صلاح السقلدي يكتب:
لهذه الأسباب يسعى هؤلاء الى بث الروح من جديد بالبرلمان اليمني
السلطة اليمنية المعروفة بالشرعية ظلت غير مكترثة أبداً بمجلس النواب اليمني طيلة فترة الحرب أو تسعى بجد لعقد جلسة لأعضائها ــ إذا استثنينا استخدامها له إعلاميا بعبعا بوجه القوى الجنوبية بين الحين والآخر ــ مع أن بوسعها كان تجمع بعض أعضاءه في أي مكان يناسبها - ولو في الرياض - أو في مأرب كما تفعل اليوم في سيئون، ولكنها لم تفعل- ولم تحاول- برغم حاجتها له لتأخذ منه شرعية إجراءات غاية بالأهمية الدستورية تخصها مثل: نيل ثقة الحكومتين: حكومة بن دغر ومعين عبدالملك" والموافقة البرلمانية الضرورية التي من المفترض أن تحوز بموجبها الحكومية على شرعيتها وشرعية ميزانيتها السنوية- فقد ظلت دون ميزانية معلومة حتى نهاية 2018م-, ولكن هذا لم يتم أبداً واستمرت الحكومتان والميزانية دون سند دستوري, فقد اعتمدت الشرعية حكومتين وميزانية خلافاً للدستور والقوانين متذرعة بأنها لا تستطيع لمّ شمل البرلمان- وهو العذر الذي أتثبت اليوم بنفسها زيفه.
...والأخطر من هذا أن الشرعية قد تغاضت عمداً- لحاجة في نفسها - عن مسألة مهمة للغاية تخص شرعية ودستورية هذا المجلس نفسه، فهذا المجلس الذي كان من المفترض أن ينتهي 2009م وتم تمديد له عامين بتوافق كتله عامين آخرين أي الى عام 2011م ولم يتم التمديد له بعد ذلك التاريخ، ومع ذلك لم تسع الى للوقوف أمام هذه المسألة المصيرية أبداً، الى أن دعت اليوم المصلحة السعودية لعقده مستغلة الإعلان الصادر في صنعاء من الحوثيين بتوجههم صوب انتخابات برلمانية للدوائر الشاغرة ,وهو الاعلان الذي عجّـــل من لدى الشرعية والسعودية التوجه صوب سيئون حضرموت.
إذاً فطالما أن الشرعية طيلة هذه الفترة لم تطلب من أعضاء المجلس عقد جلسة له في أي مكان ليقف فيها أما أهم مسألة تخصه وهي مسألة التمديد له وليعيد بث الروح الدستورية في جسده بتوافق كتله البرلمانية كما تم عام 2009م وليستعيد بهكذا جلسة مبرر وجوده, وطالما أن هذه الشرعية قد استغنت عن هذا المجلس في أمور خطيرة أخرى كالموافقة الدستورية والقانونية للحكوميتين ولميزانيتهما كما أوردنا ذلك سلفاً، نقول أنه طالما وهذه الشرعية لم تلتفت لهذا المجلس في أهم وأخطر هذه الأمور فأن إصرارها اليوم على عقده بهذه العجالة وبهذا المستوى من الحشد المالي والعسكري والإعلامي وبهذه المخاطرة والتحدي الذي تواجه فيه الإرادة الجنوبية بشكل خطير سيكون قطعا لأغراض محلية وإقليمية مريبة لن يكون الجنوب بمنأىٍ عن تداعياتها وشررها، نعتقد أن من بينها:
أولاً: سعى المملكة السعودية الى جعل المجلس منصة سياسية دستورية لترتيبات سياسية ولتمرير صفقات اقتصادية واجراءات أمنية بينها وبين السلطات اليمنية- سواء هذه السلطة أو سلطة التسوية القادمة -,وستصب جُــل هذه الاتفاقيات بصالح الرياض وعلى حساب الطرف اليمني -والجنوبي بالذات-.. فالسعودية وهي تشخص ببصرها بقوة داخل اليمن تضع عيناً لها على أمنها وعينا أخرى على أهدافها الاقتصادية ونفوذها الكبير في قادم السنين، ولن يتأتى لها ذلك إلا بشرعنتها قانونيا داخل هذه المؤسسة الدستورية" مجلس النواب" - وما اتفاقية ترسيم الحدود السعودية اليمنية عام 2000م عنا ببعيد- سيما وهذا المجلس ما تزال تجمع على شرعيته ودستوريته كل كتله البرلمانية -على اختلاف توجهاتها-، فالسعودية لم تعد تثق بأتباعها ناهيك عن اعدائها باليمن وهي بالتالي بحاجة لضامن دستوري وشرعي لكل خطواتها, وهذا ما يمكن أن يحققه لها هذا المجلس- العتيق- يتقرب عمره من العقدين من الزمن-.
وفوق ما نعرفه من أهداف اقتصادية تسعى السعودية لكسبها في اليمن كما أشرنا ،فأنها تضع الهاجس الأمني لها ولحدودها الجنوبي في ذات المستوى من الأهمية الاقتصادية إن لم نقل أكثر، فهي وفقا لسيل غزير من التسريبات الإعلامية ستسعى الى فرض حظر على استيراد السلاح الثقيل الى اليمن – أو الرقابة عليه والتحكم به- وفرض منطقة عازلة داخل الأرضي اليمنية تحت مبرر الخطر الحوثي, وغيرها من الإجراءات الأمنية الأخرى. ولأن المملكة لن تستطع أن تفرض طل تطلعاتها من جانب واحد فهي ستجعل الأمر يأتي من أيضاً الطرف اليمني نفسه ولكن بشكل مغلف وغير مباشر، وستضفي عليه بهارات لئلا تبدو العملية مفضوحة.
ثانياً: ستتخذ السعودية من تفعيل هذا المجلس نسخة احتياطية لها تضمن فيها استمرارية الشرعية السياسية اليمنية - التي تستمد منها الرياض شرعية تدخله العسكري باليمن- بعيدا عن الاعتماد الكلي على شرعية الرئيس هادي الذي ترى فيه دوائر سعودية- ناهيك عن الإمارات- أنه أضحى عبئ عليها، فضلا عن تخوفها من أي طارئ قد يتعرض له الرجُــل المثقّل بالأمراض أو في تم الاستغناء عن خدماته خليجياً لكسب شركاء فاعلين جدد بالساحة كالمؤتمر الشعبي العام.. كما ستتخذ السعودية من هذا المجلس غرفة سياسية موسعة استيعاب شركائها الجدد والاستفادة الفعلية منهم نقصد هنا تحديدا حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرفض الانخراط في صف الشرعية ويرفض الاعتراف بشرعية هادي بسبب تداعيات الخلافات العميقة التي ضربت جدار المؤتمر وبسبب شعور قيادات مؤتمرية كثيرة - كسلطان البركاني وجباري- بعدم ثقتها بالرئيس هادي الذي تم فصله من الحزب مطلع عام 2014م. فهو أي الرئيس لم يعد قياديا بالحزب بل لم يعد عضوا عاديا فيه, في وقت أن السعودية بحاجة ماسة لرضا المؤتمر وخطب وده خصوصا وأنه يتمتع بأكبر كتلة بالبرلمان ويصعب تركيع قيادتها التي تحتمي بالجدار الإماراتي,كما أن السعودية والإماراتية بحاجة ماسة لسد الفراغ السياسي والعسكري والجماهير شمالاً لئلا يستأثر بها حزب الإصلاح" إخوان اليمن" بعد أن فشل التحالف بإنشاء قوة سياسية وجماهيرية وعسكرية فاعلة بالشمال تجابه الحركة الحوثية وتقطع الطريق على حزب الإصلاح.
ثالثاً : سيسعى حزب الإصلاح -وقد دشنَ ذلك فعلا- الى توظيف واستغلال هذا الحدث" عقد جلسة بسئيون" توظيفا حزبياً ووحدويا بوجه الجنوب، ولن تمانع السعودية من هكذا توظيف واستغلال إصلاحي، فهي لم تعد تأبه للجنوب كثيراً بعد أن قضت منه وطرها، وامتصت برتقالته حتى الجفاف.!