سمير عطا الله يكتب:
إدارة الفقر
يقول الدكتور عبد المنعم سعيد، أحد مفكري جيل 23 يوليو، إن سلسلة من الخطوات «جعلت سياسات الدولة كلها تقوم على إدارة الفقر، بدلاً من إدارة الثروة». ويعلن نيكولاس مادورو أن أعداءه يريدون تدمير الثورة التي ورثها عن المقدم هوغو شافيز. ويكمن في كلام الدكتور سعيد سر المأساة البشرية، وهو أن الفقراء لا يعرفون كيف يديرون شؤونهم. وفي مقال سابق عن الموضوع، أشرت إلى أن الرئيس مادورو كان سائق حافلة. وإنني أعتذر، مع أنني لم أقصد الإهانة أو الإساءة. فالرئيس لولا دا سيلفا، الذي صنع ازدهار البرازيل ونهضتها، كان عاملاً بسيطاً جداً. لكن لولا أدار ثروات بلده بأساليب أغنيائها، كما أدارت الصين الشيوعية نهضتها الأسطورية الخيالية بالنهج الرأسمالي. وأنا لا أشك في أن الرئيس الصيني يقرأ كتاب «رأس المال» لكارل ماركس كل ليلة قبل النوم، فهو قراءة أدبية ممتعة تحرك المشاعر، لكنه كنظام معيشي أخفق عند أرقى الشعوب، كالألمان والروس، وتحول إلى مقررات أدبية في جامعات أميركا وأوروبا.
إدارة الفقر لا تحل مشاكل الفقراء. وليس هناك ما هو أقسى من الفقر وأشد لؤماً. ولكن المؤسف في هذه الدنيا أن النظام الحر هو الذي أثبت جدواه، رغم كل معايبه، تماماً مثل الديمقراطية.
تأثر هوغو شافيز بفيدل كاسترو، وتأثر مادورو به. وكانت فنزويلا قبل شافيز بلداً فاسداً، ولا يؤمّن العدالة وحقوق البسطاء، لكن فقراءها لم يكونوا يقتاتون الحشرات، ولم يزحفوا عبر الحدود من أجل وجبة طعام.
كوبا تعيش أيامها الأخيرة مع الكاستروية. صمدت في وجه أميركا وحصارها نصف قرن. والآن، تستقبل شركات الفنادق. 800 مليون صيني، و500 مليون هندي، طلعوا من الفقر إلى الكفاية بموجب هذا النظام الذي يكرهه الجميع بسبب فظاظته وواقعيته وخلوه من الرحمة. لكنه أيضاً النظام الذي حرر المعوزين والمدقعين. أرصفة أميركا وأوروبا مليئة بالمشردين والبؤساء، لكن لديهم غطاء وخبز ودواء.
الدول التي تنحدر إلى ما دون خط الفقر، وأدنى أدنى الكرامة البشرية، يجب أن تقيل نفسها ضناً بشعوبها. السنيور مادورو على حق كامل في استنكار التدخل الأميركي والأوروبي. فبأي حق يسحبون الاعتراف به؟ تلك هي العادات الاستعمارية القديمة.
لكن من أجل الشعب الفنزويلي، كان الأحرى به أن يودع الناس ويذهب إلى بيته، أو إلى هافانا. ويتأمل من هناك كيفية الخروج من إحدى أبشع مآسي الشعوب.