كرم نعمة يكتب:
أيلون ماسك وأهمية الصحافة المستقلة في محاسبة السلطة وحماية الحقيقة
لقد أمضت الزميلة رولا خلف رئيسة تحرير صحيفة فايننشيال تايمز قدرا من الوقت في دراسة تفكير أيلون ماسك قبل محاورته بعد استحواذه على تويتر.
ومن بين الأشياء التي أصابتها بازدراء: حس الفكاهة الصبياني لديه، وتصيده الدعائي السخيف، وحربه الساذجة على وسائل الإعلام القديمة، ونهجه السهل في التعامل مع حرية التعبير في بيئة الإنترنت.
مع ذلك لا يزال هناك الكثير مما يستحق التفكيك في طريقة تفكير هذا الثري الذي يعتقد أنه يحب الألم ومنصة إكس لديه تدعو إلى زيادة هذا الألم!
هذا الأسبوع، قام ماسك بالتعبير عن الكراهية المقيتة للصحافة المستقلة عندما استخدم مفردة تجمع في معناها الابتذال والقذارة في التهكم على صحيفة الغارديان البريطانية، فقط لأنها حثت القراء على الوقوف معها كي لا تكسرها أموال الأثرياء وبالتالي تمتلكها.
والأمر لا يتعلق بأيلون ماسك غريب الأطوار، بقدر تعلقه بكسر جوهر الصحافة المخلصة لاستقلالها. فبمجرد اعتقاد ثري متعجرف بأن لديه جميع الإجابات، هو ما يدفعه الآن إلى تقديم حلوله الخاصة لأكثر المشكلات الجيوسياسية تعقيدا في العالم، بما فيها الأزمة الوجودية التي تعاني منها الصحافة المطبوعة.
يمتلك هذا الثري، كالزعماء العرب، الحق في أن يصف نفسه بأنه “مؤيد لحرية التعبير” لكنه مثلهم جميعا لن يتوانى عن كسر الصحافة المخلصة لجوهرها ومحاصرتها وإذلالها إن تسنى لهم ذلك!
مقابل تغريدة أيلون ماسك مفتقدة الكياسة للتنكيل بالصحافة في معضلتها الوجودية، وفي حسابه الذي يتابعه أكثر من 134 مليون مستخدم “ستكون التغريدة عديمة الفائدة بالنسبة إليه باعتباره مالك منصة إكس” لم تتراجع صحيفة الغارديان عن التشكيك بالأثرياء والسلطة الراسخة لتمتعهم بقبضة قوية على قدر كبير من المعلومات في العالم، وما ينشرونه قد يكون مشوها ومدمرا في الكثير من الأحيان.
وعولت الصحيفة البريطانية في ردها على ماسك، على القراء الأوفياء في دعمها، لأنها لا تخضع لمالك فاحش الثراء، وتتمتع بالحرية في البحث عن الحقيقة ومشاركة القصص المهمة التي يجب أن يعرفها الجمهور، ولها اهتمام قليل بما يعتقده ماسك أو أي ملياردير عنها.
وبغض النظر عن الابتذال، فإن كلمة “كارهة للبشر” التي استخدمها ماسك في وصف الصحيفة البريطانية، هي اختيار غريب لمهاجمة مؤسسة إخبارية تشارك الناس المعلومات المجانية ولا تفرض عليهم شروطها كما تفعل صحف أمبراطور الإعلام روبرت مردوخ مثلا.
لا أحد منا كصحافيين مخلصين لجوهر الصحافة وحدها مروج للكراهية كما يعتقد ماسك، كما أننا كصحافيين لسنا بطوليين كما يعتقد معجبو أغنى رجل في العالم. والأمر المضحك، وفق رولا خلف، هو أن من خلال إنشاء تصنيف للأبطال والأشرار، فإننا في الواقع مقيدون بنفس الإطار الأخلاقي مثل ماسك نفسه. لكن المعايير التي تحرك من يمتلك المال والسلطة كماسك والزعماء العرب، هي مختلفة بالتأكيد عن معايير الصحافي المخلص لجوهر الحقيقة وحدها.
إن محاسبة أغنى وأقوى الأشخاص في العالم أمر بالغ الأهمية، وأنا كصحافي مثل غيري، ما زلت ملتزما بالكشف عن أخطاء ماسك العديدة، مثل أخطاء السياسيين العرب ورغبتهم التي لم تتراجع في إخضاع الصحافة وإذلالها إن تسنى لهم ذلك.
من المفيد أن أقتبس مرة أخرى ما كان يعتقده الرجال الأقوياء الذين كتبوا الدستور الأميركي عندما فضلوا دولة من دون حكومة على دولة من دون صحافة مستقلة، وهو أمر يفيد طريقة تفكير الزعماء والأثرياء معا وهم يعملون على إذلال الصحافة! بيد أنه لم يتم اختراع الحرية في الولايات المتحدة عند كتابة دستورها، بل هناك عدد قليل من الدول التي كانت فيها أهمية الصحافة المستقلة منسجمة بشكل وثيق مع تاريخها الطويل. هذا التقليد العظيم من احترام الحقيقة وقولها بلا خوف هو الآن تحت التهديد بالمال الفاحش وبصحافة حكومية خانعة.