حازم الشهابي يكتب لـ(اليوم الثامن):

العراق: البرلمان.. مقدمات ونتائج

مما لا شك فيه إن الممارسة الديمقراطية تعد من المرتكزات الأساسية في بناء مجتمعات وأنظمة متقدمة, كونها ترتكز على إرادة الشعوب المحضة في اختيار ممثليهم وفق قناعاتهم الشخصية بكل أريحية وسلاسة..

 مما لا شك فيه أيضا إن كل عمل أو فعل أو ممارسة بحاجة لجملة مقدمات وعوامل مساعدة لإتمامه, ومن الطبيعي إن نجاح أية ممارسة  أو عمل ما مرهون بطبيعة الحال بمدى رصانة وصحة مقدماته.

إن التجربة الديمقراطية في العراق والممارسة السياسية ذات الخمسة عشر ربيعا,  لم تعد قادرة على إتمام مسيرها وتأصيل جذورها, في ظل ما تشهده من صراعات شخصية و حزبية حول المناصب والامتيازات, يقابله ضعف و انهيار عام في جميع مفاصل الدولة وعلى وجه الخصوص القطاعات الخدمية منها, مما أدى بطبيعة الحال فقدانها بريقها ولمعانها  لدى اغلب أبناء الشعب العراقي, مخلفا موجة عالية من الامتعاض الجماهيري والرفض الشعبي فضلا عن انهيار الثقة بعموم الطبقة السياسية الحاكمة.. وقد تجلى ذلك من خلال التجربة الانتخابية السابقة وما شهدته من تراجع كبير وتردي خطير بنسبة المشاركين في الانتخابات البرلمانية, وهو مؤشر واضح ورسالة بينة على ضمور العلاقة واضمحلال الثقة الجماهيرية بالطبقة السياسية, بل في العملية السياسية برمتها. إن المقدمات الرخوة التي ابتنت عليها العملية السياسية في العراق أدت لنتائج كارثية وتراجع ملحوظ على كافة المستويات والأصعدة, وذلك لعدم إدراكها حقيقة الأسباب التي تقف وراء هذا التراجع الخطير, وعلى رأسها غياب التخطيط و القراءة الواقعية لمجريات الإحداث السياسية, بالإضافة لافتقارها الانسجام بين سلطاتها الثلاث, على وجه الخصوص السلطتين التشريعية والتنفيذية.

إن طبيعة النظام البرلماني والياته المتبعة باتخاذ القرارات والإجراءات التشريعية؛ هي ذاتها تعد إحدى أهم العقبات وأشدها في تقدم العملية السياسية, فالتمثيل البرلماني العادل يختلف كثيرا عن التمثيل الفاعل, بمعنى إن الأول (التمثيل العادل) الذي تشترك فيه جميع مكونات الشعب العراقي بصغيرها وكبيرها, بمختلف القوميات و الأديان والتوجهات؛ يعتبر تمثيلا نوعي بامتياز, كونه لم يستثني احد من فئات الشعب العراقي دون إن يكون له دور في صناعة القرار السياسي والمشاركة الحكومية, لا انه في ذات الوقت ونتيجة لتنوعه واختلاف مشاربه ومتبنياته و اديولوجياته,  سيؤدي بطبيعة الحال إلى  لإصابة بمتلازمة "جيلن باري"  وهو ( مرض عصبي حاد يصيب الأطراف من جذورها )! نتيجة لتنوع المفرط في مصادر القرار واختلاف مشاربه وتوجهاته, حيث بلغت عدد الأحزاب المشاركة في الانتخابات الأخير أكثر من (120) حزبا, بواقع يزيد عن (6000) مرشحا لثلاث مائة وتسعة وعشرين مقعدا برلمانيا, مما أنتج عن ولادة كتل صغيرة متناثرة غير منسجمة في الرؤية والقرار, بالتالي ستكون الإجراءات معطلة متناقضة تبعا لاختلاف أصول المنابع و أمزجة مصادره, كما هو عليه الحال.

إما الأمر الأخر هو أن يكون البرلمان فاعلا, بمعنى إن تتشكل أطرافه من قوى كبيرة لها ثقل جماهيري واسع, موحدة في الرؤية و القرار , تخوض غمار العمل السياسي التشريعي والرقابي وفق مبدأ الأغلبية الوطنية ببرنامج واضح وفق سياقات مؤسساتية ونظام داخلي ومحددات متفق عليها, وهو ما سعت أليه بعض الكتل السياسية في تشكيل تحالفاتها الكبيرة مؤخرا,  إلا انه ورغم ايجابيته ورصانته مقدماته والياته لم يكتب له النجاح أيضا في هذه الدورة وما سابقاتها, بدلالة المحصلة الواقعية لما نشاهده من انقسامات وتناحرا و تشضي وتفرد داخل التحالف الواحد!  نتيجة لافتقاره البناءات الصحيحة وغياب المعايير الدقيقة في نظم التحالفات, فضلا عن أخلاقيات العمل السياسي, التي تحتم على الأطراف المتحالفة الذوبان في تحالفاتها وربط مصائرها ببعضها, تحت ظل غطاء الوطنية والمصلحة العليا للبلد,.. من هنا سندرك ومن خلال التجارب الواقعية المجردة من الميول والأجندات, إن كِلا المنحيين فاقدا أهلية التحقق وسالبة بانتفاء الموضوع.

 ربما السبب من وراء  ذلك يعود لطبيعة النظام البرلماني والياته في إدارة العملية السياسية في العراق, فرغم حداثة نظام الحكم البرلماني ونجاحه في العديد من دول العالم, إلا انه ليس بالضرورة إن يكون ملائما لطبيعة الأرضية السياسية و المكوناتية  في العراق.