صلاح السقلدي يكتب:

السعودية وحزب الإصلاح وقصة النسر والثعبان

السعودية تضمر لحزب الإصلاح كل سوء إلى الوقت المناسب، وهو يبادلها ذات النوايا ويتحين لها الفرصة لمعاقبتها على فعلتها منذ إفشالها ثورة الربيع العربي باليمن عام 2011م ومعاقبتها له عام 2014م.

وما يجبر السعودية على أن تتظاهر للإصلاح بعكس ما تضمره هو حاجتها الماسة لحليف يتمتع بشيء من الثقل والحضور بالشمال كالذي يتمتع به هذا الحزب، ليقـــوّض لها ولو جزءاً من قوة وصلابة الحوثيين ويخرجها من ورطتها الحالية، بعد أن أصبحت تحارب وحيدة بالساحة منذ إعلان شريكها الرئيس الإمارات الانسحاب من الشمال ودعمها الصريح للقوى الجنوبية، وبعد أن انسحبت خلسة كل الدول المشاركة بهذا التحالف، باستثناء السودان الذي لم يجد بدّاً بسبب أزمته المالية الخانقة من أن يؤجّـــر جيشه لقاء الدعم المالي، ويبقى بالتحالف.

حين نرى السعودية تلوّع حزب الإصلاح بالعودة إلى صنعاء، وتعشمه بأنها سترفعه مجدداً إلى علو مجده الغابر، وهي تعرف تماماً أن هذا الأمر أصبح صعباً إن لم نقل مستحيلاً، ونرى في الوقت عينه حزب الإصلاح يستخف بها ويبيع لها السراب، بأنه سيطيح لها بالحوثيين ويفرقهم شذر مذر، ويمزّق لها يد إيران إرباً إرباً.. نقول إنه حين نرى العلاقة بينهما على هذا النحو من الخداع والمكر نتذكر قصة النسر والثعبان، اللذين ظلا على عداوة عميقة، حتى بادر النسر بخبث أن يتظاهر بأنه قد عزم أن يطوي صفحة العداء، مقترحاً على خصمه الثعبان رحلة جوية يحمله فوق جناحيه ليريه جمال الغابة ورونقها، فوافق هذا الأخير على الفكرة وهو أيضاً يبيّــت المكيدة لخصمه بلدغة في السماء تطيح به إلى غير رجعة.

وهما يحلّــقان بالسماء أدرك كل منهما استحالة تنفيذ فكرته القاتلة، فالنسر الذي كان يظن أن بمقدوره مغافلة الثعبان ورميه إلى الأرض شعَـــرَ بخطورة أن يستشعر هذا الأخير بالخطر ويبادر بلدغه، كما أن الثعبان أدرك أن تنفيذ فكرته بلدغ النسر سيهوي به وبخصمه معاً إلى هوة الموت السحيقة.

وما زال الخصمان عالقين ببعضهما هناك حتى اللحظة.

لهذا فإن تمكين السعودية حزب الإصلاح من محافظة شبوة يعني تمكينه من حضرموت، وهذا يؤكد قطعاً أن السعودية وحزب الإصلاح بقيادة علي محسن الأحمر يكرّسان لمشروع فلق الجنوب إلى قسمين، توطئة لتنفيذ فكرة دولة الستة الأقاليم التي نسجت السعودية وحزب الإصلاح والفئة الجنوبية النفعية المحيطة بهادي خيوطها ذات يوم داخل فندق الموفنبيك بصنعاء، وليفكان به حالة الاشتباك بينهما.

وهذا يفسر استماتة السعودية والإصلاح بشبوة بعكس عدن وأبين، كما أن تصريحات السفير أحمد بن مبارك -عرّاب مشروع الأقلمة بالنكهة الأمريكية السعودية- قبل يومين التي قال فيها: إن سيطرة الشرعية على شبوة يصب باتجاه دولة الستة الأقاليم، دليل آخر على صحة ما نقوله اليوم وما قلناه منذ بداية هذه الحرب.

فالسعودية وأذنابها المحليون يسعون إلى فرض حلول سياسية جائرة من طرف واحد على الجنوب، هو الرياض وشركاء حرب 94م دون حتى إشراكه بهذه الحلول.

كما أن وصول رئيس الوزراء معين عبدالملك بهذه السرعة إلى عتق على متن طائرة عسكرية سعودية –حتى وإن كانت زيارة خائف على غرار زيارات المسؤولين الأمريكان إلى العراق- يضيف دليلاً آخر على ما تخطط له السعودية والإصلاح وبمباركة بعض الأصوات الجنوبية المتكسبة مالاً وجاهاً من هكذا وضع ومصير.

كم مرة يجب علينا أن نقول إن السعودية لا تكترث بأحد شمالا وجنوبا؟ فهي حتى وهي تبدو بتحركاتها بأنها تحافظ على الوحدة اليمنية، إلا أنها في الحقيقة لن تبقيه موحداً كما يروق للشمال، بل ستجعله يمناً رخواً مستضعفاً، تأخذ لحمه وترمي لأصحاب الدار عظمه، يمناً لا هو بموحد كما يروق للشمال ولا منفصل كما يأمل الجنوب، يمناً بين بين/ ينكمش تحت القبضة والهيمنة السعودية.

فالرياض لن تدع الشمال يفلت من دفع ثمن صنيعها معه، فهي ستأخذ من اليمن ذروة سنامه، ودُرّة تاجه، براً وبحراً، شمالاً وجنوباً، من المهرة شرقاً إلى حجة غرباً، ولن تنسى بالتأكيد أن تخرج نصيب الإمارات من الكعكة اللذيذة!