أزراج عمر يكتب:

بتأمين وصول المساعدات الإنسانية

من الواضح أن التطور في الشكل الموسيقي في الشعر العربي المعاصر، الذي لاحظه منذ عقود الدارس اللبناني منح خوري، ليس معزولا عن تطور منطلق من نزعة شعرية عربية تراثية تتميز بتلقيح التجربة الفنية والحياتية، التي يعكسها أو ينسجها الشاعر أو الأديب في عمله الأدبي أو الشعري بالأفكار والتأملات في الحياة نفسها ومصير الإنسان في التاريخ والكون، وعلى هذا الأساس نجد في التراث الشعري العربي القديم غنى هذا النوع من التجربة، مثلا، زهير بن أبي سلمى، وطرفة بن العبد وعند أبي العلاء المعري وغيرهم.

والحال فإن علاقة الشعر بالأفكار أو بالفلسفة قد شغلت نقاد الأدب والمفكرين على حد سواء في مختلف المجتمعات في الماضي وفي الحاضر، وينعكس هذا الانشغال في مدونات الشعر والأدباء والنقاد معا. فالشاعر خليل حاوي مثلا في مجموع شعره هو مزيج من الشاعر الحساس والمفكر الذي يؤرقه المصير الحضاري العربي.

كما نجد عند عدد كبير من الشعراء التفعيليين الروّاد عندنا زخما من التأملات في حركة الكون، فهذا جبران في قصيدته المواكب يمزج بين الغناء ودراما القلق من الوجود، ونعثر في بعض قصائد صلاح عبدالصبور، وخاصة في مجموعته “أقول لكم” على التفلسف والحيرة تناظر في الدرجة، وليس في التفاصيل ذلك القلق الذي شعر به إيليا أبوماضي إزاء الوجود والصيرورة باعتبارهما لغزا في قصيدته العمدة “جئت من أين؟” في سياق الرواية نجد نجيب محفوظ في روايته “أولاد حارتنا” ينسج حساسية فلسفية في معمار فني متميز، وهنا ينهض هذا السؤال: هل الأدب فكر أم أنه فن يتضمن فكرا؟

في هذا الخصوص يبرز الناقدان رينيه ويليك وأوستين وارين في كتابهما عن “نظرية الأدب” أنه “يمكن وضع الصلة بين الأدب والأفكار بأشكال متضاربة جدا”، ويريان أنه “غالبا ما ينظر إلى الأدب على أنه شكل من الفلسفة، على أنه أفكار يلفها شكل”، وفي النقاش الدائر حول هذه القضية تدخل ناقد وشاعر إنكليزي قائلا في هذا الخصوص “فالشعر الرفيع يوهمك كله بأنه يتضمن نظرة إلى الحياة”، وأن “ما دقَ من الشعور واتضح، يستوي وحقيقة الفكر عند التعبير، وأن ما نسميه فكرا ليس في الواقع غير شعور واضح”.

وهذا يعني ضمنيا أن الشاعر لا يكتب قوالب منطقية وتشكيلات المفاهيم والقضايا الفكرية ولا يهدف إلى توضيح أو شرح أي شيء كما تقول المفكرة والروائية إيريس مردوخ، وإنما يقوم بتحويل الفكرة فنيا وبواسطة ملكة المخيلة إلى عاطفة ومشاعر، وفي هذا تكمُن التقنية الجديدة عند الشاعر المعاصر وتتجلى أيضا صعوبة وغموض الشعر الحديث.