أزراج عمر يكتب:
اعتقال المؤلفات
منذ أيام قليلة ماضية دار بيني وبين صديقي الأديب التونسي المقيم بفرنسا أبوبكر العيَادي حديث ذو شجون حول ظاهرة إهمال الدارسين والنقاد للمؤلفات التي تلفظها المطابع ببلداننا، وخاصة الحديثة منها، وفي هذا السياق ذكر لي هذا الصديق أن معارض الكتاب العربية تتجاهلنا، وأن الكتب التي تصدر ببلداننا لا نجد عنها أي خبر ولا يتحدث عنها أحد في الصحف والمجلات، وأوضح لي أن له رواية صدرت في عام 2016 ولم يكتب عنها أحد.
وفي الحقيقة فإن ظاهرة إهمال المؤلفات في وسائل الإعلام وفي كتابات الدارسين قد تفاقمت أكثر بعد تسعينات القرن الماضي حتى صار أي كتاب يصدر هنا وهناك يواجه الدفن مباشرة بعد خروجه من المطبعة، وفي الحقيقة فإن هذه الظاهرة لا يعاني منها هذا الكاتب أو ذاك الأديب بل هي عامة وتطال كل الأدباء ومنتجي الثقافة.
فما هو السبب يا ترى؟ علما أن عدد المنابر الإعلامية مثل المجلات الثقافية والصحف اليومية ذات الأقسام الفنية والثقافية في بلداننا قد تضاعف، كما أن عدد خريجي الجامعات المتخصصين في العلوم الإنسانية وفي حقل النقد الفني والأدبي قد أصبح يعد بالملايين وليس بالآلاف كما في الماضي البعيد.
القضية في تقديري ترتبط بالنظرة المتدنية إلى الأدب وإلى الأدباء ومنتجي الثقافة بصفة عامة، وفضلا عن هذا هناك ذيول متعددة أخرى يمكن رصدها في عدة مظاهر منها ندرة نقاد الأدب الجادين بعد سكوت أو رحيل جيل النقاد والدارسين الرواد، وتحوَل معارض الكتاب في العالم العربي إلى فولكلوريات تجارية تتحكم فيها الصداقات والعلاقات العامة بدل الإبداع والقيمة الفكرية المضافة. كما أن إطارات التدريس ذات التكوين الضعيف عندنا ما فتئت تلعب دورا محوريا في الحيلولة دون بروز الحساسية النقدية والتذوق الفني الرفيع العام في مجتمعاتنا.
إنه لا ينبغي استثناء مؤثر آخر وهو أن إسناد الأقسام الثقافية والفنية في الصحف اليومية والمجلات إلى أشخاص لم يتلقوا تكوينا ثقافيا وأدبيا ونقديا متخصصا وعميقا أمر ساهم ولا يزال يساهم في طمس المؤلفات الصادرة وفي عدم عرضها وتقديمها تقديما لائقا للقراء من أجل تقريبها منهم، ولخلق ما يسمى بالعلاقة الإبداعية بين المؤلف والقارئ.
والجدير بالذكر هنا هو أن توزيع الكتاب في بلداننا قد تحوَل إلى مأساة كبرى حيث أن الكتاب الذي يطبع، مثلا، في العراق أو ليبيا أو في الجزائر راهنا، فإنه لا يوزع وطنيا كما لا يخترق الحدود ليصل إلى القراء والنقاد في الفضائين المغاربي والمشرقي العربي، إلا نادرا جدا، وهذا واحد من العوامل الأساسية التي تحول دون صنع القارئ النوعي الذي يمكن أن يصبح ضمنيا دارسا أو ناقدا.