أزراج عمر يكتب:

الجزائر: الجبهة الموحدة الغائبة في المنافسة على الرئاسيات

يبدو واضحا أن الانتخابات الرئاسية الجزائرية، التي ستجري في الأسبوع الأول من شهر أبريل القادم، قد حسمت لصالح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة أو للشخصية التي سيتبنّاها هو شخصيا في حالة عدوله عن الترشح. ولا ينبغي الاستسلام للتكهنات الغيبية أو للقراءات السطحية للواقع المعقّد للحياة السياسية الجزائرية منذ تولّي عبدالعزيز بوتفليقة منصب رئيس الجمهورية، ومنذ ترتيب ما يسمّى بالمصالحة الوطنية ووقف الدماء في البلاد.

لا شك أن الإشارة الأولى الواضحة على بقاء رجال النظام الحالي في السلطة في المستقبل المنظور تتمثّل في التجديد لعبدالقادر بن صالح كرجل ثان في الواجهة السياسية والتشريعية للنظام وذلك على رأس مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان الجزائري). أما الإشارة الثانية فتتلخص في التصريح الذي أدلى به خلال هذا الأسبوع عمار غول، رئيس حزب تجمع أمل الجزائر، حيث أكد أن بوتفليقة هو مرشح حزبه وأحزاب الموالاة الأخرى، وأكثر من ذلك فإن عمار غول قد أبرز أن التحالف الرئاسي لا يزال قائما وأن الأحزاب المكوّنة له، وهي جبهة التحرير الوطني والتجمّع الوطني الديمقراطي والحركة الشعبية، سوف تجتمع قريبا لتدعو الرئيس بوتفليقة إلى الترشح للرئاسيات.

في هذا السياق فإنه ينبغي النظر في الرسالة المشفّرة التي وجهها عبدالقادر بن صالح فور الإعلان الرسمي لتجديد الرئيس بوتفليقة للثقة فيه ليواصل زعامة مجلس الأمة لغاية عام 2021، حيث قال إن وجود المعارضة أمر مريح له ولأن الرأي المخالف يمثّل ظاهرة صحية في الساحة السياسية الجزائرية، ويعني عبدالقادر بن صالح في العمق أنّ وجود معارضة مفكّكة ومعزولة ومتخلفة فكريّا، وليس لها عمق شعبي حقيقي يمكن أن يكون لها بمثابة رأسمال رمزي محرك للجماهير في مشهد الحياة السياسية الوطنية، هو المطلوب من طرف النظام الحاكم الذي استطاع في سعيه إلى ردم آثار العشرية الدموية أن يلفّق تعددية حزبية شكلية لها حدود مرسومة لا يسمح لها أن تصبح قوة سياسية مؤسسة على العقيدة الفكرية المتطوّرة، ولها برنامج وطني بديل وقادر أن يدخل الجزائر في عصر الحداثة والعصرنة. وهناك عامل آخر سيستخدمه النظام الجزائري لصالحه قريبا وهو ما سيتمخّض عن تعيين رئيس جديد للمجلس الدستوري بعد وفاة رئيسه السابق مراد مدلسي الذي كان حضوره طوال حياته في الحياة السياسية شاحبا.

لا شك أنّ النظام الجزائري يشعر الآن بالغبطة وبالراحة جرّاء كثرة الترشيحات التي بدأت تنهال على وزارة الداخلية حيث تتجاوز المئة مما يعني أن “كثرة الحافر” لا تولّدُ إلا الغبار الذي يزُول بسرعة كما يقول المثل الجزائري. إن تخمة ظاهرة الترشح لا تعني مطلقا أنّ مساحة الديمقراطية التعددية مزدهرة في الجزائر، بقدر ما تعني استفحال مرض الفردية المصابة بعصاب النرجسية التي أصحبت سمة ثقافية جزائرية أساسية تخترق المجتمع برمّته عموديا وأفقيا.

يبدو بارزا للعيان أنّ فتح الترشح لكل من هبّ ودبّ يصبّ في المجرى الذي يريده النظام في الجزائر، وهو يدرك أن هؤلاء الذين نزلوا بالمظلات على أرضية المنافسة الرئاسية ليس لهم أيّ تأثير حاسم على موازين القوى السياسية، لأنهم لا يتمتعون بأيّ تاريخ نضالي سياسي ريادي أو ثقافي راديكالي أو عسكري قيادي ضمن صفوف حركة التحرر الوطني، وجرّاء ذلك فهم لن يغيّروا البوصلة التي توجد في قبضة السلطة الحاكمة على مستوى الرئاسة والجيش والمخابرات ومؤسسات الدولة المختلفة، بما في ذلك مؤسسات وهيئات وتنظيمات المجتمع المدني الذي تتحكم فيه الحكومة وأحزاب الموالاة.

وفي الواقع فإن الرئيس بوتفليقة وجماعته قد مهّدوا معا ومنذ زمان بعيد لربح حربي المواقع والمناورة، ولقد تم تتويج كل ذلك بتكريس الهيمنة السياسية والمادية في الجزائر، ومما يؤسف له أن المعارضة الجزائرية كانت، ولا تزال، أسيرة لثقافة ردود الفعل الباهتة من جهة، ولتناقضاتها الصبيانية التي بعثرتها في مهبّ الرياح من جهة أخرى.

فالنظام الجزائري قد لعب جيّدا في الحلبة الوطنية حيث تمكّن من استيعاب ومن ثمّ تجريد المعارضة الحقيقية من أسلحتها، ألا وهي المنطقة الأمازيغية التي كانت في الماضي القريب تمثّل القوة الحقيقية لأنها تحمل قضية الهوية اللغوية والثقافية وتدافع عنها وتعتبرها محرّكها التاريخي والروحي، ولذلك قام النظام الجزائري بطيّ ملف هذه القضية معترفا باللغة الأمازيغية كلغة وطنية أولا، ثم كلغة رسمية ثانيا، وبذلك أدخل المنطقة الأمازيغية وحرّاسها السياسيين التقليديين إلى بيت الطاعة بشكل نهائي. وفضلا عن ذلك فقد قام بشراء ذمم مجموعة من أولئك الذين كانوا يقدّمون أنفسهم كرموز لهذه المنطقة عن طريق إسكات أصواتهم بتعيين بعضهم كوزراء وبعضهم الآخر كأعضاء في مجلس الأمة، أو في الغرفة السفلى من البرلمان وفي مناصب حساسة أخرى في أجهزة الإدارة والسلك الدبلوماسي.

أما على مستوى المجتمع فإنّ النظام الجزائري بقيادة الرئيس بوتفليقة قد نفّذ مجموعة من الإجراءات التي مكّنته من تجديد حيويته، مثل تسريع وتيرة القضاء جزئيا على أزمة السكن في الأرياف بواسطة توزيع منح بناء السكنات الريفية، وفي المدن بواسطة إنجاز الآلاف من العمارات ثم توزيع سكناتها على العائلات التي طالما هددت بتحويل أزمة السكن إلى عصيان مدني.

 وإلى جانب كل هذا فقد تمكّن الرئيس بوتفليقة من استقطاب قاعدة الشبان بواسطة تنفيذ برنامج تشغيلهم في إطار آلية الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب، حيث تم توزيع مليارات الدينارات عليهم، ويوجد هؤلاء الآن في وضعية المدينين للحكومة ويمكن أن يعلن الرئيس بوتفليقة عن تنازل الدولة عن هذه الديون، وبذلك يضمن أصوات ملايين الشبان والشابات في الانتخابات الرئاسية القادمة.