أزراج عمر يكتب:
الجزائر: المجتمع المدني حصان طروادة
لا يتوقع أن تسفر مساعي رئيس حزب جبهة العدالة والتنمية الجزائري، عبدالله جاب الله، عن إقناع أطياف المعارضة المتشظية، والتي تغلب على أقطابها النرجسية وحب الزعامة، بأن تقدم مرشحا توافقيا يمثلها لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة، وفي ظل هذا الوضع سنرى رؤساء أحزاب المعارضة والمرشحين الأحرار جزرا منعزلة دون أي قاعدة انتخابية موحدة تضمن لهم النجاح في الضغط على النظام وفي جر مرشحها، عبدالعزيز بوتفليقة، إلى الدور الثاني على الأقل.
إلى جانب هذا فإن المناخ العام الذي يشهده الوضع السياسي في الجزائر لا يبشر بالخير جراء الاحتقان لدى الشرائح المقهورة اقتصاديا وهبوب عواصف الانفعالات الحادة وغير العقلانية هنا وهناك، فضلا عن تفاقم اليأس الشعبي الشامل من السياسة والسياسيين.
ويلاحظ أن الكثير من الجزائريين الذين يعكفون يوميا في وسائل التواصل الاجتماعي يرفضون العهدة الخامسة رفضا قاطعا، أما سكان المنطقة الأمازيغية، خاصة في مدينة تيزي وزو عاصمة القبائل الكبرى، فهم منقسمون. إذ هناك من يعلن بأنه ضد مرشح النظام، وهناك من قال بأنه يهيئ نفسه لمقاطعة الانتخابات الرئاسية، وهناك من لم يحسم أمره حتى الآن، ولكن هناك شبه إجماع عند هؤلاء يتلخص في أن الجزائر تشهد فراغا سياسيا ليس له مثيل في الماضي.
يبدو واضحا الآن أن ترشح أكثر من 200 شخص لمنصب رئيس الجمهورية أمر ينبئ بغياب المعايير السياسية والأخلاقية في البلاد، كما أن اكتظاظ الترشحات بالوجوه المكررة التي تعودت ألا تترك مناسبة إلا ورقصت فيها رقصتها أمر يؤكد أن الجزائر لم تتطور سياسيا واجتماعيا وثقافيا، وبالعكس فإن سنوات الاستقلال قد ضاعت هدرا حيث لم يتأسس خلالها أي تحول نوعي إيجابي يمكن أن يعول عليه حقا للوصول بالانتخابات الرئاسية المقبلة إلى بر الأمان.
في هذا المناخ يتوقع الكثير من المراقبين أن المشهد الذي ستتوج به التحضيرات الجارية لهذه الانتخابات الرئاسية قد تحدث فيه انزلاقات خطيرة يخشى أن تعيد إنتاج شكل ما من الفوضى التي ستفجر الصراع الدموي على السلطة مجددا وتدريجيا.
النظام الحاكم في الجزائر يحاول أن يظهر بمظهر المستوعب للتناقضات والمسير للأزمة، والدليل أنه ترك المجال مفتوحا لكل من يرغب في الترشح للرئاسيات، ولكن هذه المرحلة ستنتهي عندما يشرع المجلس الدستوري في تنفيذ غربلة المترشحين وفي إقصاء من لا تتوفر فيهم مقاييس “سرير بروكوست” المعد سلفا، حيث ينتظر أن تطيح هذه المرحلة بعدد من الأسماء التي تعتبر نفسها قطب رحى الانتخابات الرئاسية الجزائرية، ولا شك أنه قد تحدث نتيجة لذلك شروخ وتصدعات تفاجئ الناس.
حتى هذه اللحظات فإن التناقض الذي بدأ يبرز إلى السطح هو بين جزء مهم من المجتمع المدني، وهو اتحاد الطلاب الجزائريين الذي يعد قوة انتخابية حقيقية، وبين المعارضة الجزائرية، بعد أن استقطب عبدالمالك سلال، رئيس وزراء الجزائر سابقا ومدير الحملة الانتخابية لبوتفليقة الاتحاد الطلابي إلى صف النظام.
من المعروف أن مدير حملة الرئيس بوتفليقة لا يلعب النرد بالمجان، فقد قام فعلا باستقطاب اتحاد الطلاب الجزائريين الذي ليس تنظيما بسيطا بل إن تعداد الطلاب الجامعيين الذين يخضعون له يقدر بمليون و700 ألف طالب وطالبة. ويبدو أن اللعبة الناعمة التي يمارسها سلال تتمثل في سعيه بهدوء إلى استقطاب طلاب المعاهد التكنولوجية ومعاهد التكوين المهني، فضلا عن طلاب الثانويات المؤهلين لممارسة حق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية القادمة. والهيئات والتنظيمات والجمعيات المختلفة.
في هذا السياق ينبغي التذكير بأن هناك تحركا مخططا له من طرف النظام وسينفذ بواسطة أحزاب الموالاة والإدارة في المحافظات، ومن طرف مدير حملة بوتفليقة، يستهدف تحقيق الهيمنة على الوعاء الانتخابي الذي ستوفره الاتحادات المهنية والثقافية والمنظمات الكبرى.
ويعني هذا تجريد المعارضة من أغلبية أصوات الملايين من المواطنين المهيكلين في هذه التنظيمات والهيئات والاتحادات التي تضم مجتمعة ما لا يقل عن نسبة 60 بالمئة من الوعاء الانتخابي في الجزائر، مع العلم أن هذه التشكيلات ما فتئت تخضع منذ سنوات طويلة لوصاية النظام تنظيميا وماليا. وهكذا يبدو أمامنا سيناريو النظام الجزائري المعد للانتخابات الرئاسية القادمة وهو الحصول على أغلبية أصوات المجتمع المدني وعندئذ يعلن أمام الرأي العام الوطني والدولي أن الانتخابات جرت في مناخ التعددية والمنافسة.