أزراج عمر يكتب:

بؤس حال الكتاب الجزائري

إذا استثنيا فترة حكم الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين جزئيا، فإن الجزائر لم تشهد أي اهتمام حقيقي بتكنولوجيا صناعة وتوزيع الكتاب الذي ينتج من طرف المؤلفين الجزائريين، وذلك جراء سيادة ذهنية تحقير السلطات الجزائرية المتعاقبة على الحكم لمنتجي مختلف أشكال التعبير الثقافي والفكري والفني.

ولا شكَ أن إهمال الكتاب وصناعته قد لعب دورا أساسيا في توزيع الفقر الثقافي عبر محافظات الوطن وفي تعميم الجهل في البلاد بما في ذلك الأوساط الجامعية التي كان من المفترض أن تكون محرك الحياة الثقافية والفكرية والعلمية والمهنية في المجتمع الجزائري.

في ثمانينات القرن الماضي انتبهت لجنة الثقافة والتكوين والتربية باللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني إلى خطورة الفراغ الثقافي الذي كرّسه غياب الكتاب العلمي والفكري والمهني والفني المتطور في الحياة الجزائرية، فشكلت فريقا من الخبراء لإعداد ملف خاص بالسياسة الثقافية وكانت صناعة الكتاب جزءا من هذا الملف، ولكن هذا الأخير دفن في الأرشيف بمجرد مصادقة المكتب السياسي لهذا الحزب عليه.

وفي الحقيقة فإن ذلك الملف قد ركّز على الشكل الخارجي لصناعة الكتاب، وأهمل معالجة المشكلات الحادة التي يعاني منها منتجو الثقافة والذين يعتبرون عصب الحياة الثقافية والفكرية والفنية في البلاد، وبسبب ذلك بقي المؤلفون مهضومي الحقوق ماديا ومهمّشين معنويا، مما أدى ولا يزال يؤدي إلى يومنا هذا إلى إفراز سلسلة من العقبات الكبرى التي اعترضت في الماضي، وتعترض راهنا، سبيل ترقية الكتاب الجزائري وتسويقه في داخل وخارج الوطن، وفي المقدمة ثلاث عقبات أساسية تتلخص الأولى في سيطرة الجهات البيروقراطية الرسمية على شبكات توزيع الكتاب المحلي والمستورد.

أما العقبة الثانية فتتمثل في قانون الدولة الجائر الخاص بحقوق المؤلف والذي سلّط على رقاب المؤلفين حيث صارت نسبة 60 بالمئة من عائدات الكتاب تذهب لفائدة المطابع، سواء كانت تابعة للدولة أو للقطاع الخاص، ونسبة 40 بالمئة يبلعها الناشرون، و10 بالمئة فقط تمنح للمؤلف، يعني هذا أن صاحب الإنتاج، والمفترض أنه عصب الحياة الثقافية والفكرية ومحركها، قد جُرّد نهائيا من حقوقه المادية وحطّم معنويا.

إلى جانب هاتين العقبتين هناك عقبة ثالثة وهي عدم تغذية المشهد الثقافي والفكري الجزائري بأرقى ما وصل إليه العقل البشري في مجالات الثقافة والفكر والفنون بواسطة تفعيل الترجمة الذاتية، والسبب في ذلك يعود إلى عدم تأسيس مراكز وطنية تكون مهمتها ترجمة أرقى المؤلفات المتطورة في مختلف التخصصات العلمية والأدبية والفكرية. والأدهى والأمر هو أن دور الثقافة ومديريات الثقافة التي أنشئت في المحافظات قد تحولت إلى مجرد فضاءات للتنشيط الثقافي البائس.