صلاح السقلدي يكتب:

السعودية وحركة الإخوان المسلمين… وفاق وفراق

في أول تعليق لها على وفاة الرئيس المصري السابق محمد مرسي، قالت وزارة الخارجية السعودية : ( جماعة الإخوان المسلمين أصل الإرهاب ولا تمثل الإسلام وتضر باستقرار المجتمعات) . وأضافت في بيان لها يوم الثلاثاء 18حزيران يونيو الجاري :  ( الجماعة نشأت في مصر قبل نحو 9 عقود، وتعتمد العنف لتحقق مكاسب سياسية، وتدعي كذبا أنها تمثل الإسلام المعتدل، وعملت على بناء تنظيمات تنفذ الإرهاب). وأردفت: ( أن جماعة الإخوان المسلمين “تحرف تفسيرات النصوص،وهناك جماعات نشأت من الإخوان المسلمين وهي داعش، والنصرة، والقاعدة.).
ففي الوقت الذي نعتقد فيه أن هذا البيان وغيره من البيانات الصادرة بالسنوات الاخيرة والمنددة بالتطرف والمناهضة للغلو الديني بالمملكة وخارجها يؤكد أن المملكة العربية السعودية ماضية بقطع علاقتها بماضيها المتشدد، وبأنها بقيادة أميرها الشاب محمد بن سلمان تشهد عملية اصلاح ديني شاملة وثورة اجتماعية شجاعة في محيط محافظ ومنغلق، بعد قرابة أربعة عقود من التطرف والانغلاق. يحدث هذا برغم بقاء الحريات السياسية تراوح مكانها من التضييق والقمع وهيمنة الصوت الرسمي وسطوته،ومع ذلك لا نعتقد أن موضوع التطرف والإرهاب هو سبب الخصومة التي تفجرت بالسنوات الأخيرة بين حركة الإخوان والمملكة العربية السعودية، فمن يبحث عن سبب الخلاف بينهما فقطعا لن يجده بسبب الإرهاب والتطرف بل سيجده بسهولة في أسباب أخرى، فالعلاقة الفكرية والايدلوجية وأن تباينت شكلاً إلّا أنها تتطابق مضمونا ,فهي  تاريخية وراسخة منذ نشأت الحركة وجمعهما ويجمعهما وفاق أكثر من فراق إزاء كثير من القضايا، وتجاه كثير من الخصوم المشتركين أفرادا أو دول أو أفكار أو طائفة، ( فالإخوان والوهابية عينان برأس واحد أسمه الإسلام السياسي)، بل مرد ذلك الخلاف الذي طفا منذ  بالسنوات الأخيرة هو التنافس على الزعامة بالمنطقة العربية،وبالذات منذ تفجر ثروات الربيع العربي التي أحدثت للمملكة حالة من الهلع من وصول الإخوان لسدة الحكم بعواصم تلك الثورات, ومن سيطرت الحركة على مقاليد الحكم بالمنطقة ،مما يعني ذلك بالضرورة بالنسبة لنظام الحكم بالرياض تهديدا وجوديا له،- فالسعودية التي غضت الطرف عن تقدم حركة الحوثيين باليمن صوب صنعاء عام 2014م كانت تأمل أن تترقب أن تبطش الحركة الحوثية بحزب الإصلاح ذراع الإخوان باليمن عقابا له على انخراطه بثورات الربيع العربي لو أن هذا الحزب فطن المكيدة وآثر الهروب من المواجهة.  أما موضوع  التطرف والإرهاب فلم يكن يوماً من الأيام مبعث خلاف بين الطرفين السعودي والإخواني، فهما من أنجبه وأرضعه منذ أن حبا حتى ربى عبر كماً هائل من الفكر المتطرف وفتاوى، والتمويل المالي والإعلامي وتشبعه بموروث الإسلام السياسي الطافح بالعنف والقسوة، منذ الزيارات التي كانت تتم بين رموز الحركة الإخوانية الى السعودية  منذ الاشهر الأول لتأسيس الحركة وحتى عهد قريب، ومنها اللقاء الشهير بين الملك عبدالعزيز ومؤسس الحركة حسن البنا ،حتى أن هذا الأخير أختار لحركته اسم الإخوان تيمنا باسم الحركة السعودية العنيفة  :  (إخوان مَــن أطاع الله). زاد من ترسّــخ العلاقة بينهما أي بين المملكة والإخوان خصومتهما المشتركة للزعيم جمال عبدالناصر –حرب اليمن ضاعفت من تعميقها- ،وظلت الرياض تحمل الود للحركة حتى في ذروة التطرف الإخواني في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. فكيفي هنا التذكير بما يلي عن علاقة الطرفين الراسخة ,وعن تناقضات الخطاب السعودي بتعاطيه مع الحركة الإخوانية بالساحة العربية منذ عقود وحتى يومنا هذا:
      – أخطر كتب سيد قطب ومنها كتابه الذي يطفح بالتكفير من الغلاف الى الغلاف المسمى : “معالم على الطريق” قد طبعتها وزارة المعارف السعودية وظل يدرس بالمدارس السعودية –  ربما ما يزال يُدرّس حتى اليوم-.
       – الفتوى الدينية السعودية الشهيرة التي كفرت  الرئيس عبدالناصر  ما تزال عالقة بالأذهان, تلك الفتوى المنشورة  بمانشيت عريض بالصفحة الاولى  في صحيفة عكاظ السعودية بعددها رقم 102، الصادر بتاريخ 18 ذو الحجة 1381هـ الموافق 23 مايو 1962م التي تقول صراحة: (عبدالناصر كافر بالإجماع). وهي الفتوى التي تزامنت وتماهت حينها مع سيل من فتاوى التكفير كانت تصدرها حركة الإخوان بوجه الرئيس  الراحل جمال ناصر وثورته التحررية.


     – كتاب فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العليمة والافتاء السعودية برئاسة الشيخ عبدالعزير بن باز يقول في فتوى رقم (6250)  : (أقرب الجماعات الإسلامية إلى الحق وأحرصها على تطبيقه أهل السنة وهم أهل الحديث، وجماعة أنصار السنة، ثم الإخوان المسلمون). مما تؤكد هذه الفتوى عمق العلاقة بين الجانبين وانتفاء الخلاف الفكري ، وينسف الزعم السعودية الذي يتحدث اليوم بأنه خصومته التاريخية المزعومة مع الحركة بسببها ان الحركة الإخوانية تحرف تفسيرات النصوص، وبالتالي لا اختلاف ولا خلاف حول التطرف والتكفير ولا حول نظرتهما للخصوم السياسيين بالداخل والخارج، فهؤلاء الخصوم هم “كفرة ضالين “.!
   -وفي خمسينات القرن الماضي يشيد الأمير فيصل بن عبدالعزيز بدور حركة الاخوان المسلمين قائلا: (الاخوان أبطال جاهدوا بأنفسهم وأموالهم في سبيل الله).فمثل هكذا إشادة  تصدر من رأس هرم السلطة فأنها تؤكد قطعا مدى الحميمة التاريخية بين الجانين ومدى تطابق وجهات نظرهما تجاه الآخر منذ عقود وحتى اليوم، وأن الحركة في نظر السعودية هي حركة ربانية لا إرهابية.!
   – في الوقت الذي كان يدعو فيه الرئيس المصري السابق محمد مرسي من قصر الرئاسي بالقاهرة للجهاد في سوريا واسقاط نظام الرئيس “الكافر” بشار الأسد كانت الآلة الإعلامية والدينية تفعل الشيء ذاته بشأن سوريا، وأفواج الجماعات المسلحة من السعودية وغيرها من الأصقاع تذهب صوب سورية. وفي ذات العام الذي أمر فيه الرئيس مرسي بقطع علاقات مصر مع سورية فعلت السعودية الشيء ذاته.!
     – برغم تصنيف السعودية لحركة الإخوان المسلمين كحركة ارهابية فأنها تستضف بفنادقها الوثيرة اليوم أبرز رموز الحركة الإخوانية باليمن  مثل الشيخ الزنداني المصنفان دوليا وخليجا ارهابيان، والشيخ والديلمي -صاحب فتوى تكفير الجنوب بحرب 1994م-, وغيرهم من الرموز.وهذا الأمر يظهر السعودية بموقف المضطرب والمتناقض بتعاطيها مع موضع الإخوان بل مع موضوع الإرهاب، فهي في الوقت الذي تزعم انها تحاربه فهي تحميه وتمده بكل أسباب القوة والبقاء.  فالحركة الإخوانية الدولية في نظر السعودية إرهابية إذا تصادمت مع توجهاتها السياسية ونافستها على الريادة والزعامة, وهي رموز حمائم سلام إذا هادنتها وأيدتها وتطابقت وجهة نظرها معها، أو جمعهما خصمٌ مشترك مثل عبدالناصر والناصرية والشيوعية بالقرن العشرين، وعبدالملك الحوثي والحوثية والشيعية بالقرن الواحد والعشرين.ش