رؤية متوازنة تجمع بين الواقعية السياسية والتنمية المستدامة..

حضور إماراتي لافت في اجتماع باريس: دبلوماسية العمل الإنساني قبل السياسة

أشادت الهاشمي بالجهود القيادية التي بذلها الرئيس ترامب، مثمّنة المساعي الدؤوبة التي بذلتها مصر وتركيا وقطر في وساطتها لإنهاء الحرب.

فرص ومخاطر خطة ترامب: بين واقعية التنفيذ وشرعية الميدان الفلسطيني

محررو الشؤون الاقليمية
فريق تحرير يرصد الاخبار والتطورات في اليمن والاقليم والصراع الإيراني الإسرائيلي

في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول 2025، احتضنت باريس اجتماعًا رفيع المستوى بدعوة من فرنسا لمناقشة آليات تنفيذ خطة السلام الأمريكية التي أعلنها الرئيس دونالد ترامب. مثّلت دولة الإمارات العربية المتحدة هذا المحفل الدولي، عبر وزيرة الدولة للتعاون الدولي ريم بنت إبراهيم الهاشمي، ما يعكس حرص أبوظبي على الظهور كفاعل فاعل في إدارة الملف الفلسطيني، ليس من زاوية الدبلوماسية فحسب، بل من الزاوية الإنسانية والتنموية أيضًا. هذا التقرير يقدّم قراءة متعمقة في دلالة هذا الحضور، مواقف الإمارات، التوازنات الإقليمية والدولية، وأبعاده الاستراتيجية على القضية الفلسطينية.

1. الإمارات كـ “لاعب بناء” في الملف الفلسطيني

– مشاركة الإمارات في هذا الاجتماع الراقي يُعدّ مؤشرًا على سعيها إلى تثبيت موقعها في ملفات “الشرق الأوسط الكبرى”، لا سيما قضية غزة، ليس فقط من خلال الدعم الإنساني، بل عبر استثمار البعد الدبلوماسي والشرعي.
– عبر اختيارها لوزيرة التعاون الدولي (وليست وزيرًا للخارجية)، تسعى الإمارات إلى توجيه رسالة: أن دورها يتجاوز الدبلوماسية السياسية الكلاسيكية، ويمتد إلى أبعاد التنمية والتعاون الإنساني.

2. مواقف الهاشمي: مزيج من الجهر بالدعم والدعوة إلى الشراكة

– في كلمتها أشادت الهاشمي بالجهود القيادية للرئيس ترامب والدور الوسيط الذي بذلته مصر وتركيا وقطر، مما يضع الإمارات في موقع “المقدر للدور الوسيط” إن لزم الأمر.
– دعوتها إلى تكثيف التنسيق الإقليمي والدولي ليست مجرد دعوة دبلوماسية؛ بل هي محاولة لتقنين شبكة تحالفات تساند الخطة الأمريكية وتُعطيها شرعية أوسع.
– إبرازها للتوسع المستقبلي في الجوانب الإنسانية والتنموية لغزة يرسل رسالة واضحة: إن الإمارات ليست فقط داعمًا فاعلًا اليوم، بل مؤهلة للتزام دائم.

 

1. التركيبة المتنوعة للدول المشاركة

الحاضرون في الاجتماع تمثّلوا بوزراء خارجية من دول عربية (مصر، الأردن، قطر، السعودية)، أوروبية (ألمانيا، إيطاليا، المملكة المتحدة) وتركيا، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي وممثلي دول مثل كندا وإندونيسيا وباكستان. هذا المزيج يشي بأن المبادرة الأمريكية، وإن كانت مركزية، تُركّز على إطار متعدد الأطراف لتفادي حصرها في شراكة أميركية–إسرائيلية فقط.

2. مواقف الدول الرئيسية:

مصر: غالبًا ما تُعدّ الحاضن الأقوى للقاهرة لأي خطة سلام في غزة، باعتبارها نقطة اتصال أساسية بين القطاع والعالم الخارجي، ولا بد أن مشاركتها كانت حاسمة في رسم ملامح التوازن بين التنفيذ الفوري والخطوات المستقبلية.

تركيا وقطر: لديهما علاقات مع الفاعلين داخليًا في غزة وحماس؛ مواقفهما قد تتأرجح بين دعم المبادرة الأمريكية ومساحات الضغط على شروط التنفيذ (من حيث إدارة القطاع، الحصانة السياسية، الجغرافيا).

الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي: تشكّل عاملًا لتضخيم الشرعية الدولية للخطة، مع إمكانية الربط بين التنفيذ والتمويل والإشراف والمراجعة، باعتبارها جهات فاعلة في إعادة إعمار غزة والدعم المؤسسي.

الولايات المتحدة (من خلال المبادرة التي أعلنها ترامب): هي المحرك الرئيسي في هذا المسار، لكن نجاحها يقترن بمدى قدرتها على جذب التزام واقعي من الدول الإقليمية والمجتمع الدولي.

الدول المشاركة الأخرى (كندا، إندونيسيا، باكستان): قد تشكّل عنصر دعم رمزي ودولي يُستخدم لتعزيز شرعية الخطة في المحافل العالمية.

3. الرهان على شرعية متعددة الأطراف

من خلال إشراك هذه الدول، تحاول الدعوة الفرنسية والقفز على الانفرادية الأميركية — أي أن تكون الخطة “أممية / دولية” قدر الإمكان، لتقليل النقد القائل بأنها خطة فرضتها واشنطن من خلف الستار. الإمارات، بانضمامها، تضفي على هذه الشرعية ثقلًا إقليميًا من جهة عربية، ومصداقية في العالم الإسلامي.

 

1. أرقام الدعم: بين الخطاب والواقع

في كلمتها، قدمت الهاشمي أرقامًا كبيرة:

المساعدات بلغت 1.8 مليار دولار أمريكي منذ بداية الحرب، موزعة بين المساعدات الإنسانية والطبية.

نقلها عبر 8000 شاحنة إلى القطاع.

علاج نحو 75 ألف مريض في المستشفيات.

تشغيل ست محطات تحلية مياه توفر مليوني غالون مياه نظيفة يوميًا.

خطط للتوسع: مئات المخابز، ومئات المطابخ المجتمعية، إنشاء عيادات صحة الأم، توزيع الخيام والمساكن الجاهزة.

هذه الأرقام توحي بأن الإمارات ليست مساهمًا هامشيًا، بل لاعبًا بوزن كبير في الحلبة الإنسانية داخل غزة. لكن يجب أن يُطرح تساؤل: ما مدى دقة هذه الأرقام على أرض الواقع، وما هي آليات المتابعة والتقييم والمساءلة؟ في حالات الصراعات، الأرقام الكبيرة دائمًا تُعرض، لكن التنفيذ عادة يواجه تحديات لوجستية وأمنية.

2. الربط بين الدعم الإنساني والسياسات الاستراتيجية

إن هذا العرض ليس مجرد استعراض للتبرعات، بل هو أداة استراتيجية تُستعمل في الساحة الدبلوماسية لبناء أثر ناعم (soft power). الإمارات تريد أن تقول: “نحن نستثمر في غزة اليوم لكي نكون شريكًا فاعلًا في أي ترتيب سياسي أو إداري لاحق”. هذا التوجه يُترجَم في التمهيد لتقديم نفسها كدولة لديها القدرة على النفاذ البشري والتنظيمي داخل القطاع، وهو ما قد يعطيها دورًا في المستقبل في الإشراف على المشاريع التنموية أو المؤسسات المدنية.

3. مخاطرة التوسع في الوعود

كلما زادت الوعود، زادت التوقعات، وزادت المخاطر. إذا لم تُنجز بعض المشاريع المتعهد بها (مخابز، مطابخ، عيادات، مساكن)، فإن الإمارات قد تتعرض لانتقادات تتعلق بالعجز أو الالتزام الزائف. كما أن التوسع في الدعم يتطلب موارد بشرية، أمنية، لوجستية، وقد يواجه عوائق من السلطات الإسرائيلية أو الإدارية داخل غزة أو من التنظيمات المحلية.

رابعًا: اللقاءات الثنائية وأهميتها الاستراتيجية

اللقاءات الثنائية التي أجرتها الهاشمي مع نظرائها في مصر، فرنسا، إيطاليا، الأردن، قطر، المملكة المتحدة ليست “فقرات بروتوكولية” فحسب، بل كانت محطات تفاوضية هامة:

مصر: تُعدّ مصر مفتاحًا في أي تسهيل للوصول إلى غزة، وأي مشروع إعادة إعمار أو تنمية سيحتاج تنسيقًا مصريًا دقيقًا. اللقاء المصري يتيح تبادل الرؤى والتأكد من أن الخطط الإماراتية لن تتضارب مع السياسات التي تقوم بها القاهرة في الضفة الغربية والقطاع.

فرنسا: بما أنها الداعية للاجتماع، العلاقة مع باريس قد تفتح أبوابًا لتمويل أوروبي لمشاريع إعادة الإعمار، أو لتضمين رؤية الإمارات في المبادرات التي تقودها باريس لاحقًا.

إيطاليا، المملكة المتحدة: هما من كبار الممولين في المشروعات الدولية، وقد يكونان معنيين بتقديم دعم لوجستي أو مالي، أو إشراك مؤسساتهما التنموية.

الأردن وقطر: لهما دور محوري في إدارة الملف الإنساني الفلسطيني؛ التنسيق معهما يعني تفادي التضارب المؤسسي في المشاريع وتوافق الجهود الميدانية واللوجستية.

من خلال هذه اللقاءات، الإمارات لا تطالب فقط بدعم الكلمة أو التصديق، بل تُحاول ترسيخ حضورها كطرف تفاوضي في البناء العملي للخطة، وليس مجرد داعم جانبي.

 

1. التحديات الكبرى أمام الخطة الأمريكية

غياب الثقة: الكثير من الفاعلين الفلسطينيين، ولا سيما في حركة حماس أو الفصائل في غزة، قد يعتبرون أن الخطة الأميركية تحمل شروطًا قاسية، خاصة في ما يتعلق بالسيادة الأمنية، الترتيبات الإدارية، ونوعية الحكم المستقبلي.

الربط بين السلم والإنهاء العسكري: إذا استمرت العمليات العسكرية أو التوتر الأمني، فالرؤية الخضراء للخطة قد تتبدد.

النفوذ الإسرائيلي: أي خطة ستتطلب تعاونًا إسرائيليًا، أو على الأقل قبولًا، وهذا ليس مضمونًا إذا ما تسببت المشاريع في تغيير الوضع الاستراتيجي داخل غزة أو الضفة.

التمويل الدولي: إعادة إعمار غزة تتطلب استثمارات ضخمة. الدول المانحة ستربط التمويل بالشروط السياسية والمراقبة، وهو ما قد يقيد استقلال المشاريع.

2. الفرص المتاحة للإمارات

الكسب الرمزي: المشاركة في هذه الخطة تضع الإمارات في موقف “الداعم الفعّال” للقضية، وهو ما يرفع موقعها في الحلبة العربية والدولية.

النفاذ المؤسسي: إذا نجحت في تنفيذ المشاريع التنموية في غزة، قد تحصل الإمارات على امتيازات في مشاريع البنية التحتية، في الشراكة مع مؤسسات القرار المحلي والمجتمع المدني الفلسطيني.

الحيز الدبلوماسي: من خلال التسويق لأنشطتها ومطالبها في إطار الخطة الأمريكية، يمكن للإمارات أن تروج لرؤيتها في التهدئة، الاستقرار، وتجيير الملف لصالح الحلفاء الذين تفضلهم في الإقليم.

3. المخاطر الاستراتيجية

اتهامات بالوساطة المنحازة: بعض الأطراف قد ترى أن الإمارات تتحول إلى ذراع تنفيذية لخطة أميركية تخدم أولويات واشنطن أولاً، وليس دائمًا البعد الفلسطيني المدافع عن حقوق ومستقبل الشعب الفلسطيني.

التوتر مع فصائل المقاومة داخل غزة قد يحدث إذا شعروا بأن المشاريع الإماراتية تُستخدم أداة سياسية للضغط أو التكيّف مع الشروط الأمريكية أو الإسرائيلية.

الاعتماد القصير الأجل: إذا لم تبنَ مشاريع الإمارات داخل غزة على أسس مستدامة، قد تتحول إلى “مساعدات موسمية” يفقد الشعب الفلسطيني صبره على الوعود.

التداخل مع المبادرات الفلسطينية والمحلية: إذا لم يُراعَ التنسيق مع المؤسسات الفلسطينية الرسمية وغير الرسمية، قد تحدث تصادمات مؤسسية أو شعور بأن الإمارات “تدخل من الباب الخلفي”.

مشاركة الإمارات، عبر ريم الهاشمي، في اجتماع باريس تمثل محطة استراتيجية في بلورة الأجندة الإماراتية في القضية الفلسطينية: إذ لا يُكتفَى بالدعم الإنساني، بل يُسعى لتثبيت مدى التأثير السياسي والدبلوماسي في أي عملية سلام محتملة.

لكن الطريق ليس سهلاً. النجاح سيقاس بقدرتها على ترجمة الوعود إلى واقع ملموس، ضمن بيئة مضطربة ومليئة بالتحديات الأمنية والسياسية. من جهة أخرى، موقع الإمارات في هذا المسار قد يُعرضها لانتقادات من الأطراف التي ترى أن تقديم الدعم في غزة يجب أن يُوجَّه حصريًا من خلال الأجسام الفلسطينية، لا الدول الخارجية التي قد تتورط في السياسات الكبرى.