د. عبدالناصر سعيد محمد البطاطي – الطبعة الثانية، دار آريثيريا، الخرطوم، 2025م

د. سالم الحنشي
باحث مقيم في مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات، رئيس تحرير مجلة بريم الصادرة عن المؤسسة

قدمت مجلة بريم في عددها الـ17 عرضاً لكتاب "العلاقات اليمنية _ السودانية، دراسة علمية معمقة ذات أبعاد جيوسياسية استراتيجية" للدكتور عبدالناصر سعيد محمد البطاطي. يُعد هذا الكتاب، الصادر عن دار آريثيريا للنشر والتوزيع بالخرطوم - السودان في طبعته الثانية لعام 2025 ضمن سلسلة الدراسات الاستراتيجية (8)، إضافة قيّمة للمكتبة العربية، حيث يقدم تحليلاً معمقاً للروابط التاريخية والجغرافية والاستراتيجية التي تجمع بين اليمن والسودان.

يشتمل على 625 صفحة، وقد قدَّم له كل من: البروفيسور حاتم الصديق محمد أحمد، والبروفيسور علي عبدالقوي علي الغفاري، والبروفيسور مبارك قاسم صالح البطاطي، والأستاذ سقاف عمر محسن السقاف، أشادوا جميعهم بالموضوع الذي تناوله، وما اشتمل عليه من معلومات دقيقة ومستفيضة، وأهميته للمختصين والباحثين وحتى صانعي القرار في البلدين، وأشادوا بكثرة المصادر والمراجع التي رجع إيها وأهميتها وتنوعها، وما اشتمل عليه من ملاحق قيمة، وقد عرض المؤلف بعد المقدمة خمسة وأربعين مصطلحًا، يذكر المصطلح ويبيَّن تعريفه، ويوضح مفهومه، ويشير إلى بداية ظهور المصطلح ويتتبع مسار تطور مفهومه، وأبرز المحطات في تاريخ مساره الزمني، وما قد رافق ذلك من اختلافات بين العلماء أو الجهات التي استعملت ذلك المصطلح أو عرفته تبعًا لاختلاف وجهات نظرها حول ذلك المصطلح وممارستها له، وما قد يوجد بين بعض المصطلحات من تداخل أو تعارض أو تناقض، ويركز على إبراز أوجه الاختلاف بين بعض المصطلحات التي يكثر الخلط بينها، ويذكر انحدار المصطلح اللفظي، ويشتمل الكتاب على أربعة فصول، تشتمل على عشرة مباحث، ينضوي تحتها اثنان وعشرون مطلبًا، يمكن عرضها بصورة أوضح وأوجز على النحو الآتي:

الفصل الأول: الإطار العام لدراسة العلاقات اليمنية _ السودانية

ويتناوله في ثلاثة مباحث، ويقسم كل مبحث إلى مطلبين على النحو الآتي:

المبحث الأول: الخلفية التاريخية للعلاقات اليمنية _ السودانية.

ويبين فيه العلاقة الجغرافية بين بلدان القرن الأفريقي وشبه الجزيرة العربية قبل وجود البحر الأحمر وبعده، وموقع اليمن والسودان من تلك العلاقة، والتشابه والاشتراك بينهما في العرق، واللغة، والدين، فضلًا عن هموم وتطلعات البلدين ومصيرهما المشترك، ويقسم هذا المبحث إلى مطلبين على النحو الآتي:

المطلب الأول: جذور العلاقات اليمنية _ السودانية وخلفياتها

ويتوقف فيه أمام الحضارات القديمة التي نشأت في البلدين، كمملكة مروى النوبية وسبأ اليمنية اللتين نشأتا في وقت واحد، وما كان بينهما من تبادل للرسل وعلاقات، واستهدافهما في الوقت نفسه من قبل الرومان، ويستدل على ذلك بما وثقته بعض النقوش، وما يوجد بين البلدين من تشابه في المباني الأثرية والنقوش والخطوط، التي يرجع العلماء تاريخها إلى القرن الخامس والرابع قبل الميلاد، ويبين ما حدث من تنقل للسكان لاسيما من جنوب الجزيرة العربية وتحديدًا من حضرموت وحمير باتجاه الموانئ السودانية في البداية ثم في الداخل السوداني بعد ذلك، وما يوجد بين تلك الحضارات من تشابه في الثقافة والديانات والطقوس الملكية، وتعززت تلك العلاقات بعد ظهور الإسلام الذي جعل تلك البلدان ذات ديانة ولغة وثقافة ومصير واحد مشترك، وما حدث بين البلدين في خضم تلك العلاقة، لاسيما ظهور الطرق الصوفية بين البلدين بتأثير من بعضهما بعض، وانتقال البشر بينهما الذي نقل معه المعتقدات وخلفيات الموروث الثقافي والاجتماعي بينهما، والتبادل التجاري الذي نقل البضائع والبذور والمحاصيل الزراعية وأصناف من الحيوانات.

المطلب الثاني: المراحل التاريخية للعلاقات اليمنية _ السودانية

ويبين فيه نفوذ الرومان في البلدين، وحكمهما من قبل الأحباش، ثم وجودهما في ظل دولة مركزية واحدة في عهد الخلافة الإسلامية، ويتوقف _ بعد انفراط عقد الخلافة الإسلامية _ أمام وقوعهما تحت قوى استعمارية تتمثل في العثمانيين والبريطانيين، وما حدث بين البلدين أبان ذلك من دعم ومناصرة، وما حدث في البلدين من صراعات بعدهما شكلت بلاد السودان ملجأً خلالها لكثير من الثوار اليمنيين ضد حكم الإمامة الزيدية في اليمن(الشمال)، وفيها تشكلت أول خلية خارجية للثورة اليمنية، ويتناول علاقتهما بعد الاستقلال لاسيما السودان في 1/ 1/ 1956م وافتتاح أول مكتب اتصال للمملكة المتوكلية اليمنية في الخرطوم عام 1956م، الذي تطور وأصبح أول قنصلية في عام 1957م، وإنشاء أول قنصلية للسودان في تعز عام 1958م، ثم قيام العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد القضاء على حكم الإمامة الزيدية في الشمال(اليمن) في 1962م، فكانت أول اتفاقية بينهما للتعاون والمساعدات الفنية والتدريب في مجال العلوم والزراعة والمواصلات في عام 1969م، ويشير إلى تدفق المدرسين السودانيين والفنيين إلى اليمن بعد عام 1970م، وعودة بعض المهاجرين من السودان، ثم تبادل التمثيل الدبلوماسي، بعد تلك التطورات، بينهما على مستوى السفارات في عام 1974م، واتسام العلاقات بينهما بالتعاون والبناء سواء أكانت بينية أم إقليمية أم دولية، وتواصلت الزيارات الرسمية بينهما في مختلف المستويات، وكان أشهرها زيارة الرئيس السوداني جعفر النميري لصنعاء عام 1975م في عهد الرئيس إبراهيم الحمدي الذي ردها عام 1976م بزيارة إلى الخرطوم، وجرى بين الفترة من 1974م إلى 1990م توقيع ثمان اتفاقيات بينهما.

وأما العلاقة بين السودان وجنوب اليمن(الجنوب العربي) الواقعان تحت الاستعمار البريطاني، فقد كانا ضمن وحدة إدارية واحدة في كافة المجالات، وأبرزها نظام التعليم والمنهج، وتتلمذ كثير من أبناء الجنوب على أيدي معلمين سودانيين سواء في مناطقهم أو في السودان، وهم الذين أسهموا في البناء والقيادة بعد الاستقلال، وأقيمت العلاقات الدبلوماسية بينهما في عام 1977م، إلا أنه لم توقع بينهما من اتفاقيات التعاون إلا اتفاقيتين حتى عام 1990م.

وكانت العلاقة بين اليمن والسودان بعد الوحدة متماشية مع ذلك التطور إذ سعت اليمن إلى توحيد سفارتها، وسحبت السودان سفارتها من عدن وعززتها في صنعاء، وشهدت الفترة الممتدة من 1990م إلى 2005م توقيع ما يقارب سبعة وسبعين اتفاقية تعاون بينهما في مختلف المجالات، وكان أبرز علاقات التنسيق والتعاون بينهما إنشاء تجمع صنعاء الذي يهدف إلى تعزيز السلام والأمن في منطقة جنوب البحر الأحمر والقرن الأفريقي.

المبحث الثاني: العلاقات العربية _ العربية.

ويبين فيه أن العلاقات لا تقتصر على التقارب والجوار المكان الجغرافي وإنما تمتد إلى روابط الأصل، والجنس الواحد، والمصير المشترك، واللغة والعقيدة الواحدة، والأهداف والتطلعات الواحدة، ويجعل هذا المبحث في مطلبين على النحو الآتي:

المطلب الأول: العوامل المؤثرة في العلاقات العربية _ العربية 

ويستعرض العوامل الإيجابية المتمثلة في روابط الأصل والجنس الواحد، فهم ساميو الأصل، وعدانيو أو قحطانيو الجنس، وتربطهم عاطفة الأخوة العربية على امتداد الوطن العربي الكبير أو في بلاد المهجر، ويبين ما في العربية من مرونة تتقبل من يعيش فيها فيصبح منها، ويستدل على ذلك الترابط بما يجي في رسائلهم من وصف بعضهم بعض بالدول الشقيقة أما مع البلدان الأخرى فيوصف بالصديقة. وروابط التاريخ المجيد الذي يفاخرون به، فهم أمة ذات تاريخ عريق، ومجد حضاري قديم، ورابط الجوار الجغرافي الذي تشكل جامعة الدول العربية _ التي أنشئت تاريخ 10 مايو 1945م _ مظلته الكبيرة، المُعزَّز برابط اللغة العربية التي يتكلمها جميع أبناء الوطن العربي، ويهتمون بتعلمها؛ لأنها لغة القرآن الكريم، وتحرص دساتير الدول العربية على التأكيد بأنها اللغة الرئيسة، وهي الوعاء الثقافي الأوسع لكثير من العادات والتقاليد والأعراف والمعتقدات الدينية للعرب، وللأجناس غير العربية الواقعة في إطارها الجغرافي. ورابط العقيدة الدينية لهذه البلدان المتمثل في الإسلام، فهي أمة واحدة مصيرها مشترك لا تجمعها مجرد مصالح ومنافع متبادلة، ولهذا تنضوي الدول العربية جميعها تحت مظلة منظمة المؤتمر الإسلامي، ومن هنا فالعالم ينظر إلى العرب بأنهم وحدة سياسية واحدة، فمصيرهم مشترك، وتربط بينهم مصالح كثيرة في مختلف أوجه الحياة، ومن هنا فالتحديات الخارجية التي تواجههم تستهدفهم كلهم بمستوى واحد، فالدولية كأمريكا مثلًا تسعى إلى مد هيمنتها على الكل، فتسعى إلى تغيير الأنظمة التي تخالف توجهاتها، تحت حجة الديمقراطية، وحقوق الإنسان، ومحاربة الإرهاب، وأما التحديات الإقليمية فإيران وتركيا وإسرائيل لكل منهم أطماع توسعية، فإسرائيل تسعى إلى السيطرة الشاملة على البلدان العربية تحت مسمى الشرق الأوسط الجديد، وتركيا المتحالفة مع إسرائيل تسعى إلى أن يكون لها نفوذ يخدم مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية، ومحاولة استعادة وهم الخلافة العثمانية، وإيران هي الأخرى أطماعها تاريخية، وتسعى إلى القيام بدور محوري في المنطقة، وذلك من خلال التسلح التقليدي والاستراتيجي. 

ويتوقف المؤلف أيضًا في هذا المطلب أما العوامل السلبية بين الدول العربية المتمثلة في الحدود المصطنعة والنزاعات القائمة حولها، وتباين الأنظمة العربية من بلد إلى آخر، والفجوة الاقتصادية والتنموية بين تلك البلدان، وبسبب الهشاشة الأمنية للمنظومة العربية، وعدم وجود تفاهم استراتيجي أمني بين الأنظمة العربية، وانعدام الثقة والمصداقية بينها، كل هذه العوامل مجتمعة أو منفردة أوجدت مبررات للتدخلات الإقليمية والدولية في شؤون بعض الأنظمة العربية، دون مراعاة حساسية أو مصالح بعضها الآخر، وهو مما يعزز الفرقة والتباعد بينها، ويوجد في بعض البلدان صراعات داخلية ذات طابع أثني(عرقي)، أو طائفي مغذَّى بأسباب سياسية واقتصادية، ومدعوم من أطراف خارجية، وسعي الأنظمة القائمة إلى قمعها بعنف، دون حلول واقعية، يؤدي إلى تأجيجها، وتلك الاختلافات تؤدي إلى تناقض المصالح الذي يؤدي ببعض الأنظمة في الدول العربية إلى التعاون مع قوى خارجية أو منظمات للعمل ضد بعض الأنظمة العربية الأخرى، مما يؤدي إلى الصراعات والتناحر والتقاطع بين تلك الأنظمة القائمة في الدول العربية مع بعضها بعض، ولهذا وإن وجد التحالف الشكلي تحت مظلة جامعة الدول العربية، فالتناقض جوهري بين تلك الأنظمة القائمة في تلك البلدان، وهو ما أدَّى إلى عدم وجود استراتيجية موحدة للنظم العربي يمكنها من مواجهة التحديات الخارجية الإقليمية والدولية، وهو ما جعل الأنظمة العربية لا تدرك التغيرات المتسارعة العالمية التي ستضعها في هامش النظام العالمي القادم الذي لم تتضح معالمه بعد.

المطلب الثاني: محاور السياسة الخارجية السودانية

ويتوقف فيه أمام عدة محاور تشتغل عليها السياسة الخارجية السودانية، نحو العمل من أجل التعاون الدولي والإقليمي في نزع السلاح، والبيئة، والسكان، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والحفاظ على حقوق الإنسان، وحرية المرأة، وتحريم عمالة الأطفال.. والعمل على تحقيق التكامل الاقتصادي الأفريقي والعربي، وانتهاج سياسة خارجية متوازنة تراعي مصالح السودان العليا، وتلبي طموحات شعبه، وتدعم السلام فيه، لتحافظ عليه موحدًا أرضًا وشعبًا، وتعمل على تشجيع حوار الحضارات، ومكافحة الإرهاب، والجريمة المنظمة والعمل على محاربتها والقضاء عليها، وترفض مبدأ الأحادية القطبية، وتسعى إلى بناء علاقات استراتيجية مع القوى الإقليمية والدولية التي تتجانس مواقفها وتنسجم مصالحها معها، والترويج لسودان ما بعد السلام، وتعزيز علاقاتها بأوروبا وأمريكا، والاهتمام بالجاليات السودانية في الخارج.

المبحث الثالث: أوليات السياسة الخارجية اليمنية وأهدافها.

ويرى أن هذه السياسة بشكل عام تمارس في إطار بيئة داخلية وخارجية يؤثر فيها ويتأثر بمعطياتها، ويتناولها في مطلبين على النحو الآتي:

المطلب الأول: أوليات السياسة الخارجية ومبادؤها

 ويبيّن أن الأولويات تتمثل في المسألة الاقتصادية والتنموية من خلال توسيع مجالات التعاون مع مختلف دول العالم والمنظمات الإقليمية والدولية، والسعي إلى جذب الاستثمارات الداخلية والخارجية، وإزالة المعوقات، وتبسيط الإجراءات الاستثمارية.. والاستقرار السياسي الداخلي من خلال ترسيخ النظام السياسي القائم على خيار الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، والتعاون في مكافحة الإرهاب، 

أما مبادئ السياسة الخارجية فتنطلق من إطارين دستوري وقانوني، وتتمثل في: الأسس الوطنية، والانتماء القومي، والبعد الإسلامي، والانفتاح الدولي.

المطلب الثاني: أهداف السياسة الخارجية

ويوضح بأن أهمها العمل وفق مبادئ الثورة والحفاظ على الثوابت الوطنية والقومية، والحفاظ على استقلال وسيادة الجمهورية اليمنية ومصالحها الوطنية، وهذا يأتي في أوليات السياسة الخارجية، وقد أكدت عليه الدساتير في البلدين قبل الوحدة وبعدها والدستور المعدل عام 1994م، وبدونه لا يستطيع صانع قرار السياسة الخارجية أن يحقق بقية أهدافه، وحماية أمن الدولة والعمل على سلامة أراضيها ومواطنيها، وتحسين الأوضاع الاقتصادية لرعايا الدولة، وتطوير علاقات اليمن مع دول الجوار الجغرافي. والسعي نحو تحقيق الوحدة العربية، ودعم القضية الفلسطينية بوصفها القضية المحورية للأمة، ودعم التضامن الإسلامي، ودعم الأمن والسلم الدوليين، وتبني سياسة خارجية فاعلة تجاه البحر الأحمر والقرن الأفريقي.

الفصل الثاني: محددات العلاقات اليمنية _ السودانية

ويتناوله في مبحثين، ويقسم المبحث الأول إلى أربعة مطالب، والآخر إلى مطلبين، على النحو الآتي:

المبحث الأول: محددات البيئة الخارجية

ويرى بأنها تتمثل في أربعة محددات، هي: المحدد الجغرافي، والأمني، والاقتصادي، والإيديولوجي (الثقافي والاجتماعي)، 

المطلب الأول: المحدد الجغرافي

ويوضح فيه أثر الموقع الجغرافي على السياسة الخارجية، إذ سياسة الدولة تكمن في جغرافيتها، وهناك علاقة قائمة على الترابط والصلة الوثيقة بين الجغرافيا والسياسة، وهو ما أدَّى إلى وجود علم الجغرافيا السياسية، فالموقع الجغرافي لأي وحدة من الوحدات السياسية يعمل على تحديد أولياتها السياسية وعلاقاتها الخارجية بالوحدات الأخرى، فالجغرافيا هي قدر الأمم والشعوب، وهي أهم أداة في صناعة القرار السيادي وحتى البُعد التاريخي، وجعل الجغرافيا نعمة أو نقمة يعود إلى حنكة صانع القرار السياسي في أي بلد، ويبيَّن الموقع الجغرافي للجمهورية اليمنية، فموقعها مهم، وقد تأثر الإنسان في هذا الأرض تاريخيًا وحضاريًا وثقافيًا بمعطيات هذا الموقع، ولأهمية ذلك أشار بعضهم إلى عبقرية المكان، وهي تقع في موقع مميز في الركن الجنوبي الغربي من الوطن العربي الآسوي، فيمثل منطقة عربية متميزة، تمثل صلة وصل بين غرب آسيا وشرق أفريقيا والمحيط الهادي والهندي، وإطلالها على البحرين العربي والأحمر وامتدادها في صحراء الربع الخالي، جعل منها دولة بحرية وبرية في آن، فلديها ساحل يبلغ طوله 2000 كم، ولها حدود برية مع دول نفطية، وهذا يمنحها كثير من الخيارات والبدائل في اتخاذ القرار بحرية تامة، وإطلالتها على البحر الأحمر جعلها مطلة على أسخن مناطق التوتر العالمي المتمثل في الصراع العربي الإسرائيلي، وسيطرتها على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر(باب المندب) مقابل سيطرة مصر على المدخل الشمالي (قناة السويس) أسهم في جعل البحر الأحمر بحيرة عربية بامتياز.

وتقع السودان في الجزء الشمالي الشرقي من أفريقيا، وتشترك حدوديًا مع عشر دول، هي: مصر، وليبيا، وتشاد، وأفريقيا الوسطى، والكونغو، ويوغندا، وكينيا، وأثيوبيا، وإرتيريا، وتتلاقى حدودها بعد البحر الإقليمي والمنطقة المتاخمة مع الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية، ولديها مساحة كبيرة تمثل الرتبة العاشرة بين دول العالم الأكبر مساحة، وهو ما جعلها ذات موقع استراتيجي في القارة الأفريقية، وتُعدُّ صلة وصل بين العالم العربي والإسلامي، وتحوي تعددًا للأعراق والثقافات والمعتقدات واللغات واللهجات والقبائل، أي أنها فسيفساء متنوعة تنوعًا فريدًا إلا أن هذا التنوع صار عاملًا على عدم الاستقرار، وبؤرة صراع، حتى الآن؛ وذلك بسب الاستعمار البريطاني الذي بذر الفرقة والاختلافات بينهم.

والسودان والجمهورية اليمنية يقابلان بعضهما بصورة غير مباشرة، وذلك من خلال إطلالتهما على ضفتي البحر الأحمر الغربية والشرقية، ويشكلان مع باقي الدول المطلة على هذا البحر كتلة استراتيجية واحدة في مواجهة بعض الاستراتيجيات الدخيلة على المنطقة، أو ذات الأبعاد الدولية والإقليمية، وأهمية موقعيهما جعلهما عرضة لأطماع القوى الدولية المتنافسة في السيطرة على هذه المواقع، وهو مما حفز قيادتي البلدين على مزيد من التعاون والعمل بطريقة برجماتية لتحقيق مصالحهما المشتركة.

المطلب الثاني: المحدد الأمني

ويبيَّن بأن المحدد الأمني يُعدُّ مكونًا أساسيًا من مكونات السياسة الخارجية لأي وحدة من وحدات النظام الدولي، أي دولة تسعى إلى حماية كيانها ومواطنيها تقوم بعدة إجراءات داخلية وخارجية أبرزها التعاون مع الدول الأخرى على المستوى الإقليمي والدولي، وتهدف السياسة الخارجية إلى جلب عدة منافع أبرزها الأمن الذاتي للدولة وأبنائها من خلال الأمن الجماعي، فتعقد الاتفاقيات الأمنية الثنائية والجماعية بين الدول لأجل جلب تلك المنفعة؛ ولهذا عدَّ بعضهم الأمن بمثابة الرأس من الجسد. وقد عاشت الجمهورية اليمنية في عدم الاستقرار، فتبنت السياسة الخارجية التركيز على البُعد الأمني بهدف الحفاظ على الأمن القومي، وكانت أبرز الحوادث الأمنية التي تصدت لها سياستها الخارجية تتمثل في الاعتداءات الإرهابية، التي حدت بصانع القرار في السياسة الخارجية إلى خوض معركة دبلوماسية على المستوى الإقليمي والدولي، لحشد التأييد والمساندة للتصدي لتلك الاعتداءات، وحرب صيف 1994م، التي وضعت السياسة الخارجية على المحك، واستطاع صانع القرار فيها أن يدير الأزمة الأمنية الخطيرة الناتجة عن الحرب لصالح الشمال(اليمن) ضد جنوب اليمن (الجنوب العربي) بمهارة كُلّلت بالنصر في النهاية، والمناوشات الحدودية البرية مع الجارة الكبرى السعودية، والبحرية مع إريتريا، إلا أن حنكة صانع قرار السياسة الخارجية قد سعى إلى تفادي الدخول في حرب طاحنة معهما، فأفضت تلك السياسة إلى توقيع مذكرة تفاهم ثم اتفاقية مع السعودية، وأفضت إلى الحصول على حكم دولي بخصوص المتنازع عليه مع إريتريا، وهذه الحوادث الأمنية دفعت صانع القرار في السياسة الخارجية إلى التركيز على الاتفاقيات الأمنية للحفاظ على الأمن القومي اليمني، فوقعت اتفاقيات أمنية ثنائية مع السعودية، وعُمان، والسودان، ودول القرن الأفريقي، وسعت إلى تكوين تجمع صنعاء الذي ضم اليمن والسودان وإثيوبيا والصومال بهدف حفظ أمن واستقرار منطقة جنوب البحر الأحمر والقرن الأفريقي.

وتعاني السودان من الاضطراب الداخلي والخارجي منذ استقلالها، فأصبح الأمن والاستقرار الموضوع الذي يؤرق قيادتها وتنشده، ومجيء قيادة ثورة الإنقاذ ذات التوجه الإسلامي المتشدد إلى الحكم في 30 يونيو 1989م جعل السودان تواجه عداء متنامي إقليمي ودولي لرؤية أنظمة تلك الدول بأن نظام السودان يشكل خطرًا على مصالحها الإقليمية، فتصاعدت الخلافات مع مصر، وإريتريا، وأوغندا، وإثيوبيا، وهذه المعطيات جعلت صانع القرار في السياسة الخارجية السودانية أن يضع نصب عينيه دائمًا هاجس الأمن، وهو مطلب داخلي سوداني وإقليمي يسعى السودان إلى تحقيقه بشتى السبل المتاحة.

وانطلاقًا من عدّ المحدد الأمني مكون أساسي من مكونات السياسة الخارجية في كلّ من اليمن والسودان، فقد عملا على التعاون بينمها لتحقيق الأمن والاستقرار لكيانيهما ولمحيطهما الإقليمي، فوقَّع البلدان ما يزيد عن تسع اتفاقيات أمنية وقضائية بين عامي 1990م و2002م، تنص على تبادل المعلومات والمجرمين ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وطرق المحاكمات وغير ذلك. وشهدت الفترة بين 2002م و2005م تعاونًا أمنيًا بين البلدين في صورة ثنائية وجماعية، وإن انحسر التعاون الثنائي نوعًا ما أمام مد التعاون الجماعي فيما عُرِفَ بتجمع صنعاء الذي تأسس خلال 13 _ 15 أكتوبر 2002م، الذي سبق الإشارة إليه. وكانت تعقد فيه لقاءات دورية على مستوى القمة في نهاية ديسمبر من كل عام، ووزراء خارجية دول التجمع في بداية شهر مايو من كل عام، ووقعت خلال هذه المدة (2002 _ 2005) على مستوى هذا التجمع نحو 25 اتفاقية أمنية وقضائية تهدف إلى مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والتهريب والمخدرات وغيرها. ووقَّعت نحو سبع اتفاقيات أمنية وقضائية بصورة ثنائية بين البلدين (اليمن والسعودية)، وتوقيع هذه الاتفاقيات بين البلدين سوى بصورة جماعية أو ثنائية تؤكد رغبة البلدين القوية في التعاون بمختلف المجالات ويأتي الأمني في مقدمتها، وإن كان معظم هذه الاتفاقيات لم تنفذ لأسباب داخلية تكمن في محدودية القدرات التنفيذية والإمكانات التمويلية، ولأسباب خارجية تتمثل في الضغوط الإقليمية والدولية. 

المطلب الثالث: المحدد الاقتصادي

ويوضح بأن المصالح الاقتصادية تُعدُّ من الأهداف التي تسعى السياسة الخارجية للدولة إلى تحقيقها، وقوة الدولة ونفوذها الإقليمي والدولي يعتمد إلى حد كبير على نسبة نموها الاقتصادي، وقد واجهت البلدان(الجمهورية اليمنية والسودان) تحديات وصعوبات كبيرة في هذا المجال، فاليمن من الدول الأقل نموًا، في معدل الإنتاج الاقتصادي، وعدم الاستقرار، وتذبذب صرف العملة مقابل الدولار الأمريكي، فتعاني من اختلال هيكلي لصالح القطاعات الخدمية غير الإنتاجية، واختلال بين الموارد والإنفاق العام، فكان العجز المالي، وعجز الميزان التجاري، وميزان المدفوعات لديه، مما جعل صانع القرار في السياسة الخارجية عرضة للضغوط الإقليمية والدولية، بسبب حاجته إلى المساعدات الاقتصادية، وهو ما يؤثر على استقلالية القرار السياسي الذي يلائم المصالح الوطنية، فكانت الأزمات التي دفعتها إلى تلك الاحتياجات عديدة، منها الديون المتراكمة، وحرب صيف 1994م العبثية، وتأثير حرب الخليج الثانية التي جعلت السعودية والكويت تشن حملات دبلوماسية لخنق البلاد اقتصاديًا، وحروب القرن الأفريقي بما انتجه من عودة المهاجرين وتدفق اللاجئين، فتلك وغيرها أضافت أعباء اقتصادية إلى أعباء اقتصاد اليمن المتهالك بفعل منظومة فساد الحكم، فما كان أمام صانع قرار السياسة الخارجية إلا الانفتاح الاقتصادي على دول الجوار الأفريقي التي السودان إحداها، وحالتهما متشابهة بسب موقفهما الواحد من حرب الخليج الثانية، بتأييدهما لنظام صدام في احتلال الكويت، ومعارضتهما التواجد الأجنبي في الخليج العربي؛ ولذلك رحب كل منهما بالآخر، ففعلت اللجان التي تعمل على تطوير التعاون الاقتصادي بينهما.

وقد واجه الاقتصاد السوداني تحديات وصعوبات كثيرة، بسبب الصراعات السياسية والاجتماعية والنزاعات المسلحة الداخلية التي ترتب عليها زيادة الإنفاق العسكري، والفساد المالي والإداري، وقلة القدرات العلمية والمهارات الفنية المدربة، والدعم المباشر للمواد الغذائية والخدمية والطاقة، وتراكم مديونية الدولة، وضعف اقتصاد البلاد بشكل عام، وهذه التحديات وغيرها جعلت صانع قرار السياسة الخارجية في السودان أمام خيارات محدودة، فعمل على فتح أبواب التواصل والتبادل الاقتصادي مع العالم والمحيط الإقليمي، وسعى إلى خلق أجواء داخلية جاذبة لرؤوس الأموال الوطنية للاستثمار داخل السودان، وارتأى أن لليمن مؤهلات كثيرة للدخول معها في شراكة اقتصادية وعلاقة تعاون اقتصادي استراتيجي، فتم التعاون بين البلدين في هذا المجال، ووقعت اتفاقيات كثيرة سوى أكانت ثنائية أم ضمن تجمع صنعاء.

المطلب الرابع: المحدد الأيديولوجي

ويبيَّن أن المحدد الأيديولوجي يُعدُّ من أبرز العوامل التقليدية تأثيرًا في العلاقات الدولية، فتأثير الروابط الاجتماعية والثقافية وعمقها المتجذر بين شعوب الأمة الواحدة يطغى على قيود الجغرافيا والسياسة القهرية، والبلدان (اليمن والسودان) ينحدران من أمة واحدة ذات تاريخ عريق، وقد شهدت بعض الفترات هجرات متعاقبة بلغت أوجها إبان ازدهار الحضارة العربية الإسلامية، وشهدت العصور اللاحقة اختلاطًا بين الشعبين، وهو ما كان له الأثر البالغ على السياسة بين البلدين، ولتدفق الهجرات اليمنية إلى السودان أنشئت أول هيئة رسمية لجالية يمنية في بورتسودان عام 1951م وتوسعت عام 1954م، وفي أم درمان عام 1953م، وفي ودمدني عام 1954م، وفي الخرطوم عام 1955م، وبعد 26 سبتمبر 1962م ولسوء حال السودان الاقتصادي في تلك المدة عاد مهاجرون كثيرون، ووصلت وفود سودانية تتمثل في كفاءات وخبرات سودانية للعمل في المرافق الحكومية في الشمال(اليمن) والمنظمات الإقليمية والدولية، فعملوا قضاة ومدرسين وإداريين ومهنيين... وكانت معالم الترابط الاجتماعي بين السودان وجنوب اليمن(الجنوب العربي) واضحة لاسيما في عدن وحضرموت، فقد كانا(السودان وجنوب اليمن) خاضعين لسطلة الاستعمار البريطاني الذي سعى إلى توحيد نظام التعليم والإدارة فيهما، وهو ما أدَّى إلى صلات بينهما في هذه الاتجاهات، وإن كان الغالب على السودانيين في اليمن نظام الإعارة المؤقت للعمل، بينما يغلب على اليمنيين في السودان الهجرات والإقامة والانصهار في المجتمع الذي يشهد عليه آلاف المولدين من أصول يمنية، ما أدَّى إلى نشوء مصطلح (السومانيين). وكذلك المكون الثقافي يكاد أن يكون متقاربًا إن لم يكن متطابقًا بين البلدين، ويتمثل في كثير من الأمثال الموجودة هنا وهناك، والعادات والتقاليد المتشابهة، والتماثل المذهبي، والطرق الصوفية، فالتداخل الثقافي بينهما متداخل ومتشعب ومتشابك بفعل الروابط التاريخية بين البلدين.

المبحث الثاني: محددات البيئة الخارجية

ويقسم هذا المبحث إلى مطلبين، يجعل في الأول المحددات الإقليمية وفي الآخر المحددات الدولية على النحو الآتي:

المطلب الأول: المحدد الإقليمي

ويرصد فيه دور إريتريا والصومال على العلاقة بين اليمن والسودان، فإريتريا بما تتمتع به من مميزات جغرافية في الموقع والحدود، أكسبتها أهمية استراتيجية على الصعيد الإقليمي والدولي، فتشارك اليمن في التحكم بباب المندب، وقبل عام 1990م كان في جنوب اليمن(الجنوب العربي) نظام اشتراكي ماركسي ذو توجه أممي، وفي الشمال(اليمن) نظام رأس مالي ذو توجه قومي عروبي إسلامي، فاختلف العلاقات باختلاف الأنظمة، فدعمت الشمال(اليمن) حركات التحرر الإريترية من منطلق قومي يتمثل في الدعم العربي الشامل لقضية إريتريا، واختلف دعم جنوب اليمن لقضية إريتريا باختلاف النظام في أثيوبيا فعندما كان رأس مالي بقيادة الإمبراطور هيلا سيلاسي الموالي للغرب، كان الدعم لحركات التحرر الإريترية، وعندما تولى نظام الحكم مانجستو هيلا مريام في أثيوبيا واتجه نحو الكتلة الشرقية، وتبنى الأيديولوجية الماركسية، توقف جنوب اليمن (الجنوب العربي) عن دعم حركات التحرر الإريترية وتوجه إلى نظام الحكم في إثيوبيا وفقًا لمبادئ الأممية المنتهجة المفروضة من قبل الحزب الاشتراكي اليمني على أبناء الجنوب، فوصل الدعم إلى الوقوف عسكريًا مع إثيوبيا في حربها ضد حركات التحرر الإريترية المطالبة بالاستقلال وضد الصومال المطالب باستعادة إقليم أوجادين من إثيوبيا، وتوحد الدعم بعد عام 1990م من الجمهورية اليمنية لحركات التحرر الإريترية المطالبة بالاستقلال عن إثيوبيا، وحاولت أن ترتب البيت الإريتري من خلال جمع حركات التحرر والحوار بينها إلا أنها لم تنجح فقامت بالدور إسرائيل وأمريكا مقابل شروط أبرزها الإعلان الصريح عن رفض الهوية العربية، وإقامة علاقات خاصة مع إسرائيل، والمحافظة على مصالح أمريكا في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وعندما حصلت إريتريا على استقلالها كانت اليمن الدولة الثالثة التي اعترفت بها بعد إثيوبيا والسودان، ووقعت معها مذكرة تفاهم للتعاون في مجالات الثروة السمكية، والصيد البحري، والنقل البحري، والتجارة والاستثمار، واتفاقية أمنية، إلا أن هذه العلاقات بينهما تعكرت باحتلال إريتريا لجزيرة حنيش، وجاء ذلك نتيجة موقف إسرائيل وأمريكا المشار إليه سابقًا، وهو ما أدَّى بإريتريا إلى الدخول في صراعات مع دول الجوار والقيام بدعم الحركات المناوئة للأنظمة داخلها، فدعمت حركات التمرد في السودان، ودخلت معها في خلافات حدودية، وكذلك مع اليمن، والصومال، وكان افتعال هذه الخلافات مع الدول العربية المجاورة نتيجة ما شعرت به حركات التحرر الإريترية من تخل وخذلان من جانب العرب بعدم دعمها لاسيما في الفترات الأخيرة قبيل الاستقلال، وإن كان ذلك التراجع بسبب زلزال حرب الخليج الثانية التي صدعت الأنظمة العربية وجعلتها منشغلة بنفسها من دون دعم إريتريا، وانشغال الدولة الوليدة في اليمن بترتيب أوضاعها الداخلية.

ودعمت السودان حركات التحرر الإريترية منذ انطلاقها حتى عام 1975م شعبيًا أكثر منها رسميًا لحذرها بسبب الضعف الذاتي للثورة الإريترية وعدم تأييدها دوليًا، وغياب رؤية عربية موحدة لدعم إريتريا، وظروف موضوعية داخلية بالسودان كمشكلة جنوب السودان، أما بعد عام 1975م فقد ازداد زخم الدعم شعبيًا ورسميًا، وذلك لما شهدته المنطقة من تغيرات أبرزها نظام الحكم الإثيوبي المتحول من الرأسمالية إلى الاشتراكية، وهو ما دفع جعفر النميري بدعم غربي إلى إعلان حق إريتريا في تقرير مصيرها عام 1977م، وقد كانت السودان ثاني دولة تعترف بإريتريا بعد إثيوبيا، ووقعت معها الاتفاقيات العديدة، إلا أن ذلك الود لم يدم بسبب ذلك الدعم والتبني لتك الحركات من قبل إسرائيل وأمريكا المشار إليه سابقًا، فعملت إريتريا على التدخل في شؤون السودان، وسلمت السفارة السودانية في أسمرة للمعارضة السودانية، ودعمت جنوب السودان، واحتضنت الجيش الشعبي لتحرير السودان، واستقبلت المعارضة السودانية، وعملت على تحريض قبائل شرق السودان على الاستقلال عن السودان، وعملت على توحيد الحركات السودانية المعارضة لنظام الإنقاذ في السودان ودعمها عسكريا، ولوجستيًا، وبالمقابل عملت السودان على دعم الحركات الإسلامية المعارضة للنظام الإريتري، إلا أن دعم أريتريا كان أكثر إنكاءً وأشد إيلامًا للسودان؛ وذلك لقدرة إريتريا على توحيد حركات المعارضة السودانية تحت هدف القضاء على نظام حكم الإنقاذ، بعكس حركات إريتريا المتنافرة التي لم تستطع السودان أن توحدها، وعدم تفاعل الشعب الإريتري مع تلك الحركات التي ترفع شعار تطبيق الشريعة لتعدده وتنوعه الديني والثقافي، فضلًا عن وضوح الرؤية والهدف لنظام إريتريا ومن يقف خلفه في القضاء على النظام السوداني ذات التوجه الديني وتوجهاته التوسعية، بعكس النظام السوداني الذي لم تكن له ثوابت واضحة أو استراتيجية أي يفتقد إلى الرؤية والهدف في دعم تلك الحركات داخل إريتريا، وبعد انشقاق الترابي عن نظام الحكم في السودان، بدأت العلاقات بينهما بحذر شديد نتيجة ظروف موضوعية دفعت النظامين في البلدين إلى التقارب بينمها. وهكذا عمدت إريتريا بعد استقلالها على افتعال المشاكل مع اليمن والسودان وهو ما دفع البلدين إلى التحالف فيما بينهما على المستوى الثنائي والإقليمي لمواجهة الخطر الإريتري. ويمكن القول بأن التطور الذي حدث في مسار العلاقات اليمنية _ السودانية، يرجع إلى وجود دولة إريتريا كمحرك إقليمي خارج سرب المنطقة بما تفتعله من مشاكل تجاههما، ووجود إسرائيل على الخط، كلاعب إقليمي يوجه إريتريا، وتحالف إريتريا وإسرائيل وتطلعهما للسيطرة على القرن الأفريقي وجنوب البحر الأحمر، وهو ما يتعارض مع الاستراتيجية المشتركة للسودان واليمن.

وتُعدُّ الصومال أبرز المكونات الأساسية للقرن الأفريقي، وذات تأثير على العلاقات اليمنية - السودانية، فموقعها المهم جعلها محطة تموين للسفن التي تمرُّ بين الشرق والغرب، وذلك من خلال موانئها المنتشرة على ساحل البحر الأحمر والمحيط الهندي، وسعت القوى الاستعمارية إلى السيطرة عليها، وكانت(الصومال) البلد الوحيد في العالم الذي شهد سيطرة من قوى استعمارية متعددة في آن واحد، تقاسمت أرضه إلى خمسة أقسام فيما بينها؛ لأهمية ذلك الموقع، وكان إعلان استقلال الصومال من قبل الممثل الإيطالي والبريطاني بما يقع تحت سيطرتهما بداية تقسيم الصومال، وإن ظلت في سياستها الداخلية والخارجية تسعى إلى وحدة الصوماليين في كل الأقاليم الجيبوتية والإثيوبية والكينية، بحكم أن الصومال ينتمون إلى مجموعة عرقية واحدة، وتربطهم وحدة اللغة والدين والثقافة والتقاليد، وهذه السياسة أدَّت في الأخير إلى تفتت الدولة المركزية في الصومال، وتدفقت موجات بشرية منه إلى اليمن بحكم القرب الجغرافي، والاستقبال لهم، إلا أن أعدادهم الكبيرة أدَّت إلى عدم القدرة على الاحتفاظ بهم في الملاجئ لتنظيم المساعدات الدولية الواصلة إليهم، فانتشروا في قرى البلاد ومدنها، فنافسوا السكان الأصليين في هامش معيشتهم ومختلف أوجه الحياة، مما شكَّل ضغطًا على كل الخدمات، وهو مما وسع الفجوة الاقتصادية في اليمن ذات الوضع الاقتصادي المترهل أصلًا، وكذلك الحال بالنسبة للسودان تجاه الصومال وما عانته من حرب طاحنة، إذ بحكم الجوار الجغرافي شكَّلت السودان ملجأً للكثير من الصوماليين الذين وصلوا إليها للإقامة والعيش فيها أو للعبور منها والانطلاق في أصقاع المعمورة، وإن كانت الأعداد الواصلة إلى هذا البلد أقل مما وصل إلى اليمن، وذلك لبعد بؤرة الصراع الصومالي عن السودان، وضيق السواحل السودانية مقارنة باليمنية القريبة من الصومال، وما يعانيه السودان من خلافات وصراعات داخلية بعكس اليمن التي شكَّلت حينها عامل جذب لهؤلاء اللاجئين. وقد أدًّت القضية الصومالية إلى إفرازات إقليمية ودولية، منها: اللجوء، والتهريب، والإرهاب، والقرصنة.. وحتم وضع الصومال وتأثيره على البلدين(اليمن والسودان) إلى التعاون والمساعدة فيما بينهما لاستقبال اللاجئين، والتنسيق لدعم المصالحة الصومالية بكل السبل.. تقوية علاقاتهما الثنائية والجماعية لمواجهة كل تلك المشاكل التي فرضت عليهما بسبب دول الجوار لاسيما إريتريا والصومال، لتحفظا أمن وسلامة منطقة القرن الأفريقي وجنوب البحر الأحمر.

المطلب الثاني: المحدد الدولي

ويقصد به مدى تأثير القوى العظمى في تعزيز العلاقات اليمنية _ السودانية، ويوضح بأنه في هذا المسار، على مستوى العلاقة مع أمريكا مثلًا دفعت اليمن الثمن باهضًا اقتصاديًا نتيجة موقفها الداعم لصدام حسين في احتلال الكويت، ورفض تواجد القوى الأجنبية في منطقة الخليج، إذ عدَّت دول الخليج ذلك الموقف خذلانًا لدولة الكويت والخليج، ورأت أمريكا أن ذلك يتعارض مع مصالحها في المنطقة، فتوترت العلاقات بين اليمن وأمريكا، ونتج عن ذلك تقليص المساعدات الأمريكية لليمن، فحاولت اليمن تعويض توتر هذه العلاقة بنسج علاقات أخرى مع روسيا وفرنسا إلا أن ذلك لم يرتق إلى العلاقة مع أمريكا، وهو ما دفعها إلى إعادة النظر وتقويم علاقتها مع أمريكا التي فرضت شروطها في سبيل ذلك، ومنها حضور المؤتمرات الدولية، التي نفذتها اليمن، وعادت العلاقات بينهما، وإن أثرت بعض الحوادث على تلك العلاقة كحادثة المدمرة الأمريكية يو إس إس كول في ميناء عدن في 2000م، إلا أن أحداث 11 سبتمبر 2001م التي دانتها اليمن، قد عززت العلاقة بينهما، ثم أتت حادثة صواريخ سكود المشتراة من كوريا الشمالية فوترت العلاقات بينهما، وجاءت بعدها الحادثة الإرهابية التي تعرضت لها ناقلة النفط الفرنسية ليمبورغ في ميناء المكلا بحضرموت في 5 أكتوبر 2002م التي دفعت بالطرفين إلى التعاون معًا لأجل تضافر الجهود الدولية لمحاربة آفة الإرهاب. أما السودان فقد كان الانقلاب العسكري في 30 يونيو 1989م الذي أتى بحكومة الإنقاذ الوطني بقيادة عمر حسن البشير ذات التوجه الإسلامية المتشدد، بمثابة انعطافة للعلاقات السودانية _ الأمريكية نحو الاصطدام المباشر، بدلًا من الشد والجذب التي كانت قائمة منذ استقلال السودان إلى ما قبل حكومة الإنقاذ الوطني؛ إذ نظرت أمريكا إلى هذا النظام أنه جاء بانقلاب على حكومة الصادق المهدي المنتخبة، فأوقفت مساعداتها الاقتصادية والأمنية عن السودان، فكان هذا النظام ذات التوجه الإسلامي المتشدد الذي كان يؤكد عليه الرئيس السوداني، دافعًا لأمريكا إلى المعارضة والنقد والضغط على حكومة السودان، فكانت أمريكا تضع حكومة السودان في خانة الحكومات المعادية للسياسة الأمريكية، وترى أنها تدعم الإرهاب وترعاه، وأنها تنتهك حقوق الإنسان لاسيما في دارفور وجنوب السودان، ومسيحي النوبة في الشمال، وتقيم علاقات مع حكومات معادية للسياسة الأمريكية، واتجهت بنسج علاقات استثمارية مع روسيا والصين وماليزيا، مما زاد من حفيظة الحكومة الأمريكية فسعت إلى إسقاط حكومة الإنقاذ الوطني بالتحالف مع حلفائها الغربيين والإقليميين وداخل السودان ذاته، فعملت على فرض عقوبات اقتصادية، والتدخل المباشر وغير المباشر في الشؤون الداخلية السودانية، ودعم الحركات المتمردة، والقيام بأعمال عسكرية مباشرة داخل السودان كقصف مصنع الشفاء للأدوية في 1996م، فاتسمت العلاقات بين الجانبين منذ عام 1989م بالعدوانية والاصطدام، وعملت أمريكا على حثّ دول الجوار والإقليم إلى قطع علاقاتها مع حكومة الإنقاذ الوطني في السودان، ورغم نمو العلاقات اليمنية _ السودانية، إلا أن سعي اليمن للحصول على علاقات مع أمريكا التي تعاملها بالترغيب والترهيب، جعلها ترضخ للمطالب الأمريكية وجمّدت علاقاتها السياسية والتجارية مع السودان إلى أدنى مستوياتها سعيًا إلى إرضاء أمريكا، فتوقف الزيارات وتوقيع البرتوكولات، وتعطلت الاتفاقيات والأعمال في المشاريع المنفذة، وتكرر تأجيل اللجنة العليا بين البلدين منذ 1996م إلى 2001م، وكل ذلك التعطيل كان من الجانب اليمني استجابةً للمطالب الأمريكية، إلا أن الجانب الشعبي في العلاقة بين البلدين ظل مستمرًا، فحدثت استثمارات يمنية في السودان لاسيما في مجال الاتصالات والنفط، وهذا النشاط الشعبي غطى الفتور الرسمي بينمها، وكان دافعًا لإعادة تفعيل العلاقات الرسمية بين البلدين عندما خُففت العقوبات الأمريكية بعد إقصاء جناح الترابي المتطرف من حكومة الإنقاذ ذات التوجه الإسلامي المتشدد، والاتجاه نحو مشروع السلام الشامل في السودان.

الفصل الثالث: مسار العلاقات اليمنية _ السودانية

ويتناوله في مبحثين، ويقسم كل مبحث إلى ثلاثة مطالب، على النحو الآتي:

 المبحث الأول: القضايا الداخلية

ويرى أن أهم تلك القضايا، هي: الوحدة اليمنية، وحرب صيف 1994م، والتحولات والصراعات في السودان، ويتناولها في المطالب الآتية:

المطلب الأول: الوحدة بين شمال اليمن وجنوب اليمن

ويذكر بأن الوحدة قد جعلت اليمن تحتل المركز الأول في شبه الجزيرة العربية في الناحية السكانية، والثاني بعد السعودية من الناحية الجغرافية، وتضاعفت إمكانياتها السياسية والعسكرية والاقتصادية، مما جعلها تحظى باهتمام إقليمي ودولي، إلا أن تلك الوحدة قد جاءت في ظلت متغيرات دولية عميقة، أهمها انهيار الاتحاد السوفيتي، وتوسع نفوذ أمريكا، وتبدل الأحلاف والولاءات الدولية، فاستغلت السلطتان الشموليتان الدكتاتوريتان بقيادة البيض في جنوب اليمن(الجنوب العربي) وعلي عبدالله صالح في شمال اليمن، حالة التفكك والبناء في العلاقات الدولية وأنجزا وحدة بين البلدين دون تخطيط استراتيجي أو رجوع إلى إرادة الشعبين، وهو ما أدَّى إلى صراعات مريرة ومازالت مستمرة. وتُعدُّ هذه الوحدة نقطة التحول في سياسة البلد الخارجية، ومن أكثر العوامل تأثيرًا في توجهاتها على المستوى الإقليمي والدولي، فعدلت طبيعة السياسة الخارجية، وفتحت آفاقًا جديدة، وأفرزت في الوقت نفسه عدة قيود وضغوط على صانع القرار في السياسة الخارجية، وكانت هذه التطورات في اليمن قد سبقتها تطورات في الساحة السودانية تمثلت في انقلاب حركة الإنقاذ السودانية، والمجيء بنظام عسكري إسلامي متشدد متعاطفًا مع الجوار العربي والإسلامي، فكان السودان من أوائل الدول المباركة لتلك الوحدة، وقام الرئيس البشير بزيارة لصنعاء من 18 _ 19/ 8/ 1990م ليبارك هذه الوحدة، وتم في هذه الزيارة تناول أبرز التطورات الجارية في المنطقة، وسبل التعاون بين اليمن والسودان اللذين لهما هموم وتطلعات مشتركة، وتبادل البلدان الزيارات على مختلف المستويات، تجسيدًا للتعاون المشترك بينهما، وتطورت العلاقات بينهما على أكثر من صعيد، فكان السودان ينظر إلى تلك الوحدة بأنها عنصر استقرار في البحر الأحمر والقرن الأفريقي، إضافة إلى الجزيرة والخليج، وكان للسفارة اليمنية في الخرطوم دورٌ في الترويج للاستثمار في السودان في مجال الزراعة والنفط والتجارة والصناعة وغيرها، والعمل على زيادة التبادل التجاري بين البلدين، فازداد التعاون اليمني السوداني بعد عام 1990م لعدة أسباب، منها: سهولة تعامل السودان مع نظام واحد في اليمن بعد الوحدة، وظروفهما المتقاربة، بهذه الأحداث المهمة على أعتاب العقد الأخير من القرن الماضي، وتشابه وضعيهما الداخلي، والسياسات الإقليمية والدولية العدائية تجاههما، لاسيما بعد حرب الخليج نتيجة وقوفهما إلى جانب صدام حسين في غزو الكويت، وأدركت قيادة البلدين العزلة التي وقعا فيها بعد حرب الخليج الثانية، ووجود إريتريا وأنشطتها المعادية لهما، فعزز ذلك التعاون بينهما ليترقي من الثنائي إلى العمل الجماعي مع دول الجوار ذات الهموم المشتركة، ولهذه الأسباب وغيرها شهدت العلاقات بينهما مزيدًا من النمو والتطور في كثير من المجالات، بلغت أوجها بالاتفاق على إنشاء تجمع صنعاء في 2002م.

المطلب الثاني: حرب صيف 1994م

يرى أنه نتيجة للوحدة الارتجالية التي تمت بين جنوب اليمن(الجنوب العربي) وشماله (اليمن) من صفحتين ونص، دون تخطيط استراتيجي معمق، أو رجوع إلى إرادة الشعبين، كانت هناك توقعات بانفجار الوضع بين النظامين الشمولين داخل دولة الوحدة، وكان هناك تدخل، تحريض خارجي لإشعال الفتنة بينهما، فوجدت بعض القوى الإقليمية فرصتها في تحقيق جزء من مصالحها بتصعيد الخلاف بين الرئيس علي عبدالله صالح ونائبه علي سالم البيض الذي عوَّل كثيرًا على الدعم الخارجي _ لاسيما الخليجي _ في تحقيق أهدافه في استعادة دولة الجنوب، فكانت الحرب مصدرًا للتوتر بين الجمهورية اليمنية وجيرانها الخليجيين، الذين سعوا إلى تدويل ملف حرب 1994م، من منطلق أن التراضي أساس الوحدة ولا يمكن فرضها بالقوة، وتشير بعض المصادر اليمنية إلى أن التحريض الخليجي قد أخذ عدة اتجاهات، منها إقناع البيض بسرعة إعلان فك الارتباط، ليتم الاعتراف بدولة الجنوب؛ لأن ذلك سيتيح تدويل الأزمة، وإخراجها عن المحيط اليمني، ومحاولة إقناع بعض الحكومات الحليفة للاعتراف باستقلال جنوب اليمن(الجنوب العربي)، وتقديم معدات وأسلحة عسكرية من ضمنها طائرات ميغ 29، وميراج، وهذه التدخلات دفعت الحكومة اليمنية إلى اتهام السعودية والإمارات والكويت بالضلوع في تأجيج الأزمة والحرب، بسبب مواقف عدائية سابقة تعود إلى موقف اليمن من حرب الخليج الثانية الذي عدَّته اليمن صراعًا عربيًا داخليًا، ويجب أن يحل عربيًا، وهو الموقف الذي وقفته السودان في تلك الحرب أيضًا، فدفعا(اليمن والسودان) الضريبة بالحصار السياسي والاقتصادي، وتأجيج الصراعات الداخلية، الموجودة أصلًا بسبب القمع والظلم في البلدين، فكانت حرب 1994م نتيجة حتمية للكم الهائل من الأخطاء التي ارتكبها نظام شمال اليمن(اليمن) تجاه جنوب اليمن (الجنوب العربي)، إلا أن أمريكا من منطلق مصالحها لم تكن في موقع المؤيد لاستقلال جنوب اليمن، ولم تكن لها مصالح ضاغطة لإيقاف الحرب، والقوى الإقليمية لم تكن لها القدرة على إحداث تغيير كبير في المواقف الأمريكية؛ لأن لدى أمريكا استراتيجية جاهزة لمواجهة المتغيرات الدولية المتسارعة وأهمها انهيار الاتحاد السوفيتي، والسعي إلى تصفية النظم السياسية الموالية للكتلة الاشتراكية، وكان نظام جنوب اليمن منها، وقد تنامت المصالح الأمريكية في اليمن منذ التسعينيات حيث لها أكثر من عشرين شركة حصلت على امتيازات نفطية، وترى بأن الاستقرار في اليمن مهم للحفاظ على أمن البحر الأحمر والقرن الأفريقي والجزيرة والخليج، وقدم علي عبدالله صالح نفسه بوصفه الراعي الوحيد للمصالح الأمريكية في اليمن، والقادر على الإسهام في حفظ أمن المنطقة، وكانت ترى أن استقلال جنوب اليمن يعني إطالة أمد الحرب وزيادة معاناة المدنيين، وقد كان في قيام دولة الوحدة نظام التعددية الحزبية ولو بصورة شكلية وهو ما يتسق مع رؤية أمريكا وتوجهها للنظام العالمي الجديد، وسيكون اليمن مجالًا خصبًا للشركات الأمريكية.

وكان الموقف السوداني من حرب 1994م معارضًا بشدة لاستقلال جنوب اليمن، وداعمًا للشمال في الحرب، وكان ذلك هو الموقف الرسمي للسودان على مختلف المستويات. وقد كان لهذا الموقف تأثير إيجابي على العلاقة بين البلدين، فأسهم في تنميتها وتطويرها، وتجسد ذلك بزيارة الرئيس علي عبدالله صالح إلى السودان في 3/ 1/ 1995م، وزيارة مهمة لنائب رئيس الوزراء وزير الخارجية عبدالكريم الأرياني، وازدادت الزيارات الرسمية بينهما، وفُتِحت الأبواب الموصدة أمام الاستثمار والنشاط التجاري، وإن لم ترتقِ تلك الخطوة إلى مستوى التعاون السياسي، وتحقق طموحات الشعبين وتطلعاتهما لتعاون أوسع وأشمل في كل المجالات.

المطلب الثاني: الصراعات الداخلية في السودان

ويبيَّن أنه يوجد في السودان تناقضات عرقية وأثنية، ويعاني من الحرب الأهلية في الجنوب، وتوجد فيه مشكلة دارفور، ومشكلة الشرق، والأزمات السياسية المتتالية في الشمال، وقد أدَّت الحرب الأهلية في جنوب السودان إلى جعل الشعب هناك من أفقر شعوب العالم، ووصلت القناعة في الداخل والإقليم والعالم إلى إنهاء هذه الحرب الأطول مدة في القارة الأفريقية، ووجدت اتفاقية السلام الشامل في السودان التي نظمت عملية اقتسام السلطة والثروة، وصاغت دستورًا جديدًا لمرحلة انتقالية لمدة خمس سنوات، تبدأ من 2005م وتنتهي في 2011م، بانتخابات يقرر فيها جنوب السودان مصيره. وبدأ الصراع في دارفور في 2003م بالهجوم على أهداف حكومية بحجة إهمال هذه المنطقة وتهميش أهلها واستنزاف الحكومات المتعاقبة لما تختزنه من ثروات دون أدنى اهتمام بها، وفي هذا النزاع تناقض عرقي، تنازع بين القبائل العربية والأفريقية، وبعد أن تحولت إلى أزمة سياسية ونتيجة ضغوط جهات عدة عرضت حكومة السودان في دارفور اتفاقية سلام كتلك الموقعة في الجنوب، فرفضت الجماعات المسلحة هذا العرض نتيجة الدعم الإقليمي والدولي المقدم لها، واستمرت الأزمة وتحولت إلى الإطار الأفريقي، ثم سعت القوى الدولية إلى تدويل الأزمة وإصدار قرار لمحاكمة من تصفهم بمرتكبي إبادة جماعية أمام محكمة الجنايات الدولية، وتقدمت بطلب توقيف الرئيس السوداني عمر حسن البشير على خلفية ذلك الصراع، وتُعدُّ سابقةً أن تصدر بحق رئيس ما زال يحكم البلاد، بعكس المعتاد إذ صدرت بحق رؤساء قد تركوا السطلة ولم تُعد لهم أي حصانة أو شعبية، وجهود قطر بالتوفيق بين طرفي النزاع بدعمها المالي السخي لهم لن تدوم، وستظل هذه القضية بتدويلها شوكة في خاصرة السودان ستحركها القوى الدولية المعادية للسودان متى ما شاءت. وأما شرق السودان الذي يتألف من ثلاث ولايات، هي: القضارف، وكسلا، والبحر الأحمر، المترابطة اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا وبيئيًا، وتشارك بعضها في مشاكل التهميش طويل الأمد، ولأهمية المنطقة بحكم أنها على ساحل البحر الأحمر منفذ السودان البحري على العالم ومرور خطوط أنابيب النفط الممتدة من الجنوب عبرها، ولما يشعر به أهلها من حرمان وتهميش، ولدعم قوى إقليمية ودولية حدثت مواجهات مسلحة فيها مع الحكومة السودانية، وتتألف جبهة الشرق من تحالف يجمع قبائل البجة، وتنظيم أسود الرشايدة الحرة، واستمرت حرب طاحنة لسنوات عدة فيها؛ ولتحسن علاقة السودان مع إريتريا ساعد ذلك بإبرام اتفاق سلام في شرق السودان بين الحكومة وجبهة شرق السودان، وقع في أسمرا بتاريخ 14 أكتوبر 2006م، وبموجبه توقفت الأعمال المسلحة بين الطرفين، وإن كان هناك شكوى بعدم تنفيذ بنود الاتفاق، وهو ما قد يثير المشكلة عندما تريد قوى إقليمية ودولية ذلك. وتركيبة السودان تتضمن العديد من التقاطعات التي أفرزت توجهات مختلفة وأحزاب وتيارات متعددة الرؤى، والتي تستغل لإثارة المشاكل داخله من قبل قوى إقليمية ودولية، ويشجع على ذلك موقف الحكومات المتعاقبة التي لم تدم طويلًا فينقلب بعضها على بعض، ومهما صمدت الحكومة القائمة فقد تنهار في أي وقت... 

وقد كان موقف الجمهورية اليمنية دائمًا مع الحكومة السودانية وازداد صلابة بعد موقف حكومة الإنقاذ في حرب 1994م، فوقفت إقليميًا إلى جانب وحدة السودان واستقراره، وتدعو إلى عدم التدخل في شؤونه الداخلية، في القمم والاجتماعات الدورية للجامعة العربية، وتسعى إلى إيجاد تعاون عربي مشترك يساعد السودان على الخروج من أزماته المتتالية، ودعمتها في اجتماعات منظمة المؤتمر الإسلامي، وفي المحافل الإقليمية الأخرى التي تحضرها، وكذلك تتعامل في سياستها الخارجية، فهي تقف في المحافل الدولية إلى جانب القضايا العربية والإسلامية، وتُعدُّ تلك القضايا قضاياها، وقضية السودان ليست استثناء من تلك القضايا، فانعكست هذه المواقف على العلاقات بين الجانبين فكانت جيدة في معظم الأحوال.

المبحث الثاني: القضايا الخارجية

وتناول فيه ثلاث قضايا، هي الصراعات في القرن الأفريقي، وأمن البحر الأحمر، والحملة الدولية على الإرهاب، على النحو الآتي:

المطلب الأول: الصراعات في منطقة القرن الأفريقي

ويبيَّن أن هذه المنطقة مهمة لارتباطها الوثيق بالبحر الأحمر، أهم طرق المواصلات البحرية التجارية في العالم الرابطة بين الشرق والغرب، وتحكم هذه المنطقة في إحدى بوابتي البحر الأحمر، وهي مضيق باب المندب، وازدادت أهميتها مع اكتشاف النفط في الجزيرة والخليج، وهو ما جعل هذه المنطقة والبحر الأحمر موضوعًا للصراع الدولي، وميدانًا لتناحر القوى الدولية وتنافسها، فعملت تلك القوى وفقًا لمصالحها ورغباتها على إشعال الحروب الأهلية داخل بلدانها، وتأجيج الصراعات الدولية بينها كلما اقتضت الحاجة. فظهرت النزاعات الحدودية بين تلك الدول، كالنزاع بين إثيوبيا وإريتريا الذي انفجر بينهما في عام 1998م، وتوتر العلاقات بين السودان وإريتريا بتصادمات حدودية، واتهامات متبادلة بينهما بالتحريض وإيواء معارضين ودعمهم، واستمر الانهيار في الصومال نتيجة الحرب الأهلية، وعدم الوصول إلى المصالحة الوطنية التي يرى بعضهم أن سببها النزاع بين الصومال وإثيوبيا حول إقليم أوجادين الذي تسيطر عليه إثيوبيا، وتعمل على عرقلة أي محاولة للمصالحة الوطنية في الصومال. والتمرد العسكري أو الثورة في جنوب السودان أوجد تدخلات خارجية من دول إقليمية، واستقلاله سيكون بادرة تشجع على المطالبة بالاستقلال في أماكن أخرى. وكذلك الحال في مشكلتي دارفور وشرق السودان التي اتاحت الفرصة لتدخلات خارجية. 

وأسباب تلك الصراعات أما لخلافات حدودية بين الوحدات السياسية المكونة لدول منطقة القرن الأفريقي، فضلًا عن صراعات حول الكلأ والمرعى، وتداخل الإثينات والأعراق بين دول الإقليم، وصراعات داخلية بين القبائل والمكونات الاجتماعية الأخرى، وهكذا تكون الحدود السياسية المصطنعة من الدول الاستعمارية التي خُطت دون مراعات للتداخل الإنساني بين القبائل والقوميات، والتدخلات الإقليمية والدولية في شؤون تلك الدول الداخلية، وعدم التوازن في الثروات الطبيعية فوق الأرض وباطنها، وغياب العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات، والانفراد بالسلطة وعدم التوسع في إشراك الآخرين، وعدم وجود مشاريع تنموية مشتركة في تلك الدول، وغياب الاستثمارات العملاقة فيها، وعدم وجود برامج مشتركة فيها للتوعية من مخاطر القطيعة والحروب والنزاعات، فكل تلك أسباب في استمرار الصراعات في دول منطقة القرن الأفريقي.

وقد اتجهت السياسة الخارجية للجمهورية اليمنية إلى التعاون والتكامل الاقتصادي مع دول منطقة القرن الأفريقي، والوقوف مع وحدة تراب دول الجوار وشعوبها، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، والعمل على حل النزاعات بالطرق السلمية، والدفع بالأمن والاستقرار ليكون واقعًا بالمنطقة والعالم. والسودان تُعدُّ واحدة من تلك الدول وتعاني من تلك الصراعات الحدودية مع دول الجوار، وسياستها تجاه تلك الصراعات تختلف تبعًا لاختلاف مصالحها الأمنية والاستراتيجية، ويتميز الموقف السوداني لحكومة الإنقاذ بالوقوف بقوة ضد أي مطالب استقلالية تمس وحدة دول الإقليم، وتشجيع المصالحات بين دول الإقليم، وبين الأنظمة فيها وما يوجد داخلها من معارضات وحركات مسلحة، والدخول في تحالفات مع دول جنوب البحر الأحمر ومنطقة القرن الأفريقي، والانفتاح على دول الإقليم التي تتقارب معها في التوجه، وتلبية المطالب الدولية، وكل تلك المواقف لتحقيق مصالح السودان العليا كما تراها حكومة الإنقاذ الوطني.

 وتلك الأوضاع غير المستقرة في منطقة القرن الأفريقي دفعت الجانبان(اليمني والسوداني) إلى عقد اتفاقيات قضائية وأمنية تساعدهما في تجاوز أي تهديد لأمنهما القومي، فأبرمت الاتفاقيات لتبادل المجرمين ومكافحة الإرهاب والتهريب، وقد تعرضتا للآثار المترتبة على تلك الصراعات من تبعات أمنية وأعباء اقتصادية واجتماعية وثقافية وحتى صحية، بسبب تدفق موجات كبيرة من اللاجئين إلى أراضيهما، فعمل البلدان على التعاون والتنسيق مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين والجهات الدولية الأخرى، وسعى البلدان إلى أقصى درجات التنسيق والتفاهم حول المساعدة في حل صراعات دول المنطقة؛ لتجنيبها التدخل الأجنبي، فجاء ميلاد تجمع صنعاء ليضم أكبر قدر من دول المنطقة، ويفضي إلى تفاهمات تحافظ على أمن واستقرار منطقة القرن الأفريقي وجنوب البحر الأحمر.

المطلب الثاني: أمن البحر الأحمر

يوضح بأن أهمية البحر الأحمر برزت تجاريًا واقتصاديًا بشكل متزايد في أعقاب شق قناة السويس عام 1869م، إذ يُعدُّ أقصر الطرق البحرية الرابط بين الشرق والغرب، فهو نقطة التقاء القارات الثلاث: آسيا وأفريقيا وأروبا، ونقطة وصل بين البحر الأبيض والبحر العربي والمحيط الهندي، وهذه أهمية استراتيجية تضاعفت بعد اكتشاف النفط وبدأ استخراجه من شبه الجزيرة العربية والخليج، ومن هنا يحظى بأهمية استراتيجية كبرى من منظور الأمن القومي العربي، فهو مدخل الدول العربية إلى أفريقيا وآسيا، والمنفذ الوحيد لكل من السودان والصومال والأردن وجيبوتي وشمال اليمن، فأمنه يرتبط بالأمن العربي في البحر العربي والخليج والمحيط الهندي والبحر الأبيض، وحركة الملاحة فيه تمثل المصدر الأساسي للدخل القومي في اليمن، ومصدرًا مهمًا للدخل في الصومال وجيبوتي، وتُعدُّ حركة الملاحة فيه مهمة جدًا بخاصة للنفط المصدر من الخليج إلى الدول الصناعية في أوربا وأمريكا، وبهذا فأمنه يتجاوز الأمن الإقليمي والعربي إلى الأمن الدولي، وأي أحداث أو نزاعات في تلك الدول المطلة عليه قد تؤثر على الأمن الإقليمي والقومي والدولي. وتوجد فيه كثير من الجزر المتناثرة التي يشكل كثير منها لاسيما المهجورة وشبه المهجورة تزايد الأطماع في السيطرة عليها من قبل قوى مختلفة، وهيمنة القوى غير العربية أو الدولية على منطقة البحر الأحمر وعلى السياسات السائدة فيها، من شأنها أن تعرض أمن هذا البحر للخطر، إذ سيشكل ذلك اختراقًا استراتيجيًا خطيرًا لمنطقة الخليج العربي الحيوية ومنطقة حوض نهر النيل الاستراتيجية، ومن هنا تتجلى ضرورة خلق توأمة وانسجام بين الأمن في البحر الأحمر ومفردات الأمن القومي العربي، فيحتم على الدول العربية التعاون لحفظ أمنها وأمن البحر الأحمر، ومساعدة الدول التي تعاني من مشاكل كبيرة في تجاوزها كالصومال واليمن والسودان وجيبوتي، والعمل على خلق جوار ودي وتعاون مشترك مع إريتريا التي غالبية سكانها عرب. إذ أمن البحر الأحمر لن يتأتى إلا بتكامل اقتصادي بين الدول العربية وإريتريا. ومتطلبات الأمن القومي العربي في مياه البحر الأحمر، هي مصلحة قومية عربية، فهذه المنطقة الحساسة تحدق بها مخاطر تهدد أمنها واستقرارها، وعلى الدول العربية المطلة على هذا البحر تحقيق الحد الأدنى من الاتفاق حول مفهوم الأمن القومي لهذه المنطقة الاستراتيجية من العالم، وحتى يتحقق هذا الأمن يجب أن يكون شاملًا لكل الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية بمتطلباتها في إطار استراتيجية عربية موحدة تجاه الأمن الشامل للمنطقة، تفضي إلى تحييد الدول الكبرى عن الصراعات في هذه المنطقة، وتعميق التضامن العربي وضمان حده الأدنى للتنسيق بين دول البحر الأحمر، في الجزيرة العربية وأفريقيا، في مختلف المجالات وأولها العسكرية والاقتصادية والاستثمارية، وعلى الجامعة العربية أن تلعب دورًا سياسيًا في عقد المعاهدات الدفاعية بينها، والعمل على التنمية في موانئها المختلفة، والعناية بكل ما يتصل بالمواصلات البحرية في هذا البحر،  ووضع مبادرات مصالحة بين تلك الدول، والعمل على تحقيق استقرار دائم فيها كلها، وفرض الإرادة العربية على جزر ذلك البحر ومضايقه، والعمل على إيقاف التغلغل الإسرائيلي في المنطقة، وجذب إريتريا إلى عمقها الطبيعي العربي بكل السبل المتاحة.

وقد اهتمت اليمن بأمن هذا البحر الذي ازدادت أهميته بعد فتح قناة السويس، واكتشاف النفط في الجزيرة العربية والخليج، وأصبح مهددًا بعد إقدام إسرائيل على استئجار جزر فيه من أثيوبيا وإريتريا بحجة مراقبة الملاحة في هذا البحر وحماية سفنها، فعقدت المؤتمرات حوله كمؤتمر تعز عام 1977م الذي ضم شمال اليمن والجنوب والسودان وبعض دول البحر الأحمر الأخرى، فضلًا عن ذلك تحاول أن تعمل بمواقف متوازنة وعلاقات متنوعة مع كل الأطراف ذات الصلة بهذا البحر، وتسعى إلى التعاون والتنسيق معها، لإبعاد هذه المنطقة عن الصراعات، والتدخلات الأجنبية، وتدفع بحل أي خلافات بينية أو داخلية بالطرق السلمية، حتى يظل هذا الممر المائي يعمل بصورة طبيعية، وكذلك الحال بالنسبة للسودان التي يُعدُّ هذا البحر منفذها الوحيد على العالم الخارجي، فمنه تصدر وعبره تستورد؛ لهذا يشكل من ثوابتها الاستراتيجية، فتشارك في معظم الفعاليات الإقليمية المتصلة به وبمصالح الدول المطلة عليه، وتسعى إلى تأمين هذا الممر، واستقرار الدول المطلة عليه، وإبعاد المنطقة عن أية صراعات، أو تدخلات أجنبية، وفرض السيطرة العربية عليه وعلى جزره ومنافذه؛ ولأهمية موقع اليمن بحكم أنها تمثل الجانب الآمن لمرور السفن في البحر الأحمر مقابل الجانب الجيبوتي غير الآمن الذي تكثر فيه الشعب المرجانية، ووجود جزيرة ميون ذات الأهمية الاستراتيجية وكثير من الجزر التي تبلغ 112جزيرة والتي لم تستطع أن تتواجد فيها بصورة مستمرة أو تعمل على تنمية فيها، أدركت مؤخرًا الخطر الذي يهددها فعمل على نسج العلاقات الثانية والجماعية مع الدول المطلة على البحر الأحمر، إلا أنها لم تلق التجاوب الذي يرتقي إلى أهمية الإدراك للمخاطر، إلا من بعض الدول كالسودان التي تدرك المخاطر التي تهددها في ظل وجود الصراعات الداخلية فيها ومع الدول المجاورة لها التي غيبتها عن الاهتمام بأمن هذا الممر المائي واستقرار الدول المطلة عليه، وكون هذا منفذها الوحيد على العالم الخارجي، فأرادت أن تعوض ذلك الغياب من خلال التفاعل مع اليمن في هذا الاتجاه، ومع أي تجمع في سبيل تأمينه والعمل على استقرار الدول المطلة عليه، وهو ما أدَّى إلى توقيع الاتفاقيات المشار إليها سابقًا فيما يتعلق بتبادل المجرمين ومحاربة الإرهاب، ومكافحة التهريب، والتصدي للقرصنة في هذا البحر، وعمل البلدان(اليمن والسودان) على محاولة حل الصراعات في الصومال، والتوفيق بين إريتريا وإثيوبيا في صراعهما الحدودي، فهما(اليمن والسودان) يريان أن أمن هذه المنطقة لن يتحقق إلا بدولها، ويجب أن تشرك كل دولة في أي ترتيبات عسكرية أو أمنية باستثناء إسرائيل، والعمل على حل الصراعات الداخلية في تلك الدول والبينية، وإبعاد أي تواجد إقليمي أو أجنبي في هذه المنطقة، والعمل على إيجاد تكامل اقتصادي بين دول المنطقة، فهو الذي سيفضي إلى الأمن والاستقرار المنشود في البحر الأحمر، وقد زاد التعاون بين البلدين بعد إقدام إريتريا على احتلال جزر حنيش وتهديد السودان، وعملا على توسيع التعاون إلى تعاون جماعي، وهو ما أفضى إلى تجمع صنعاء في 2002م الذي يضم إليهما الصومال وإثيوبيا، ويهدف هذا التجمع إلى تحقيق الأمن والاستقرار في البحر الأحمر.

المطلب الثالث: الإرهاب

لقد أدركت الجمهورية اليمن خطورة الإرهاب وتناميه وانعكاساته على الأمن والاستقرار الوطني والسلم الاجتماعي، فأضحى القضاء عليه هدفًا سياسيًا للحكومات المتعاقبة بفعل ضغوط دولية، فبدأت منذ التسعينيات بتأهيل المجاهدين أو الإرهابيين العرب العائدين من أفغانستان، بغية إدماجهم في المجتمع بعد أن استفاد منهم واستغلهم نظام علي عبدالله صالح في حرب صيف 1994م ضد الجنوب، وبعد ذلك قاموا بترحيل غير اليمنيين منهم في عام 1995م إلى خارج البلاد، فبلغ عدد المرحلين منهم (14000) شخص من مختلف الجنسيات، وعملوا على القبض على زعيم ما يسمى جيش عدن أبين ومجموعة من رفاقه وحاكموهم وصدر ضدهم حكم بالإعدام، وتم منع دخول الأجانب إلى البلاد القادمين عبر بلدان أخرى، واضطر علي عبدالله صالح تحت ضغوط دولية إلى عقد مؤتمرات ولقاءات صحفية يبرر فيها ضرورة تحالفه مع حزب الإصلاح الإسلامي فرع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين في اليمن، والتأكيد على محاربته للإرهاب، وقد جاء ذلك بعد الإضرار بسمعة البلاد وتعرض رعاياها للمضايقات في المنافذ الدولية، والخسائر الاقتصادية الكبيرة التي لحقت بجانب الاستثمارات والسياحة، ورفع نسبة التأمين على السفن في موانئ البلاد إلى 300% بعد الحادث الإرهابي الذي تعرضت له الناقلة الفرنسية ليمبرج في ميناء المكلا في أكتوبر 2002م، فضلًا عن المدمرة الأمريكية يو إس إس كول في ميناء عدن في 12/ 10/ 2000م، واستغلال أمريكا ذلك الموقف لتحقيق المصالح التي كان يتمنع صانع القرار اليمني عن تحقيقها لهم، وأدى إلى تدخل إقليمي ودولي لثني صانع القرار اليمني عن علاقاته الخفية مع الإرهابيين ودعمهم، واستغلالهم في تحقيق أهدافه.

واتهمت أمريكا السودان أيضًا بأنها بيئة راعية وحاضنة للإرهاب، بعد الحصول على معلومات تفيد باستقبال السودان لأعداد كبيرة من القادة والأعضاء من تنظيم القاعدة الإرهابي، وفتح مخيمات ومعسكرات خاصة بهم للتدريب، فسعت أمريكا إلى حشد الجهود الدولية ضد الدول الراعية للإرهاب ومنها السودان، ووجهت ضربة لمصنع الشفاء للأدوية فيها، بحجة أنه مصنع للأسلحة الكيماوية تابع لزعيم التنظيم أسامة بن لاذن، فرحلت السودان العناصر الإرهابية منها بما فيهم زعيم التنظيم قبل أحداث 11 سبتمبر 2001م، وتتهمها أمريكا بأنها تقدم المساعدات لتلك العناصر، وتدربها داخل أراضيها، وهو ما تنفيه السودان وتطالب بالأدلة القاطعة أو الكف عن تلك التهم، وتؤكد بأنها متعاونة في مكافحة الإرهاب من خلال ترحيل تلك العناصر مع زعيمهم منها، وإقفال المخيمات ومعسكرات التدريب الخاصة بهم، وتتعاون مع المنظومة الدولية لمكافحة الإرهاب، وألقت القبض على الإرهابي كارلوس وسلمته لفرنسا، وقد قبلت التعاون والتنسيق الاستخباراتي واللوجستي مع أمريكا حول مكافحة الإرهاب رغم رفضها السابق، وتتعاون مع دول الجوار والإقليم في مكافحة الإرهاب، وقد تغيّر خطابها الإعلامي الرسمي الداخلي والخارجي حول مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه. إلا أن أمريكا قد جعلت السودان في صدارة اهتماماتها وفي قائمة الدول المؤيدة للإرهاب منذ عام 1993م، وأعلنت ضدها عقوبات اقتصادية في 1998م، ووضعتها في قائمة الدول الممارسة لاضطهادات دينية عام 1999م، ورعت تحالفًا إقليميًا ضدها، وهذا ما جعل حكومة الإنقاذ في السودان تتعنت في مواقفها وتعلن مواجهتها للعدوان الأمريكي، ومع مرور الوقت استطاعت أمريكا تطويق السودان، وترضخ للمطالب الأمريكية، بحكم فقر الدولة رغم الموارد الهائلة غير المستغلة، لحاجتها إلى المساعدات الأمريكية والغربية، وتسعى أمريكا إلى تقسيم السودان حتى لا يكون له ثقل عربي وإسلامي؛ ولهذا كلما تعاون السودان معها كلما زادت الضغوط عليه؛ لأن لديها والغرب معها أيضًا استراتيجية خاصة بانشطار السودان وتقسيمه إلى دويلات صغيرة متناحرة، ليسهل لها السيطرة عليه ونهب ثرواتها.

وقد أوجدت ظاهرة الإرهاب وتشابه الظروف بين اليمن والسودان تعاونًا مشتركًا بينهما، للتنسيق في مكافحة الإرهاب، وتبادل الخبرات الأمنية والمعلومات عن المجرمين والإرهابيين وتسليمهم، وعقدت بينهما اتفاقية بهذا الشأن قبل أحداث 11 سبتمبر 2001م، وجرت زيارات متبادلة بين وزيري داخلية البلدين، وأدانا ذلك الحادث، ويدعيان إلى تعاون ثنائي ودولي لمكافحة الإرهاب، ويطالبان بوضع مفهوم واضح للإرهاب يفرق بين حق الدفاع عن النفس والمقاومة، والكفاح المسلح في سبيل التحرير والاستقلال من نير الاستعمار، فحماس وحزب الله والجهاد الإسلامي ليست منظمات إرهابية بوجهة نظرهما كما تدَّعي أمريكا، فهي حركات مقاومة ضد احتلال، رغم أن هذا الذي يدعيان إليه ويدعمانه رسميًا يتعارض مع ما يقومان به داخل أوطانهما من قمع للحريات وطمس للهويات الوطنية، ويصفان الحركات الداعية إلى الحرية والاستقلال بأنها حركات إرهابية يجب قمعها وبشدة، وهذا تناقض غريب. ويرى بأن للسودان واليمن ثلاث مصالح مشتركة من خلال تفاعلهما مع قضية الإرهاب برمتها: وطنية وقومية وعالمية، فالمصالح الوطنية تكمن في أنهما كانا داعمين للإرهاب وتضررا منه، والثانية من خلال محاولة دحضهما بأن الإسلام المتشدد هو المغذي والمرجعية الفقهية للإسلام السياسي وللأصوليين والإرهابيين، والأخيرة في إدراكهما حجم المخاطر التي ستمس أنظمتهما مباشرة إذا لم يسارعا في إدانة الإرهاب واتخاذ الإجراءات العملية لمكافحته، لاسيما وقد سقط نظامان تحت مبرر مكافحة الإرهاب وهما نظام طالبان في أفغانستان، والبعث في العراق؛ ولذلك فعَّل الجانبان التعاون المشترك في مكافحة الإرهاب، وكان لديهما رعب شديد من سقوط نظاميهما، وهو ما جعلهما يستجيبان لقرار الأمم المتحدة(1373) الذي به رضخا للمطالب الأمريكية بخصوص التعاون غير المشروط في مكافحة الإرهاب. 

الفصل الرابع: مجالات التعاون بين اليمن والسودان

ويتناوله في ثلاثة مباحث، مقسمًا الأول منها إلى أربعة مطالب، على النحو الآتي:

المبحث الأول: مجالات التعاون الثنائي بين اليمن والسودان

ويوضح بأن العلاقات اليمنية _ السودانية قد شهدت تعاونًا مهمًا في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والأمنية وغيرها من المجالات التي تمّ فيها التعاون الثنائي بين البلدين، ويوضح ذلك من خلال الآتي:

المطلب الأول: التعاون في المجال السياسي

يرى أن العامل السياسي مهمًا في العلاقات بين الوحدات السياسية الدولية، ومن أهم العوامل التي تحدد مسار العلاقات وطبيعتها بين الدول، وينعكس إيجابًا وسلبًا على بقيت مجالات التعاون المختلفة بين الدول. وقد توحدت السياسة الخارجية للجمهورية اليمنية وأخذت توجهًا مستقرًا إلى حد ما تجاه بعض دول الجوار الجغرافي ومنها السودان، وبالمقابل جمهورية السودان التي شهدت ثورة الإنقاذ الوطني ذات التوجه الإسلامي المتشدد في 30 يونيو 1989م، قادت إلى استقرار النظام السياسي وثباته، وقاد ذلك إلى توجه موحد للسياسة الخارجية السودانية تجاه بعض دول جواره الجغرافي ومنها اليمن، فكانت العلاقات بينهما في مستواها العام جيدة رغم ما شهدته من ارتفاع وانخفاض أحيانًا، وقد كانت الروابط التي تجمعهما أكثر مما تفرقهما، فاشتركا في الكثير من الهموم والتطلعات وحتى المصير المشترك، وكان البحر الأحمر الرابط بينهما جعلهما متفاعلين في أمنه واستقراره، واندفاع البلدين نحو بعضهما في كتل بشرية ساعد على تعزيز العلاقات السياسية بينهما وتطويرها، ويرجع ذلك إلى روابط التاريخ والجغرافيا والعرق والدين المشتركة بينهما، وساعد عدم وجود تماس حدودي مباشر بينهما في إبعاد بؤر الصراع الحدودية التي شغلت معظم الدول العربية، وأيضًا التشابه بينهما في وجود المشاكل الداخلية جعل كل منهما في حاجة الآخر لفك طوق العزلة الخارجية عليه، وقد وجدت رؤية موحدة لديهما تجاه كثير من القضايا الإقليمية والدولية، ووجدت كثافة في المواضيع السياسية المشتركة بينهما التي احتاجت إلى تعاون وتشاور وتنسيق بينهما كأمن البحر الأحمر، وصراعات القرن الأفريقي، والضغوط الدولية والإقليمية عليهما، فتعرضا لضغوط أمريكية، واستفزازات إريترية مدعومة من إسرائيل وأمريكا، ودعم السودان القوي لحرب اليمن ضد الجنوب في 1994م ومعارضته استقلال الجنوب تحسبًا وخوفًا لما يوجد لديه من صراعات داخلية تطالب باستقلال الجنوب ودارفور وشرق السودان، وقد وقف اليمن مع السودان في صراعه مع القوى الإقليمية والدولية، ووقف معه في وحدة أراضيه ورفض أي محاولة تدعو إلى الاستقلال عن السودان، والعلاقات الودية الوثيقة بين قيادة البلدين، وهو ما أدَّى إلى رفع مستوى اللجنة الوزارية بينهما إلى لجنة عليا مشتركة تنسق بين البلدين في مختلف القضايا، وتدعم التعاون في مختلف المجالات ومنها المجال السياسي، وهذه العلاقة الودية بينهما أفضت إلى تجمع صنعاء للتعاون، الذي يًعدُّ قمة التعاون في المجال السياسي بينهما. وجرى بين البلدين تبادل الزيارات الرسمية على مستوى الرؤساء ووزراء الخارجية وغيرها من القطاعات الأخرى، لدفع العلاقات السياسية بينهما إلى أفق أوسع من التعاون والتنسيق إزاء الكثير من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وبلغ عدد الوفود الرسمية المتبادلة بينهما منذ عام 1990م إلى عام 2005م مائة وأربعة، منها 24 وفدًا يمنيًا زار السودان، و80 وفدًا سودانيًا زار اليمن. ويرجع قلة الوفود اليمنية إلى انشغال اليمن بترتيب وضعها الداخلي بعد انتصارها على الجنوب في حرب 1994م، وإهمال الجانب اليمني لدول الجوار الفقيرة كالسودان، فهو يسعى نحو المساعدات والهبات والعطايا، التي يحصل عليها من الدول الغنية وغالبًا ما تكون مشروطة، فضلًا عن أن نظام علي عبدالله صالح مغلف بديمقراطية شكلية، يعاني هواجس الخوف والرعب الشديد من السقوط، لذا فقراره مرتهن، لا يتردد في الاستجابة لأوامر ورغبات إقليمية ودولية داعمة له، وكان يخضع لها ترغيبًا وترهيبًا، وتكثفت زيارات السودان إلى اليمن لحرصهم على تطوير العلاقات معها، واهتمامه بالتواصل مع دول الجوار الجغرافي والمطلة على البحر الأحمر، ومحاولته تجاوز طوق العزلة المفروضة عليه إقليميًا ودوليًا بسبب نظامه الإسلامي المتشدد للحد من نشاطه الداعم للجماعات المتطرفة والإرهابية، ويطمع في الحصول على استثمارات تستوعب الأيدي العاملة السودانية، وتحد من البطالة، وقدَّم لليمن أراضي زراعية في ولاية سنار منطقة دوبا شرق النيل الأزرق، لغرض الاستثمار الزراعي فيها خدمةً للجانبين.

المطلب الثاني: التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية

يُعدُّ الاقتصاد بمثابة مرآة عاكسة للنظام السياسي، حيث يعكس توجهاته وأنماطه في قوانين السوق والملكية وغيرها، وللترابط الوثيق بينهما فكل منهما يكمل الآخر، فلا تطور اقتصادي إلا بنظام سياسي ديمقراطي ليبرالي يستند على قاعدة: يعمل دعه يمر. أي اعتماد سياسة الباب المفتوح لإنعاش الاقتصاد، واليمن والسودان ركزا على توثيق العلاقات الاقتصادية لاسيما وهما يملكان إمكانيات وقدرات كامنة يمكن أن تشكّل _ في حال استغلالها _ دعائمًا أساسية لاقتصاد البلدين، فاليمن يمتلك العنصر البشري والأرض الطيبة والظروف المناخية المواتية، فضلًا عن موارد النفط والغاز والمعادن الأخرى، والثروة السمكية الهائلة، وهي من الموارد المتجددة، والسودان بلد مترامي الأطراف ويخترقه نهر النيل الذي يجعل منه سلة الغذاء العربي، إذا ما استغل الاستغلال الأمثل لخدمة الأمن الغذائي، الذي سيقود إلى القرار الحر، فمن يملك غذاءه يملك قراره، والسودان يمتلك إمكانيات اقتصادية هائلة فوق الأرض وباطنها، كالزراعة، والثروة الحيوانية، والمناخات، والفرص الصناعية، والنفط، والغاز، والمعادن الأخرى، والتعاون في المجال الاقتصادي بين البلدين(اليمن والسودان) سيعود بالفائدة عليهما لاشك في ذلك إذا استغل الاستغلال الجيد. وقد كان أول اتفاق في المجال الاقتصادي والفني بينهما في يونيو 1966م مع شمال اليمن، بتشكيل لجنة وزارية، وعقدت أربعة اجتماعات بالتناوب بين صنعاء والخرطوم، أما مع جنوب اليمن فوقعت الاتفاقية الأولى 22/ 3/ 1977م، والثانية 29/ 9/ 1989م، واستمرت اللجنة الوزارية بعد تشكيل الجمهورية اليمنية وعقدت ست دورات بالتناوب بين صنعاء والخرطوم بين عام 1990م و2005م، تم خلالها توقيع عدد من الاتفاقيات والمحاضر والبروتوكولات والبرامج التنفيذية ومذكرات التفاهم بين البلدين، بلغ عددها 69، موزعة بين 24 اتفاقية، و5 بروتوكولات، و27 برنامجًا تنفيذيًا، و10 محاضر، ومذكرتا تفاهم، وبيان مشترك واحد خرجت به اللجنة العليا المشتركة، وقبل عام 1990م وقعت 20 اتفاقية منها 18 مع شمال اليمن، واتفاقيتان فقط مع جنوب اليمن. وقد كانت اللجان الوزارية بين البلدين في الأساس بمثابة محاور ارتكاز لتنظيم التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري، ولم تخل أي دورة من توقيع أو مناقشة مجال التعاون التجاري بينهما، فوقعت اتفاقيات عدة، منها: حماية الاستثمار والتجارة، وتجنب الازدواج الضريبي، وتنمية الصادرات والثروة الحيوانية، والتعاون في مجال الثرة السمكية وسبل تطويره تجاريًا، وعقد لقاء بين رجال المال والأعمال من الجانبين في الغرفة التجارية بصنعاء، بحضور وزيري خارجية البلدين، والاتفاق على الاشتراك في الأسواق والمعارض الدولية بينهما، وإنشاء مراكز تجارية، وتسيير خطوط ملاحة لتسهيل التبادل التجاري والدفع به إلى الأمام، والتعاون بين الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية، والتعاون في المجال السياحي، وتشكيل لجنة لصياغة اتفاق تجاري بين شركتي طيران البلدين، والعمل بالمحضر الموقع بين هيئتي الطيران المدني والإرصاد، وبرنامج العمل التنفيذي الموقع بين وزارتي شؤون المغتربين اليمنية وجهاز تنظيم شؤون السودانيين العاملين بالخارج، ورغم تواضع التبادل التجاري بين البلدين في المدة بين 1990م و 2005م إلا أنه في المحصلة العامة كان لصالح السودان، إذ كان المستفيد الأول منه، رغم ما شهده من تذبذب كان في مصلحة اليمن في بعض الأعوام.

وقد تم توقيع عدد من الاتفاقيات في مجال الاستثمار تشجيعًا وحمايةً، واجتمع رجال المال والأعمال بالغرفة التجارية بصنعاء بغرض اطلاع اليمنيين على حجم الاستثمارات الممكنة في السودان، وشُكّلت لجنة لرجال الأعمال، واستمر العمل ببرنامج العمل التنفيذي بين وزارة شؤون المغتربين اليمنيين وجهاز تنظيم شؤون السودانيين العاملين بالخارج، بما يساعد على الاستثمار والتعريف بالفرص الاستثمارية بينهما، عبر هذه الجهات أو هيئة الاستثمار اليمنية التي لديها منشورات تعريفية بفرص الاستثمار في السودان، حيث توجد استثمارات يمنية في السودان في مجالات عدة، منها: الاستكشافات النفطية، والخدمات النفطية، والاتصالات، وشركات البناء، والاستثمارات الزراعية، والصرافة، والاستثمارات التجارية بالتصدير وإعادة التصدير، ويسعى الجانب السوداني إلى جذب الاستثمارات اليمنية وتأمينها وإعطائها التسهيلات.

ووقعت اتفاقية في مجال الزراعة والثروة الحيوانية، وتبادل المعلومات وتحسين أصناف البذور، وتبادل الأصول الوراثية والبذور والمحاصيل المختلفة لاسيما المقاومة للحرارة والجفاف، وقدم الجانب السوداني دورتين تدريبيتين قصيرتين في مجال زراعة الأنسجة، واتفقا على تشجيع القطاع الخاص على إقامة مشروعات مشتركة في مجال الزراعة، واتفقا على تبادل الخبرات والخبراء في مجال الثروة السمكية والاصطياد والتسويق والتصنيع، وتبادل الزيارات. ووقعا اتفاقية الاشتراطات الصحية البيطرية في 15/ 8/ 2004م التي قضت بتصدير السودان لحوم الأبقار، والأغنام، والماعز، والإبل إلى اليمن، مقابل تصدير اليمن الكتاكيت البياضة وغيرها، بعمر يوم واحد، ولحوم الدجاج المجمد، وبيض التفقيس، وبيض المائدة إلى السودان. وأدَّى التعاون بين البلدين إلى وجود شركات يمنية في السودان تعمل في الاستكشافات النفطية والغازية، وشركات خدمات نفطية، وتم توقيع مذكرة تفاهم للتعاون المشترك في مجال الثروات المعدنية بين هيئة الاستكشاف المعدنية اليمنية، وهيئة الأبحاث الجيولوجية السودانية، والتعاون في أعمال التحليل الكيميائي في مختبرات البلدين، وتبادل الآراء والمعلومات في المشاريع القارية والإقليمية، وتبادل الخبرات والتدريب في هذا الشأن، والتعاون بين البلدين في المجلات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية أفضى إلى ترابط وثيق بينهما على المستوى الرسمي والشعبي، وساعد في تقديم كثير من المنافع والخدمات لشعبي البلدين، كتشغيل الأيدي العاملة، وإنعاش السوق التجارية، وتوفير السلع وسهولة تبادلها بينهما، وتبادل الخبرات، وكل ذلك أوجد تفاهمًا وتعايشًا ومصالح مشتركة بين شعبي البلدين، وهو ما أدَّى إلى تعزيز الروابط بين الشعبين في كثير من المجالات، ودفع بالعلاقات اليمنية _ السودانية إلى أفق أوسع من التعامل استجابةً لتلك المصالح.

المطلب الثالث: التعاون في المجالات الثقافية والاجتماعية والإعلامية

يبيّن أن اليمن والسودان متداخلان ثقافيًا واجتماعيًا في أكثر من مكون ثقافي واجتماعي، وهذا جعلهما أقرب إلى بعض مقارنة بما هو عليه الحال بين أقطار عربية أخرى، وكان دافعًا للقادة السياسيين إلى التعاون استجابة لتقارب شعبي البلدين، ففي المجال الاجتماعي شهد البلدان هجرات متبادلة، وإن كانت من اليمن إلى السودان بصورة أكبر وأكثر استقرارًا وانصهارًا في المجتمع السوداني، بعكس السودانيين الذين يأتون إلى اليمن لمتطلبات العمل والإعارة لمدد معينة يشتغلون في وظائف محددة، يعودون بعدها إلى بلادهم، كما سبق الإشارة، ولكل بلد في الآخر جالية تنتشر في أماكن عديدة وتحظى بالاحترام والتقدير من المجتمع المضيف، وهذه الروابط العريقة بين الشعبين نتج عنها موروث ثقافي وحضاري وعمراني عريق يدل على عظمة التعاون بينهما، فيزخر البلدان بحضارات عريقة وتراث أصيل، فيه من الانسجام والتطابق الكثير الذي يدل على درجة الترابط الوثيق من فجر التاريخ حتى الوقت الحاضر، فبينهما روابط اجتماعية وثقافية ووشائج من الصلات والعواطف البارزة للعيان، الجديرة بالملاحظة والدراسة والتحليل، وقد احتل مجال التعاون الثقافي الدرجة الأولى في العلاقات الثنائية بين البلدين، فشهد هذا المجال نشاطًا ملموسًا وتعاونًا وثيقًا في مجالات المنح الدراسية والآثار والمخطوطات، وإقامة المعارض الثقافية في البلدين، واتفق الجانبان على توقيع برنامج تنفيذي في المجال الثقافي ينصُّ على زيارة فرقة الفنون الشعبية السودانية المكونة من 30 فردًا، للمشاركة في مهرجان الصهاريج الذي أقيم في 30 نوفمبر 1995م في عدن، وزارت فرقة الفنون الشعبية اليمنية السودان لتقديم عروض فنية في الخرطوم في يونيو 1995م، واتفقا على أن يقيم السودان معرضًا للفنون التشكيلية في اليمن في مايو 1995م، ويقيم اليمن معرضًا للفنون التشكيلية في السودان في يناير 1996م، وتمَّ الاتفاق على تبادل الفرق الفنية في مجالات المسرح والموسيقى والفنون الشعبية، وتكون مدة المشاركة 10 أيام، وتم الاتفاق على تبادل معارض الفنون التشكيلية والصور الفوتوغرافية لمدة 10 أيام في كلٍّ منهما، واتفقا على تشجيع إقامة الأسابيع الثقافية، والمشاركة في معارض الكتب الدولية، والمهرجانات الثقافية والفنية التي تقام في كلّ منهما، واتفقا على تبادل الخبرات في المجالات الثقافية والسياحية والفندقية، وتشجيع التواصل بين الهيئات والمؤسسات الثقافية والسياحية واتحاد الفنانين والكتاب في الجانبين، وشهدت المدة الممتدة من 1990م وحتى 2005م التوقيع على اتفاقية بين المركز الوطني للوثائق بالجمهورية اليمنية، ودار الوثائق القومية بجمهورية السودان، ونصَّت على تبادل الخبرات والتعاون في مجال تدريب المختصين على الصيانة، والتوثيق والتصوير والأرشفة، وأمن ووقاية الوثائق والمحافظة عليها، وتبادل المعلومات حول التكنولوجيا في أعمال الترميم والصيانة ووسائل الحفظ والتصوير، وتبادل المعلومات والوثائق التي تهم البلدين والجوانب التشريعية المتعلقة بتلك الوثائق حفظًا وأرشفةً وحراسةً... إلخ والنشرات الدورية والبحوث والدراسات والأعمال العلمية والتقنية المختصة بكل منهما، وإقامة معارض وثائقية، والتنسيق بينهما في الندوات والمؤتمرات العربية والإقليمية والدولية، وتبادل زيارات المسؤولين والخبراء، وتوج هذا التعاون بالزيارات المتبادلة لوزيري ثقافة البلدين.

وشهدت هذه المدة تعاونًا في المجال الإعلامي، حيث لم تخلُ أي دورة من دورات اللجان الوزارية المشتركة من توقيع اتفاق أو محضر بروتوكول أو برنامج تنفيذي في مجال التعاون الإعلامي بكل قطاعاته أو في إحداها على أقل تقدير، ويأتي التعاون في هذا المجال في المرتبة الثانية بعد التعاون في المجال الثقافي، فحدث التبادل في البرامج التلفزيونية والإذاعية بإرسال رسالة إخبارية عبر القنوات المتاحة تتضمن الإنجازات والنشاطات وحركة المد الثقافي والإبداعي، والمسلسلات والتمثيليات والبرامج الدرامية، وبث رسالة وبرامج خاصة بالمناسبات والأعياد الوطنية في كلّ منهما، وتبادل التسجيلات الموسيقية والغنائية والفلكلورية، وموافقة الجانب السوداني على توفير فرص التدريب للجانب اليمني في حقل الإذاعة والتلفزيون، كالتحرير والتصوير والأرشفة، والتوثيق والمهارات الإدارية، والإعداد والإخراج، وتقديم دورة في أحدث التقنيات الإعلامية، والتنسيق بين الإذاعة والتلفزيون بينهما في التمثيل في الاتحادات والمنظمات الإقليمية والدولية، وتشجيع تبادل زيارات الصحفيين والمراسلين بينهما، ودعم علاقات التعاون الإعلامي والتبادل الإخباري بين وكالة الأنباء اليمنية(سبأ) والسودانية(سونا)، ومنح حق استلام أخبار كل منهما، والاستفادة منها في نشراتهما الإخبارية من دون مقابل، وإعطاء الأولوية لأخبار كل طرف والمتعلقة بالمسائل والقضايا التي تخصُّ البلدين، وتبادل التحقيقات الصحفية والمطبوعات والصور، وتنسيق المواقف في التمثيل بالمنظمات الإقليمية والدولية، والعمل على تقديم المساعدات الممكنة لبعضهما، وتدريب الكوادر في المعاهد المتخصصة في كلا البلدين، ووقعا برتوكولات في المجال الشبابي بتبادل الزيارات للفرق الشبابية في مختلف المجالات، ومشاركة الجانب اليمني في المعسكرات الشبابية والثقافية التي تقيمها السودان، وتقديم منح دراسية لتأهيل الكوادر اليمنية في مجالات التربية الرياضية، وتبادل اللقاءات في مختلف المجلات الرياضية، وتزويد اللجنة الأولمبية اليمنية بخبير سوداني متخصص، والاستضافات المتبادلة للفرق والأفراد وتبادل الزيارات لتبادل الخبرات في المجال الرياضي.

ووقعت كثر من الاتفاقيات والبروتوكولات والبرامج التنفيذية في مجال العمل والتدريب المهني والتأمينات الاجتماعية، لتبادل الخبراء والزيارات ومراجعة قضايا العمل، والمعلومات والوثائق والمطبوعات، والتشريعات المتعلقة بالعمل، وتدريب عدد من موظفي وزارة العمل والتدريب المهني اليمنية في السودان، وتنظيم دورات تدريبية للمدربين المهنيين في كلا البلدين، وعقد دورات تدريبية لرؤساء الأقسام والمدربين اليمنيين في مراكز التدريب المهني في السودان، وتبادل الزيارات والخبراء في مجال التأمينات الاجتماعية، وحضور الندوات والمؤتمرات حول التأمينات الاجتماعية، والتعاون وتبادل المنافع بين الصندوق القومي للتأمينات الاجتماعية في السودان، والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في اليمن، والتعاون في مجال تنظيم الأسرة والمشاريع المدرة للدخل في الحضر والريف، والتأهيل المجتمعي.

واتفقا على تبادل الخبرات في مجال الخدمة المدنية والإصلاح الإداري، والتشريعات والقوانين والنظم واللوائح التي تنظم الخدمة المدنية، وتأهيل الموظفين وتدريبهم في دورات قصيرة وطويلة، وتبادل الزيارات والاتصالات بين المسؤولين في البلدين.

واتفقا على التعاون في مجال الأوقاف والدعوة والإرشاد، لتستفيد اليمن في مجال التدريب وإعداد الدعاة، والزيارات المتبادلة للدعاة، وتنظيم المسابقات الدورية في القرآن الكريم، وتبادل الخبرات في مجال الحج والعمرة، وتوفير السودان منح دراسية لوزارة الأوقاف والإرشاد اليمنية؛ لتأهيل الدعاة والمرشدين، والإداريين على المستوى الجامعي والدراسات العليا، وتبادل التشريعات والأنظمة المتعلقة بالأوقاف، والخبرات في مجال استثمار عائدات الأوقاف، والتنسيق بينهما لإنشاء دور للقرآن الكريم في مجال الأوقاف والإرشاد، وتبادل المطبوعات والكتب والفهارس الصادرة في البلدين، والدعوات في أثناء انعقاد مؤتمرات أو ملتقيات إسلامية، وتوحيد مواقفهما فيها. وقد زاد ذلك التعاون في المجالات الثقافية والاجتماعية والإعلامية وغيرها من درجة التراكم المعرفي والثقافي بين البلدين، وعرَّف ببعضهما بعضًا بصورة أكثر، وأوضح مدى تعاونهما وعلاقاتهما الموغلة في القدم.

المطلب الرابع: التعاون في المجالات العلمية والصحية والأمنية

ويبيّن أنه تم توقيع عدة اتفاقيات وبروتوكولات وبرامج تنفيذية في هذه المجالات خلال المدة من 1990م وحتى 2005م، ففي مجال التربية والتعليم يوجد العديد من المدرسيين السودانيين في مختلف مراحل التعليم بنظام الإعارة، في المدارس الحكومية، وكذلك الخاصة حيث يستفاد من خبراتهم في تدريس بعض المواد الدراسية كالإنجليزي والرياضيات وبعض المواد العلمية، وقدَّم السودان دورات تدريبية للقيادات التربوية اليمنية، وتبادل الزيارات للقيادات وهيئات التدريس والوفود الطلابية، وتبادل الخبرات في مجال التشريعات التربوية والإدارية، وتبادل الخبرات في أساليب التقويم والاختبارات، وتبادل المطبوعات والبحوث التربوية الصادرة في كلا البلدين، وتبادل الوثائق والمناهج والمواد التعليمية والتدريبية والوسائل في مجال التعليم الفني، والزيارات الاستطلاعية لقيادات ومسؤولي التعليم الفني، وتدريب ورفع كفاءة المدرسين والمدربين في المجالات التخصصية، من خلال دعوة كل طرف للآخر في الدورات والورش الإقليمية التي يقوم بعقدها، وتشكيل لجنة فنية مشتركة بهذا الخصوص. واتفقا على تبادل الخبرات العلمية والتعاون بين جامعات البلدين، والتعاون في مجال البحوث وتبادل الزيارات لهيئات التدريس والوفود الطلابية، والتنسيق لحل المشاكل الجامعية، ومشاكل الدرجات العلمية العليا، والتعاون في مجال التعليم العالي والبحث العلمي، وتقديم السودان ستين منحة دراسية جامعية سنوية، وعشر منح لأبناء الجالية اليمنية في السودان، وعشر منح سنويًا دراسات عليا، وتقديم اليمن للسودان ثلاثين منحة دراسية جامعية، وثلاثين منحة دراسية لأبناء الجالية السودانية في اليمن، وخمس عشرة منحة دراسات عليا، وتبادل الخبرات في مجال التشريعات وأساليب التقويم والاختبارات، وتبادل المطبوعات والبحوث الجامعية.

واتفقا على التعاون في مجال الصحة العامة والسكان، والصحة البيطرية، فقدم السودان منحًا دراسية في مجال الطب البشري والصيدلة، والعلوم البيطرية، وقدم اليمن منحًا دراسية في مجال الطب البشري وفروعه المختلفة، واتفقا على تبادل الخبرات وإجراء البحوث المشتركة، ووقعا بروتوكولات وبرامج تنفيذية للتعاون في المجالات الطبية والصحية، وتبادل المعلومات والوثائق والمطبوعات حول تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية، وزيارات المسؤولين لتبادل الخبرات وزيادة المعارف.

ووجدت بين البلدين علاقات أمنية وعسكرية، تركز في مجالات التدريب والتأهيل المشترك، وتبادل الزيارات والمعلومات والخبرات في المجالات المختلفة، وتم التنسيق والتشاور في محاربة الإرهاب والتهريب والجريمة المنظمة والإتجار بالمخدرات، عبر مبعوثين أو الملحقيات الأمنية والعسكرية. وقد زادت علاقات التعاون بين البلدين في هذه المجالات من روابط العلاقات الرسمية والشعبية بينهما، ونفت مسببات الصراع من خلال التنسيق والتعاون الإيجابي في تلك المجالات الحساسة.

المبحث الثاني: تجمّع صنعاء للتعاون

يرى أن ظهور المنظمات الدولية والإقليمية العامة والمتخصصة ضرورة حتمية للتعاون بين الدول، والخروج من حالة الحرب والصراعات الدائمة، وتتمثل مبدأها في التعاون والتضامن والتكامل، فبعضها يعمل على تدعيم التعاون، وأخرى تعمل على تجسيد التضامن، وثالثة تهدف إلى تحقيق التكامل، فنشأت منظمات على مستوى العالم، وأخرى على المستوى القاري، وبهذا السياق نشأت منظمات فرعية أخرى أوجدتها ضرورات مختلفة، وبروز الصراعات لاسيما بعد استقلال إريتريا في منطقة القرن الأفريقي وانهيار دولة الصومال، وما أصبح لدى اليمن بعد عام 1990م من إمكانيات بشرية ومادية ومساحة جغرافية، نشطت سياستها الخارجية بشكل ملحوظ، وشكّلت منطقة القرن الأفريقي والخليج العربي محددين هامين لها، فتقدمت بطلب انضمام إلى مجلس التعاون الخليجي، وبذلت جهود لتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة جنوب البحر الأحمر ومنطقة القرن الأفريقي، واحتضنت صنعاء عدة لقاءات بهذا الاتجاه، إلى أن تمَّ اتفاق كلٍّ من اليمن والسودان وإثيوبيا على إنشاء تجمع صنعاء للتعاون، بحيث يكون تجمع مفتوح أمام دول جنوب البحر الأحمر والقرن الأفريقي، فكان الإعلان عن ذلك التجمع بعد عقد قمة ثلاثية في صنعاء من 13 _ 15 أكتوبر 2002م، وأشارت بعض المصادر إلى أن إثيوبيا هي صاحبة فكرة هذا التجمع، وأشارت أخرى أنها فكرة علي عبدالله صالح، وفي نهاية ديسمبر 2003م تم إقرار اتفاقية تأسيس هذا التجمع، والتأكيد على أنه تجمع إقليمي مفتوح أمام دول القرن الأفريقي وجنوب البحر الأحمر، وتمّ قبول الصومال عضوًا فيه في قمة التجمع الثالثة التي عقدت في الخرطوم في 27 ديسمبر 2004م، وتوجد تعريفات خاصة بالتجمع، وظروف النشأة، والعضوية فيه، وأجهزة التجمع وقممه، واللجان التنفيذية والمتخصصة، ونقاط الارتكاز، والاجتماعات، واتخاذ القرار، والانسحاب، والدخول حيز التنفيذ، وبيانات قمم التجمع، والبيانات الختامية لاجتماعات وزراء خارجية التجمع، والاتفاقيات التي وقعت في قمة الخرطوم الثالثة، وقمة عدن الرابعة. وكانت أهداف تجمع صنعاء، هي حفظ أمن منطقة القرن الأفريقي وجنوب البحر الأحمر، ومكافحة كافة أنواع التهريب، ومنع النزاعات وحلها سلميًا، وحل الصراعات بين دول المنطقة عن طريق الحوار بالوسائل السلمية، ودعم وتنسيق التعاون الإقليمي بينهم في محاربة الإرهاب الدولي، وتطوير التعاون بين الدول الأعضاء لتحقيق تطلعات شعوبها في التنمية والتقدم والاستقرار، والاستثمار المشترك وتسهيل حركة رؤوس الأموال، وتحقيق المزيد من العلاقات التاريخية والاجتماعية والثقافية بين الدول الأعضاء. وتأتي أهمية هذا التجمع من قناعة الدول الأعضاء بضرورة تعاونهم في إحلال الأمن والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي وجنوب البحر الأحمر، وذلك لكثرة الصراعات والنزاعات فيها، ومحاربة التهريب والقرصنة والإرهاب الذي قضَّ مضاجعها، وما أظهرته أمريكا من اهتمام بهذه المنطقة بعد حرب الخليج الثانية، وسعيها لاستقلال جنوب السودان، لإيجاد منطقة غير مسلمة عازلة بذلك المكان، وما يكتسبه البحر الأحمر من أهمية جعلته مطمعًا لقوى دولية، ولا يوجد أي إطار تعاون مشترك بين الدول المشاطئة فيه، فكان البُعد الأمني هو الأساس في هذا التجمع، رغم وجود أبعاد اجتماعية وثقافية واقتصادية واستثمارية، بسبب الصراعات في الصومال، وما لدى إريتريا من مطامع توسعية في الدول المجاورة لها، فضلًا عن النزاعات الحدودية بين السودان وإثيوبيا، وما لديها من مشاكل داخلية، فسعت تلك الدول إلى تحقيق إنجازات اقتصادية، فكانت تُعدُّ لإقامة منطقة حرة، وتشكيل مجلس رجال أعمال مشترك، وشركة قابضة.. وبما أن البلدين(اليمن والسودان) جزء من هذه المنطقة فإن هذا التجمع ستنعكس آثاره عليهما، في تحقيق أمن واستقرار بلديهما، تحت مظلة إقليمية، وسيعزز العلاقات بينهما في شتى المجالات.

المبحث الثالث: الصعوبات التي تقف أمام تطور العلاقات اليمنية _ السودانية

يرى أن العلاقات اليمنية _ السودانية قد واجهت عدة صعوبات، إذ كل دولة لديها مشاكلها الداخلية وتعاني من الضغوط الخارجية الإقليمية والدولية، التي بددت إمكانياتها وشغلتها عن التفاعل مع محيطها الإقليمي والدولي، ومن أبرز المشاكل الداخلية التي واجهتها اليمن دمج مؤسسات الدولتين بعد عام 1990م، وحرب 1994م ضد الجنوب العبثية التي قضت على بذور الوحدة الأخوية بين شعب(جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) وشعب(الجمهورية العربية اليمنية)، وعودة نحو مليوني يمني من الخليج والسعودية بعد حرب الخليج الثانية، بسبب موقف اليمن الداعم لنظام البعث في العراق بقيادة صدام حسين، وحروب صعدة، وما تمرُّ به البلاد من أزمة اقتصادية متفاقمة نتيجة سلسلة أخطاء متراكمة، وفساد، وعدم مسؤولية، وغياب التخطيط الاستراتيجي. وأما أبرز المشاكل الداخلية التي تواجهها السودان فتتمثل في الصراع في جنوب السودان الذي يمتد منذ ما قبل الاستقلال، ومشكلة دارفور التي ظهرت في 2003م، مشكلة شرق السودان التي تعاني من التهميش والحرمان، والحراك السياسي في الشمال الذي يدور بين مختلف القوى السياسية حول السلطة والسعي للوصول إليها، والمشاكل الاقتصادية والمالية التي تعصف بالبلاد، فتلك المشاكل الداخلية التي تعاني منها كل دولة عملت على انشغالها بنفسها، وحد من قدرة تفاعلها ونشاطها مع محيطها الإقليمي والدولي. فضلًا عن ذلك تعاني كل دولة من ضغوط إقليمية، وأبرز تلك الضغوط على اليمن تتمثل في مشاكل حدودية مع إريتريا، وانشغال بترسيم الحدود مع عُمان والسعودية، وأعباء مشاكل الصومال في مختلف المجالات، وأبرز الضغوط الخارجية التي تعاني منها السودان تتمثل في النزاع مع إريتريا، وأعباء مشاكل الصومال عليها في مختلف المجالات، فتلك الضغوط الإقليمية التي عانت منها اليمن والسودان ألقت بظلالها على العلاقات بينهما، فاستحوذت على جل سبل التعاون بينهما، ولو أنها سُخرت تلك اللقاءات وعلاقات التعاون في مناقشة الاتفاقيات والمشاريع المتعثرة بينهما، أو اقتراح مشاريع جديدة، لكانت قد دفعت بالعلاقات التي تخدمهما إلى التطور.

ولم تقتصر الضغوط الخارجية عليهما على الإقليمية بل توجد ضغوط دولية عانت منها البلدان، وجعلتهما يبحثان عن سبل الخروج من هذه العزلة بدلًا عن البحث عن سبل التعاون بينهما، فقد عانت اليمن من الضغوط الأمريكية، فأوقفت مساعداتها، وضغط أوربي بسبب ممارسة السودان التطهير العرقي في بعض المنطق كدارفور، وضغوط الهيئات الدولية على السودان خضعت اليمن لتأثيراتها بسبب تطوير علاقاتها مع السودان، أما السودان فقد عانى من ضغوط دولية هائلة منها ضغوط أمريكية على دول الجوار لتطويقه ومحاصرته، واتهامه بدعم الإرهاب، وقرارات دولية صدرت بحقه أيضًا بلغت أوجها بمذكرة توقيف الرئيس عمر حسن البشير، وكل هذه الضغوط الدولية أثرت على علاقات البلدين، إذ تضطر إحداهما أو كلاهما إلى الرضوخ لتلك الضغوط على حساب التعاون والعلاقات المشتركة بينهما.

وتوصل في الخاتمة إلى عدة نتائج لخصها مما سبق عرضه ودراسته في متن الكتاب، ووضع رؤية مستقبلية للعلاقات اليمنية _ السودانية، انطلاقًا من القواسم المشتركة بينهما، وتوجه صانعي قرار السياسية الخارجية في البلدين تجاه بعضهما، وقدم تصوران الأول وصول العلاقات إلى الفتور والانقطاع في الجانب الرسمي لمعطيات على ساحتي البلدين، ونتيجة ضغوط إقليمية ودولية، والآخر مزيد من التعاون والتنسيق والنمو، وقدم عدة مؤشرات قد تحقق ذلك، أبرزها التقارب الرسمي والعلاقات الاجتماعية والثقافية والجوار الجغرافي بينهما، وتقارب وجهات نظريهما بخصوص مشاكل عديدة إقليمية ودولية، ووضع بعد ذلك توصيات قدم خلالها مقترحات عدة يرى أن العمل بها من كلا الجانبين سيساعد على تعزيز العلاقات المتبادلة وتطويرها بينهما، ويختم ذلك بمقترح تطوير تجمع صنعاء للتعاون؛ ليشمل دول الجزيرة العربية والخليج العربي ودول منطقة القرن الأفريقي وجنوب البحر الأحمر تحت مسمى(منظمة التعاون لدول الجزيرة العربية والقرن الأفريقي).

ويلي ذلك قائمة المراجع التي كانت متنوعة وثرية بين وثائق عربية أساسية رسمية ورسائل وإصدارات علمية منها أطروحات دكتوراه ورسائل ماجستير وتقارير وإصدارات سنوية، وموسوعات علمية، وأطالس علمية، وحلقات دراسية ومحاضرات أكاديمية، وكتب وأبحاث دوريات علمية، وإصدارات مترجمة، ومقالات في مجلات أسبوعية ودورية، ومقالات صحفية، ومقابلات شخصية، وإصدارات إنترنتية، وكتب ومراجع باللغة الإنجليزية، بلغت في مجموعها أكثر من 480 مرجعًا. تلتها (24) ملحقًا، ذكر فيها زيارات الوفود المتبادلة، يذكر الاسم والصفة والتاريخ والمهمة، والاتفاقيات والمحاضر والبروتوكولات والبرامج التنفيذية ومذكرات التفاهم الموقعة بين الجانبين، فيذكر المضمون ومكان التوقيع وتاريخه، ويذكر فيها ما يتعلق بتجمُّع صنعاء: فيورد اتفاق الإنشاء، وبيانات القمم الأربع في: صنعاء في 15 أكتوبر 2002م، وأديس أبابا في ديسمبر 28 _ 29 ديسمبر 2003م، والخرطوم 27 ديسمبر 2004م، وعدن 28 _ 29 ديسمبر 2005م، والبيانات الختامية لوزراء خارجية دول التجمُّع في أديس أبابا في نوفمبر 2002م، والخرطوم في يناير 2003م، وصنعاء في نوفمبر 2003م، وصنعاء في مايو 2006م، ومحاضر الاجتماعات، والاتفاقيات، ومذكرات التفاهم، الموقعة بين اللجان المتخصصة، وأورد نص اتفاق المبادئ في اللجوء إلى التحكيم الموقع بين اليمن وإريتريا في باريس في 21/ 5/ 1996م في موضع النزاع بينهما حول مجموعة جزر في البحر الأحمر، واتفاق التحكيم بينهما في 3/ 10/ 1996م في باريس أيضًا، ومنطوق الحكم الدولي في السيادة على الجزر بينهما الصادر في لندن بتاريخ 9/ 10/ 1998م، ومنطوق الحكم الدولي في ترسيم الحدود البحرية بينهما الصادر في لندن بتاريخ 17/ 12/ 1998م، وعدة اتفاقيات بينهما، وقرارات وقوانين يمنية بشأن المياه الإقليمية، واتفاقيات الحدود بين اليمن وعُمان، ومعاهدة الصداقة بين اليمن والسعودية وعهد التحكيم بينهما في جدة في 20/ 5/ 1934م، ومذكرة تفاهم في مكة المكرمة بتاريخ 26/ 2/ 1995م، ويعرض بعد ذلك 29 خريطة تركز بشكل أساسي على موقعي السودان واليمن قديمًا وحديثًا، وجنوب البحر الأحمر ومنطقة القرن الأفريقي، والبحر العربي، ويختم الكتاب بذكر بعض عناوين مؤلفات المؤلِّف وأعماله، بلغت أكثر من خمسة عشرين مؤلَّفًا منها ديوانا شعر للمؤلِّف نفسه، وسبعة أبحاث، وسبع وأربعين دراسة.

ويجدر بنا الإشارة، في الأخير، إلى أن هذا الكتاب عبارة عن رسالة علمية حصل بها صاحبها على درجة الماجستير، ناقشها يوم الأحد 24/ 6/ 2012م، في قسم العلوم السياسية، بكلية التجارة والاقتصاد، في جامعة صنعاء، وقد أوصت اللجنة جامعة صنعاء ووزارة الخارجية بضرورة طباعتها ونشرها على مستوى الجامعات العربية والسفارات والقنصليات العربية والجهات ذات العلاقة