صالح القلاب يكتب:
الإخوان «مصيبة» المرحلة وسبب أزماتها المتعددة
بعد تجربة سنوات طويلة من المفترض أنه بات معروفاً ومؤكداً أن «الإخوان المسلمين» كانوا ضد إنشاء منظمة التحرير، التي أنشئت في مؤتمر القدس الشهير في عام 1964، وضد إنشاء حركة «فتح»، وضد الكفاح الفلسطيني المسلح كله؛ وهذا بهدف أن يقوموا بما يقومون به الآن، إن فلسطينيا وإن عربيّاً وإن إسلامياً أيضاً، وفي العالم بأسره.
لقد حاول «إخوان» الأردن في فترة ما قبل سبعينات القرن الماضي عندما كانت المقاومة الفلسطينية في ذروة تألقها، إقحام بعض رموزهم على حركة «فتح» للظهور أمام منتسبيهم وبعض كوادرهم القيادية بأنهم يشاركون في الكفاح المسلح وقد أقيم لهؤلاء، الذين كان عددهم بالعشرات وليس بالمئات، معسكر في منطقة إربد، لم يخرجوا منه ليشاركوا بأي عملية فدائية وإلى أن عادوا كلهم بعد فترة قصيرة إلى ذويهم و«إخوانهم» سالمين مع زيادات ملحوظة في أوزانهم قياساً بما كانوا عليه قبل خطوتهم الاستعراضية هذه.
والملاحظ أن «شيوعيي» الأردن، الذين كان لهم وجود فعلي في الساحة الأردنية، قد بادروا هم بدورهم، وفي الفترة ذاتها إلى «ركوب» موجة الكفاح المسلح وإنشاء تنظيم باسم «قوات الأنصار» اقتداء بالتنظيمات التي كانت قد حملت هذا الاسم في فترة سيطرة النازيين على بعض دول أوروبا الشرقية، لكن قوات الأنصار هذه لم تنصر أحداً ولم تطلق حتى رصاصة واحدة ضد المحتلين الإسرائيليين، وذلك مع أنه كان للشيوعيين في الضفة الغربية وجود تنظيمي فعلي يحظى ببعض التقدير والاحترام.
ثم وإن ما تجدر الإشارة إليه هو أن هؤلاء «الإخوان المسلمين» وخلافاً لكل ما كانوا يتباهون به ويدعونه من «عقائدية» ملزمة، فإنهم قد بقوا يتخلون عن تحالفاتهم السابقة والتلاؤم مع ما بقيت تشهده هذه المنطقة ويشهده العالم كله من تقلبات سياسية متلاحقة على مدى سنوات القرن العشرين كلها وعلى مدى ما مضى من القرن الحادي والعشرين أيضاً، وإلى حدٍّ أنهم لم يترددوا في التخلي عن عقائديتهم هذه، وأن ينحازوا إلى هذا المحور الإيراني المستجد ويأخذوا رجب طيب إردوغان معهم ويصبحوا هُم وهو وأيضاً «الشقيقة» قطر، التي كانت «أفتت» قبل أيام قليلة بأن لإيران مصالح حيوية في سوريا وأن من حقها أن تدافع عن مصالحها هناك، من أتباع الولي الفقيه، ويدافعوا عن كل ما يفعله هذا النظام «البهلوي» في كثير من الدول العربية.
ربما هناك من لا يعرف أنَّ «الإخوان» المصريين قد وصلت علاقاتهم التنظيمية مع الرئيس جمال عبد الناصر قبل «ثورة» الثالث والعشرين من يوليو (تموز) عام 1952 إلى حدٍّ أنهم فكروا جدياًّ في أن يختاروه «مرشداً» لهم وبديلا لـ«مرشدهم» المؤسس حسن البنا، الذي كان قد تم اغتياله رداًّ على ما كان اتهم به من اغتيالات كثيرة لكنهم، وقد فشلوا في هذا، وأصبح عبد الناصر زعيماً للضباط الأحرار ثم ثاني رئيس لأول جمهورية في مصر وبات يقاومهم ويعتقل كثيرين منهم، فقد انقلبوا عليه كليّاً وحاولوا اغتياله في تلك الحادثة الشهيرة في ميدان المنشية بالإسكندرية عام 1954.
بعد رحيل عبد الناصر حاول هؤلاء التقرب من خَلَفِهِ الرئيس أنور السادات وحقيقة أنه هو قد حاول التقرب منهم لكنهم ما لبثوا أن انقلبوا عليه هو أيضاً وأنهم رتبوا عملية اغتياله في حادثة «المنصة» الشهيرة في عام 1981، وكل هذا... والمعروف أنهم قد حاولوا التقرب من الرئيس حسني مبارك، وأنهم ترددوا في البدايات في الانضمام إلى «ثورة» ميدان التحرير لكنهم عندما تأكدوا من نجاحها بادروا إلى تقديم الدكتور محمد مرسي مرشحا للرئاسة في مصر بعد شعورهم بتفضيل الأميركيين له على أساس قناعتهم بأن «الإخوان» يشكلون القوة المنظمة الرئيسية في هذا البلد العربي وفي دول عربية وإسلامية أخرى كثيرة!!
ويقيناً، وهذا يجب أن يقال، إنه لو لم يتحرك الجيش المصري، المعروف بوطنيته ومكانته التي تحظى بالتقدير والاحترام من قبل المصريين كلهم، في اللحظة المناسبة واختيار هذا الرجل المؤهل لقيادة هذا البلد العظيم عبد الفتاح السيسي لكانت الأمور في مصر وفي دول عربية أخر غير ما هي عليه الآن، ولكان «الإخوان» يسرحون ويمرحون في هذه المنطقة كلها ويفعلون فيها ما فعلوه بمنظمة التحرير والسلطة الوطنية و«فتح» بفصل غزة عن الضفة الغربية وتحويل «القطاع» إلى دويلة ملحقة بدورها بالولي الفقيه الذي لم يتردد قائد «حماس» بتقبيل يده، وباستمتاع طفوليٍّ، مثنى وثلاث ورباع!!
ثم إن المعروف أيضاً أن المملكة العربية السعودية كانت قد احتضنت «إخوان» مصر و«إخوان» سوريا أيضاً، عندما ضاقت عليهم أرض وطنَيهم بما رحبت، لكنهم - وكالعادة - قد بادروا إلى عض اليد التي امتدت إليهم بالمساندة والإحسان بالسعي لإنشاء بؤر سرية من مواطنين سعوديين استطاعوا أن يغرروا بهم ويحرضوهم ضد مسيرة بلدهم، وضد نظام لم يبخل لا عليهم ولا على غيرهم، حيث - خلافاً لما فعلوه وكانوا يريدونه - قد ازداد هذا البلد تماسكاً، وأصبح في طليعة البلدان المتقدمة في جميع المجالات، وهذا بات معروفاً ومؤكداً ولا نقاش فيه.
وما حصل مع المملكة العربية السعودية قد حصل أيضاً مع الأردن، ولكن بأسلوب مختلف إذ إن هؤلاء، أي «الإخوان»، قد تنكروا لوضعهم في المواقع الرئيسية في هذا البلد، إن بعد عام 1956 وإن بعد ما جرى من أحداث في عام 1970، لكنهم وبمجرد شعورهم، في ذروة ما سمي «الربيع العربي»، بأن «إخوانهم» في مصر قد أصبح الحكم بأيديهم وأن الدولة المصرية كلها قد أصبحت لهم، فإنهم قد بادروا إلى النزول إلى ساحة المسجد الحسيني في عمان كما كان نزل إخوانهم المصريون إلى ميدان التحرير؛ ولذلك فقد كان لا بد من «تحجيمهم» ولا بد من اعتبارهم تنظيماً إرهابيا وإيجاد بديل لهم من بينهم ومن بعض قادتهم وأعضائهم الذين ما عادوا قادرين على البقاء لا في صفوفهم ولا في مواقعهم القيادية.
لكن ورغم هذا كله فقد أصبح «التنظيم العالمي» الإخواني يشعر بالاقتراب من تحقيق أهدافه التاريخية كلها، بعد أن أصبحت تركيا وعلى رأسها رجب طيب إردوغان معه، وأصبح، أي هذا التنظيم، يمتلك «قطر» بثرواتها وبشيخها المُستعار يوسف القرضاوي وبات يتحالف مع إيران الخامنئية، ويقترب من السيطرة على ليبيا وعلى الوضع الفلسطيني كله... ولكن ومع ذلك فإنَّ «الإخوان» بتاريخهم المعروف حيث بقوا ودائماً وأبداً يغدرون بحلفائهم، سيكررون هذا بالتأكيد مرة أخرى، وإن الرئيس التركي سيجد نفسه في مواجهة معهم وهذا سيحصل مع المسؤولين القطريين ومع الإيرانيين الذين هم «أهل تقية» بالأساس والذين لديهم ما يسمى العلاقات المبدئية الدائمة، وما يسمى العلاقات النفعية الطارئة التي هي كهذه التي أقاموها مؤخراً مع من يختلفون معهم عقائديّاً ويعتبرونهم أتباعاً لـ«الشيطان الأكبر» الذي هو الولايات المتحدة كما يشيرون.