محمد فؤاد الكيلاني يكتب لـ(اليوم الثامن):
زئبقة السياسة العالمية
الزئبق هو عنصر كيميائي يستعمل في مجالات عديدة وأهمها على الإطلاق في الطب لمعرفة درجة حرارة الجسم، حيث أنه لا يمكن مسك الزئبق باليد نظراً لرخاوته العالية جداً، ومهما حاول الشخص مسكه باليد فلن يستطيع السيطرة عليه، وهذا ما يحصل في هذا الوقت تحديداً بالسياسات العالمية تجد أنها مثل الزئبق لا يمكن السيطرة عليها.
فالأحداث الهائلة التي تحدث في الشرق الأوسط من تطبيق صفقة القرن والحشودات العسكرية في منطقة الخليج من أجل تطبيق صفقة القرن المرفوضة، بدأ الساسة يواجهون فشلاً ذريعاً في تطبيق صفقة القرن، نظراً لرفض الشعوب العربية هذه الصفقة، والقادة والملوك والرؤساء لهم تحفظات عليها وامتناعهم عن حضور أو مشاركة أي مؤتمر أو ورشة تخص هذه الصفقة، هذا الوضع جعلهم يتهربون من الأسئلة المباشرة أو التلميحات الرئيسية عن الصفقة لما لها وما عليها.
والأخبار الصادرة من واضعي صفقة القرن بدأوا يعدلون ويبدلون بهذه الصفقة نظراً لما واجهته من رفض عربي بإجماع الشعوب العربية، كما هي مادة الزئبق تتفاعل بدرجة حرارة الجو هكذا هي صفقة القرن بين ارتفاع وانخفاض، تارة يسرب في الإعلام أن صفقة القرن تنص على شيء ما!! وتارة يتم نفي هذه المعلومة، والساسة يتجاوبون مع هذه الأحداث ويحاولون أن يتزئبقوا ويتهربوا من الإجابة في حال تم طرح عليهم سؤال يخص صفقة القرن، لا يوجد عندهم جواب علمي أو عملي على أي سؤال يتم طرحه عليهم.
من يتقن التهرب من الإجابة يكون مثل الزئبق لا تعرف له أي طرف ولا يمكن أن تسيطر عليه ويحاول التهرب بالإجابة لحين الإلمام بالمعادلة كاملة.
هذا الشيء نفسه حصل في منطقة الخليج العربي والحشودات الأمريكية في مضيق هرمز ضد إيران، تجد أن الزئبقة هي سيدة الموقف، فتارة الساسة الأمريكيين يعلنون أنهم يريدون الحرب على إيران، وتارة ينفون، عندما وجدوا قوة موازية لقوتهم في هذه المنطقة وعلى ارض ليست بأرضهم، الغرب يمارس الزئبقة في مثل هذا الوضع لما وجدوه أمامهم من قوة غير محسوب لها الحساب.
هكذا وضع في العالم بوجود رئيس أمريكي ضعيف سياسياً، دائم البحث عن المال ومنابع النفط في أي مكان في العالم، لتغطية تكاليف الحروب التي خاضتها أمريكا لعشرات السنين خلت، بدأت المعادلة بالتغيير لما واجهته من قوة من هذه الدول مدعومة من روسيا للحد من هيمنة أمريكا التي تعتبر نفسها القطب الأوحد المسيطر في هذا العالم.
هذا يُسطر تاريخاً جديداً وبزوغ نجوم جُدد مثل روسيا والصين كي لا تصبح أمريكا لوحدها المسيطرة، وهذا ما قاله بوتين بأن على أمريكا أن تدرك بأنها ليست وحدها في العالم بل هناك دول تعتبر نداً لهذه الغطرسة.