صلاح السقلدي يكت:
يظل القلم سلاحنا بوجه هؤلاء
يقول البعض - ومعه حقٌ في ذلك إلى حدٍ ما - بأنّ الكتابة اليوم قد صارت مِن الهوان والسلبية ومِن عدم الجدوى والفائدة منها إلى درجة الخذلان والتواطؤ، ومهنة مَنْ لا مهنة لهُ، ومصدر رزق سريع الكسب لقطاع واسع من الكُتاب، ولم تعد كما كانت مهنة المتاعب، ورحلة بين الشظية والشظية، وتأتي بنتيجة معاكسة لتطلعات البسطاء والمسحوقين الذين كانوا - وما زالوا - يعقدون آمالهم على دور أصحاب الأقلام الحُرّة في كل وسائل الإعلام بما فيها المنصات المعاصرة “السوشيال ميديا” لتسهّـل عُـسرهم وتجبِر كُسرهم.
بل ويذهب البعض إلى القول بأن الكتابة اليوم باتت أداة تخدير في أجسادِ الضحايا وعوام الناس ولم تعد كلماتها كما كانت نوراً بدرب المظلوم وناراً بطريق الظُلم والظَالم بعد أن سلَبَتْ هؤلاء الضحايا القدرة على الفعل وصارت تطفئ فورة غضبهم - المشروعة - بوجه من يسرق قوتهم ويتعدى على حقوقهم ويسترخص أرواحهم ودماءهم ويهدد مستقبل أجيالهم، وأنها بدلاً من ذلك صارت تلهيهم عن واقعهم، كون الكتابة - بحسب هؤلاء - لم تعد تنتصر للوطن ولا لهؤلاء الضحايا، بعد أن تحولت من “سلطة رابعة” إلى “سلطة تابعة” تخلّتْ عن مهمتها ومهنتها الرقابية المتمثلة بالتصدي لكل فاسد وعابث وانتهازي باستثناء ثرثرات عابرة على شاشات الهواتف والحواسيب الغارقة في غوغائية وغواية مواقع التواصل الاجتماعي وعلى صدور صفحات الصحف، وأن قوى الفساد ومراكز النفوذ تشجّع مثل هكذا وسائل معارضة رخوة عبر منابر منفلتة ممسوخة لتشوّش عبرها الواقع وتعتسف من خلالها الحقائق والحقوق، وعبر الكتابات الورقية المهادنة والمداهنة والمواقع الإلكترونية التي أضحت ساحة تكسّب واسترزاق، وأصبحت مهمتها التربِـيت على أكتاف الفاسدين والفوضويين وسماسرة الأوطان وترقص على مزاميرهم.
نقول إن في هذا القول شيء من الصحة وأن لهذا التذمر من الحال الذي وصل إليه بعض الكُتّاب و“الكتبة” ما يبرره بعد أن اختلطَ حابلُ الصدق بنابلِ الكذبِ والتشويش، وبعد أن تداخلَ الخيط ُالأبيض للحقائق وأمانة الكلمة وشرفها وَمهَنيتها بالخيطِ الأسود للمصلحة الذاتية الأنانية والتكسب المالي والمادي الرخيص. ولكن وبرغم كل ذلك ورغم قتامة وضع الحال يظل الحبر هو السلاح الأمضى للمجابهة والتعبير عن الرفض، وتظل الكلمة هي الوسيلة الفاعلة التي تهـز أركان الفوضويين والمستهترين بأوجاع الناس وأرواحهم والمتاجرين بقضاياهم وتدك عروشهم، وهي الأداة المُثلى لمجابهة هذا العبث ولتفادي الانزلاق إلى سحيق الهاوية.. فقد جربنا كل أسلحة المقاومة وكل أدوات الاعتراض وكل وسائل التعبير عن عدم الرضاء والاحتجاج بما فيها سلاح البندقية، وكانت النتيجة - في أغلبها - سلبية، ومدمرة للغاية ومجلبة للضياع والأسى.
لا ذنب للعنب بما يفعله الخمرُ.. فعطفاً على ما تقدّم، سنظل نعتقد بأن سلاح الكلمة -برغم ما يعتريه من صدأ وشوائب، وبرغم محاولات التشويه بطُهر الحِبر ونقاء اليراع- هو السلاح الأرقى والأنقى قياسا بغيره، وهو الممكن المتمكن، فاللصوص والفاسدون والفوضويون يشعرون بكل حرف وكأنه رصاصة تخرقُ ترسهم، وكل كلمة هي قذيفة تدك متراسهم، حتى وأن تظاهروا بعكس هذا، وتصنعوا حالة عدم الاكتراث، فإن “لهم قلوبٌ مِن الأطفال تنهزمُ”!