مشاري الذايدي يكتب:

الغازي «العثمنلي» الجديد

سفينة محملة بكواتم صوت وأسلحة أخرى، ضبطت بميناء الخمس الليبي قبل 3 أسابيع، مقبلة من مياه إسطنبول، وتحولت القصة لدليل ملموس ضد الدور التركي الشرير بهذا البلد المنكوب، ليبيا، وكل الأشرار المتصلين بإرهابيي ليبيا في المغرب العربي كله.
حاول وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو «لملمة» الموضوع، لكن الجرم مكتمل والحالة «تلبّس».
شحنة الأسلحة والذخائر والمتفجرات التركية الضخمة التي تم ضبطها بالميناء الليبي «الخمس»، كشفت النتائج الأولية للأبحاث أنها مورّدة لشركات خاصة تتخصص في «استيراد المواد الغذائية»! ونعم الغذاء. مصلحة الجمارك الليبية أعلنت أن ضابط التحقيق في شحنة الأسلحة التركية نجا من محاولة اغتيال، واتهم العميد أحمد المسماري الناطق باسم القوات المسلحة الليبية عملاء لتركيا، داخل ليبيا، بتنفيذ العملية.
جرأة تركية عجيبة وصمت غربي أعجب، وهو الذي جعل العميد المسماري يطالب مجلس الأمن ومنظمة الأمم المتحدة بسرعة التحقيق بالأمر. فنحن أمام تمويل وتسليح صريح لجماعات إرهابية تقتل وتنحر المئات بل الآلاف، وليس فرداً واحداً يحاضرنا إردوغان بحس إنساني مرهف غير مقنع، عنه!
وزير الخارجية المصري، سامح شكري، خلال مؤتمر صحافي مع وزير الشؤون الخارجية المغربي قال بصراحة إن تركيا، ومعها قطر، تساهمان في خلق الحرب الأهلية الليبية وتغذية الإرهابيين هناك... والمقصود بالمال والسلاح والإعلام.
هذا السلوك التركي «المتهور» يمكن فهمه من خلال تفحص الوهم الذي «يتعنكب» في عقل قادة تركيا الجديدة، وهم «العثمانية الجديدة» ودلائل هذا الوهم كثيرة وخطيرة.
من ذلك الرغبة التركية العارمة للعودة العثمانية في بلاد البلقان من جديد، كما جاء في تقرير صحيفة «الغارديان» البريطانية، مشيرة لمثال محدد وهو بناء الجوامع والمساجد على الطراز المعماري العثماني بكوسوفو وعاصمتها التاريخية بريشتينا، الذي مرّت 6 سنوات من دون أن تبدأ الأشغال في جامعها المركزي، حيث توقف العمل بقرار من داخل تركيا بصفتها الدولة التي تمول المشروع، وتريد أن تفرض كلمتها رغم معارضة المسؤولين المحليين، بسبب حساسيات السكان المسلمين - لاحظ المسلمين - من أهالي كوسوفو، ضد الغزو التركي بطربوش عثمنلي.
هناك تيار تركي سياسي معلوم يسعى إلى إحياء العثمانية في نسخة جديدة مثل رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، الذي تنبأ بأن يتم تحقيق ذلك بحلول عام 2023.
ويتم التذكير دوماً بالجملة التي أطلقها إردوغان حين زار كوسوفو عام 2013: «تركيا هي كوسوفو، وكوسوفو هي تركيا».
هل تملك تركيا الإردوغانية التي هي مقبلة على فترة اكتئاب اقتصادي، وعلل أمنية داخلية، وامتحانات استراتيجية عظمى في سوريا، القدرة على «ترف» الحلم بعثمانية جديدة مهولة شاسعة واسعة؟!
العقل زينة.