أزراج عمر يكتب:
الجزائر: من عزل بوتفليقة إلى الاستخدام البراغماتي لدستوره
تتميز القوانين الجزائرية بأنها تفبرك في الغرف المعتمة على مقاس السلطات التي تأمر بانتقائها وفقا لأهوائها والتصويت لها في البرلمان الذي يتحكم فيه النظام الحاكم بقبضة فولاذية وإصدارها في الجريدة الرسمية التابعة له، ثم تطبيقها من طرف أجهزته المختلفة على النحو الذي يخدم مصالحها، ونظرا لذلك فإن البلاد تفتقد إلى القوانين التي تنسجم مع أخلاقيات الدولة التي تحترم فيها الإرادة الشعبية.
وقد لعب استهتار النظام الجزائري بقوانين البلاد دورا محوريا في خلق صيغ إدارة الأزمات وتعميقها بدلا من حلها، وفي الحقيقة فإن تلاعب السلطات الجزائرية بالدستور من قبل وراهنا ليس إلا جزءا من التلاعب بمقدرات المواطنين، ويعكس هذا السلوك السلبي تناقضاتها الحادة وعدم صدق نواياها في احترام الشروط التي بتوفرها تزدهر المواطنة وحقوق الإنسان.
من الملاحظ أنه منذ انفجار الحراك الشعبي في 22 فبراير الماضي والنظام لا يريد أن يغير حتى جلدته الخارجية، بل ظل يمعن في تجريب شتى أنماط الحيل لتمرير أجندته والتشبث بالحكم رغم امتعاض المواطنين والنخب الوطنية من هذه الممارسات السلبية. ومن الواضح أن الوضع لا يزال كما هو ولم يحدث فيه أي تغيير له قيمة تذكر وجراء ذلك ستبقى الأزمة السياسية معلقة وقد تأخذ بعد العودة المدرسية والجامعية خلال بدايات شهر سبتمبر القادم منعرجا خطيرا قد يشهد أشكالا مختلفة من التمرد وربما شكلا معتدلا من العصيان المدني.
من غير المعقول أن يدعو الجيش إلى الالتزام الحرفي بالدستور في الوقت الذي يسمح فيه للرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح بخرق بنود الدستور نفسه بواسطة الإجراءات غير الشرعية التي ما فتئ ينفذها مثل تجاوزه للمدة الزمنية التي يخولها له القانون في منصب الرئيس المؤقت للدولة. وفي هذا الخصوص تقول المادة 102 من الدستور الذي تنادي السلطات بضرورة احترامه “يتولى رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الدولة لمدة أقصاها تسعون يوما، تنظم خلالها انتخابات رئاسية”، ورغم وضوح هذه المادة فإن بن صالح لم ينظم الانتخابات الرئاسية بل استفاد من التمديد له لمدة مفتوحة لا أحد يعرف نهايتها.
لا شك أن هذا التمديد لا يتماشى وأخلاقيات دولة القانون من جهة، ومن جهة أخرى فإن موافقة المجلس الدستوري عليه ليست شرعية لأن ثلث أعضاء هذا المجلس لم ينتخبوا بل هم معينون من الرئيس المخلوع عبدالعزيز بوتفليقة الذي تصفه السلطات بمظلة العصابة الفاسدة. وفضلا عن ذلك فإن لجوء السلطات الحاكمة إلى البرلمان بغرفتيه لتمرير هذا التمديد يتناقض مع الإرادة الشعبية لأن ثلثي أعضاء هذا البرلمان هم أيضا من تعيين بوتفليقة.
وفي هذا السياق يبرز تناقض خطير في سلوك مسيري الأزمة الجزائرية الراهنة يتجلى باختراع موقف مزدوج من الدستور، حيث ترك العنان لعبدالقادر بن صالح ليمعن في تعيين المسؤولين في مختلف أجهزة الدولة، علما أن نص الدستور الراهن لا يسمح للرئيس المؤقت غير الشرعي أن يفعل ذلك، كما أن الدستور الموروث عن النظام المدعو بالعصابة لا يسمح بإقالة الحكومة أو تعديلها. وفي هذا الصدد تقول المادة 104 من هذا الدستور “لا يمكن أن تقال أو تعدَل الحكومة إبان حصول المانع لرئيس الجمهورية أو وفاته أو استقالته حتى يشرع رئيس الجمهورية الجديد في ممارسة مهامه”. ولكن بن صالح لا يلتزم بهذا البند حيث إنه أقال مؤخرا وزيرا وعين وزيرا آخر في مكانه، وهاهو يواصل تعيين السفراء والولاة ومسؤولين آخرين في المناصب العليا للدولة.
بناء على ما تقدم فإن مواد الدستور الأخرى مثل المادة 7 والمادة 8 والمادة 12 التي تنص على أن “الشعب مصدر كل سلطة “، وأن “السيادة الوطنية ملك للشعب وحده “، وأن “الدولة تستمد مشروعيتها وسبب وجودها من إرادة الشعب”، تعامل كمجرد حبر على ورق. وهناك تناقضات أخرى بين القانون وسلوك السلطات الجزائرية تبرز جليا في التلاعب بالمادة 41 التي تؤكد أنه “لا مساس بحرمة حرية المعتقد، وحرمة حرية الرأي” ولكن الوقائع الميدانية تشير إلى قيام السلطات الأمنية باعتقال شبان لهم رأي خاص في مكونات الهوية الأمازيغية حيث تم إيداع بعضهم السجن.
إن التلاعب بالدستور واستخدام مواده استخداما انتقائيا وتعسفيا يجعلان القوانين وخطابات السلطة دون مصداقية وستنجم عن ذلك أخطار تقسيم الشعب وضرب الحريات، ومما يؤسف له أن بعض الأحزاب المدعوة بالمعارضة مثل حزب طلائع الحريات الذي يتزعمه علي بن فليس تساهم، بدعوتها إلى تطبيق مثل هذا الدستور المتناقض، في التشبث بالقوانين التي يخترعها النظام نفسه على مقاسه ليضمن البقاء في السلطة رغم أنف الشعب.