سمير عطا الله يكتب:

مفكرة القاهرة طرابيش النهضة

دخلت الدكتورة نوال السعداوي مستشفى العيون قبل أسابيع بسبب انهيار في الشبكة. وبدأت الكتابات من حولها. وأكثرها يتمنى على الدولة أن تتحمل النفقات. ورغم أزمتها البصرية المضنية، ظلت الدكتورة، بيضاءُ الشَّعر، تكتب مقالاً في «الأهرام» وآخر في «المصري اليوم»، ولا أعرف إن كان هناك مقال ثالث. ومن كان يبحث عن نوال السعداوي أكثر هدوءاً وأقل بركانية، فليذهب إلى كوكب آخر.
لكن كيف يمكن لطبيبة لها كل هذه المؤلفات التي ترجمت إلى لغات كثيرة، أن تكون في حاجة إلى تبرع من المستشفى، ومساعدة من ابنتها، كما روت؟ يمكن. وشرح ذلك طويل جداً، وما علينا سوى الاختصار. عام 1981 أُدخلت السعداوي السجن، و«لم يكن ذلك عجيباً. فأنا اقترفت الجرائم جميعاً. كتبت القصة والرواية والشعر. ونشرت بحوثاً أدبية وعلمية ومقالات تنادي بالحرية، ولي ميول فلسفية».
لكن من أنتِ على وجه التحديد؟ «لم يبق لي من سلاح في حياتي إلا القلم، أدافع به عن نفسي، عن حريتي وحرية الإنسان في كل مكان. لم يبق لي إلا القلم لأعبر عن مأساة الفقراء والنساء والعبيد... ولا أسمع الإذاعات والخرافات، ولا أطيع إلا عقلي، ولا أكتب إلا رأيي، ولا أمشي في الزفة، وليست لي شلّة، ولا أحضر الحفلات، ولا أتزين كالحريم، ولا أستحم بالشامبو الأميركي، ولا أشرب البيرة الإسرائيلي، ويصيبني الغثيان إذا قرأت الصحف».
لا شيء ولا أحد. لذلك لم تهجر نوال السعداوي أصدقاءها فقط، بل أزواجها أيضاً. ثم مهنتها، الطب، التي عادت بها إلى عائلتها الفقيرة في الريف. بقي لها القلم. وبقيت لها قضية واحدة، هي المرأة، ولذلك «لا تتزين كالحريم»، بل تترك شعرها لبياض الدهر فوق بشرة سمراء ملوَّحة بشمس مصر.
لا أعرف في كل ما قرأت، نموذجاً نسوياً في عناد السعداوي، وفي حماسها. وعندما ذهبتْ إلى السجن تأكَّدت قبلها أن يؤمَّن لها في الداخل قلم وورق. وكان ورق «تواليت». مسكين السجن بقلم نوال السعداوي. كانت تنتظره ومعها قلم من أقلام ألكسندر سولجنتسن. وسوف يكون، هو والمحقق والحارس والشاحنة، قاتماً مثل مناخات الرواية الروسية. حاذروا إرسال الكتّاب إلى السجون. صلاح عيسى التقى في زيارته الثانية إلى السجن، الرجل الذي أرسله إليه في المرة الأولى، شمس بدران. وكان لقاء من غير ميعاد: فاكرني سيادتك؟
بدأت زيارة القاهرة من «مكتبة مدبولي». وميدان طلعت حرب وطربوشه. وألغى كمال أتاتورك الطربوش باعتباره علامة تخلّف. وفي مصر كانت كل الطرابيش علامة كل التقدم.
إلى اللقاء...