أزراج عمر يكتب:
المظاهرات الشعبية رد على أزمة المعارضة الجزائرية
المظاهرات الشعبية الساخطة التي تشهدها الجزائر ضد ترشح الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة للعهدة الخامسة تظهر جليا أن البلاد تفتقد إلى عنصرين أساسيين وهما النظام السياسي الحاكم النابع من القاعدة الجماهيرية، والمعارضة المؤسسة على الثقافة التعددية والديمقراطية وذات العمق الراسخ في الجزائر العميقة.
ومن الواضح أن فقدان المجتمع الجزائري لهذين العنصرين هو الذي أدخل البلاد في الأزمة المزدوجة النمطية التي نتج عنها فراغ سياسي هائل في المشهد السياسي منذ الاستقلال وليس منذ انفجار العشرية الدموية كما يتوهم الكثير من السياسيين الجزائريين، ويبدو أنه من الصعب سد هذا الفراغ في الوقت الراهن.
وفي الواقع فإن ظاهرة الانسحاب الشامل لمرشحي أحزاب المعارضة مباشرة بعد إعلان الرئيس بوتفليقة ترشحه للعهدة الخامسة تؤكد مجموعة من الحقائق، في مقدمتها عدم تمكن المعارضة الحزبية من بناء قاعدتها الجماهيرية على مدى أكثر من عشرين سنة من العمل الحزبي الغارق في التقليدية، فضلا عن تورطها في إنتاج وإعادة إنتاج الممارسة الدكتاتورية التي تعيبها بشكل عام على رموز النظام الجزائري الغارقين في ثقافة الأحادية، وتعيبها بشكل خاص على الرئيس بوتفليقة المتعطش للحكم والمتشبث به دون مبرر رغم فقدانه للأهلية الصحية التي تمكنه من القيام بأي نشاط سياسي ميداني داخل الوطن وخارجه منذ إصابته بالمرض المزمن.
إن انسداد الوضع السياسي الجزائري هو نتاج لعجز أحزاب المعارضة على إفراز وتكوين قيادات شابة ذات علاقة عضوية بالشعب الجزائري ولاحتكار زعماء الأحزاب المعارضة رئاسة هذه الأحزاب، علما أن هذا السلوك يتنافى مع مطلب تداول الحكم ويكرس في آن واحد نزعة إقصاء الشباب من المناصب القيادية.
إلى جانب هذا فإن أحزاب المعارضة فشلت فشلا ذريعا في ابتكار برامج تمكن الجزائر من تجاوز تخلفها البنيوي ومن حل المشكلات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية النمطية. منذ عدة شهور حاولت المعارضة الجزائرية أن تتجاوز تشرذمها ولكن “أرضية مازفران” التي اتفقت عليها تبخرت بسرعة، مما أدى بها إلى عدم وضع برنامج “توافقي بالتنسيق بين المعارضة السياسية والمجتمع المدني والنقابات المستقلة والجمعيات والشخصيات” كما كان منتظرا، وهو الأمر الذي أفشل أيضا تعيين مرشح موحد للانتخابات الرئاسية وفق طرق ديمقراطية.
المعارضة الجزائرية تفتقد إلى العمل وفق رؤية سياسية واضحة من أجل إنجاز إصلاحات جوهرية تؤدي إلى إعادة النظر في القوانين المتعلقة بالجمعيات والأحزاب. لا شك أن أغلب تحركات المعارضة تتميز بالرومانسية المغرقة في الطرح السياسي العاطفي، وقد أدى هذا إلى عدم تحقيق وحدة المعارضة الجزائرية التي تنسفها باستمرار الخلافات الشكلية والطموحات الفردية لزعمائها.
في هذا السياق يلاحظ أن قدرة النظام الحاكم على فرض السيطرة على المشهد السياسي ناتجة عن ابتعاد المعارضة عن رأسمالها السياسي المتمثل في القوى الوطنية وخصوصا المجتمع المدني الذي تُرك وحيدا حيث لم ينظم إلى يومنا هذا لكي يحوّلَ إلى قاعدة صلبة مستقلة عن النظام الحاكم. وهكذا بقيت أحزاب المعارضة جزرا مشتتة تنظيميا ومفرغة عقائديا وخارج إطار شعبي منظم مما شل لديها القدرة على التأثير والاستقطاب، وتبين تحليلات المراقبين السياسيين أن المعارضة الجزائرية، سواء كانت أحزابا أو شخصيات مدنية مستقلة، تفتقد إلى الفكر السياسي الواقعي والتنويري الذي يمكن من بناء علاقة الترابط المصيري مع المجتمع المدني، ويعود السبب في ذلك إلى كونها تتصرف بذهنية تعيد إنتاج نموذج النظام الحاكم وسلوكه الفوقي المعزول عن القاعدة الشعبية في الغالب، وإلى عدم ابتكار تصور منطقي للحل الجذري لمشكلة محورية تتمثل في غياب تشكيل برنامج تنموي وطني عصري والدفاع عنه والسهر على تنفيذه في الجزائر.
من الواضح أن النظام الجزائري يستغل ضعف أحزاب المعارضة المجهرية، والروابط والجمعيات والنقابات التي تدور في فلكه أو تقوم بالوكالة بتطبيق سياساته. فالتجارب المتراكمة علمتنا أن هذا النظام نجح في تفكيك التيارات الإسلامية إلى فصائل، كما غيب الأحزاب والشخصيات اليسارية، وشجع على تشكل الأحزاب ذات الطابع الجهوي الإثني. على هذا الأساس نجد النظام الجزائري الحاكم يعامل، مثلا، أطياف المعارضة الجزائرية المفككة والمشتتة كجزء من البنية الكلية للأزمة التي يديرها، وما فتئ يحول دونها ودون تحولها إلى قوة سياسية ذات مصداقية لها امتداد في الفضاء الشعبي.