كرم نعمة يكتب:
الاسترخاء لا يعني اللامبالاة
يكاد يجمع المشغولون في حياتهم العملية على أمنية صغيرة تتلخص في الاسترخاء وتأمل حركة الناس من رواق مقهى هادئ، الاسترخاء يعني لهم التخلص من ضغوط العمل والإحساس الدائم بالمسؤولية، وهو لا يعني بأي حال من الأحوال اللا مبالاة.
أنا أقرأ، يعني أنا مسترخيا، أحتسي قهوتي على مهل، أتأمل العالم، لست عجولا ولا أنظر إلى ساعتي بين دقيقة وأخرى، أتحدث بصوت واطئ وبأفكار مترابطة غير قلقة، يعني أنا مسترخيا.
الإحساس العالي بالمسؤولية داخل الأسرة وفي أجواء العمل أنسانا فكرة الاسترخاء وأهميتها العميقة، افتقادنا للاسترخاء يعني أننا لا نملأ رئاتنا بالهواء النقي، ونكتم عليها حتى تتحول أحلامنا إلى كوابيس ولا نشعر بمذاق الطعام عندما نأكله، بينما كل الحلول التي نقترحها على أنفسنا لمحاولة نسيان حزمة المسؤوليات المتراكمة، تتلاشى بمجرد الاستيقاظ صباحا، هناك مسؤولية عمل تحول دون نيل قسط من الصفاء الذهني. فعند المساء وفي عطلة نهاية الأسبوع بعد عمل شاق ومسؤوليات أسرية لا يجد المرء أي طاقة دافعة لعمل ما يجعله مسترخيا.
مشاهدة التلفزيون لا تمت بصلة إلى فكرة الاسترخاء، بل إنها تزيد القلق وتحفز على التوتر وتفاقم التفكير الناقد، فكرة المتعة تراجعت كثيرا مع تغير طبيعة نوعية خطاب برامج التلفزيون. مثلما أصبح الاسترخاء صعب المنال مع وجود هواتفنا الذكية.
كيف لنا إذا أن نسترخي في عالم مشوش يزيد العبء علينا سواء بما نشعر به حيال الآخرين أو بشأن حالنا. هل بقي في عالمنا اللاهث من يشعر بالذعر لأنه يعاني من الفراغ، أين يوجد هؤلاء؟
ترى عالمة النفس راشيل أندرو مشكلة فقدان الاسترخاء كل يوم في عيادتها تزداد سوءا. وتقول “القضايا نفسها تأتي مرارا وتكرارا: الهواتف، رسائل البريد الإلكتروني من قبل المسؤولين في العمل، وسائل الإعلام الاجتماعية”. وتشخص أندرو ذلك بالانفصام بين ما يعيشه الإنسان المعاصر بين نفسه وفي عالم مزدحم يفتقد إلى الإرشادات الروحية، بل وصل الحال بإرهاق العقل ببعض الناس بأنهم لا يعرفون ماذا فعلوا خلال نصف الساعة الأخيرة!
ويعتقد المحلل النفسي ديفيد مورغان أن هذا التراجع المميت بالنسبة للعديد منا هو سبب ونتيجة لحقيقة أننا لم نعد نعرف كيف نرتاح ونستمتع. هكذا قلّت جودة المسرات لأن الواحد منا يفشل في قضاء أمسية مع نفسه لمحاولة رؤيتها عن قرب، كل ما بيدنا من أجهزة وما نتعامل به من تقنيات، هو أقرب الطرق لتجنب الاقتراب من الذات.
سبق وأن انهارت الصحافية أريانا هافينغتون مؤسسة موقع هافينغتون بوست واستيقظت في بركة من الدماء بسبب كسر في عظمة الوجنة، لأنها كانت تعمل تحت إغراء النجاح وتقاوم النوم. لكنها اكتشفت بشكل متأخر متعة “التفكيك والاسترخاء” في تعريف جديد للنوم، بعد أن أبعدت كل الهواتف والكمبيوترات عن غرفة نومها.
لقد بتنا بحاجة ماسة إلى من يساعدنا في العيش حياة أكثرا إشباعا. لنتخلص من حقيقة مخيفة؛ إننا نعيش الحياة كي نموت في النهاية!