د. عيدروس النقيب يكتب:
الإخوان وورطة الفتاوي
كلما حاول التنظيم الدولي للإخوان المسلمين بفروعه ومسمياته المختلفة أن يتظاهر بالقبول بالحياة المدنية والتعايش مع الحياة الديمقراطية وادِّعاء احترام الاختلاف، كلما أوقعه دراويشه في ورطة تبين أن التقمص بلباس المدنية والديمقراطية ليس سوى لعبة تكتيكية تتخفى وراءها الأهداف غير المعلنة التي وسائلها الوحيدة هي القتل والاستباحة والسبي وتملك الإماء وكلما يرتبط بذلك من قص رؤوس وبيع العبيد والاتجار بالسبايا.
سأتحدث بصراحة ووضوح عن زملاء عملنا معاً على مدى سنوات قاربت العقد من الزمن، وكان حديث الكثير منهم عن الدولة المدنية والتعددية الحزبية والقبول بالآخر حديثا شبه يوميٍ إلى درجة تشعرك بأنك أمام تنظيم سياسي يتخلق في أجواء ديمقراطية سيقود البلاد إلى منافسة السويد والنرويج وفرنسا وغيرها من الديمقراطيات العتيدة.
وللأسف لا يلبث هؤلاء الزملاء (ومنهم طيبون وقد يكونون صادقين في ما يعلنون لكنهم لا يملكون شيئا من صنع القرار) لا يلبثون أن ييلوذوا بثقافة الفتوى عندما يشعرون بالحاجة إلى القتل والاستباحة وسفك الدماء وتعميم وتقنين الغنيمة بغرض تحقيق انتصار عسكري وسياسي يخدم مصالحهم العليا، فتتوارى لغة الدولة المدنية والتعددية وغيرها من مواويل البريستيج الديمقراطي الزائف.
البيان الصادر عما يسمى "هيئة علما اليمن" والتي يعلم الجميع أنها هيئة التجمع اليمني للإصلاح كشف عن حقيقة واحدة لا غبار عليها، وهي أن هؤلاء يحنون إلىى فتوى العام 1994م المشهورة للوزير الديلمي حينها، والذي أباح فيها قتل النساء والأطفال والعجزة وكل المدنيين الجنوبيين بدعوى "التترس" والتي لا أظنها ستنمحي من ذاكرة الجنوبيين، عندما أقبل هؤلاء لينهبوا ما فوق الأرض وما تحتها، مما غلى ثمنه وما رخص، حتى أحجار المباني وإطارات السيارات التشليح، وبراميل البريد والنفايات، ناهيك عما تلى ذلك من استبعاد كل مواطني الجنوب والاستيلاء على أملاكهم الشخصية ومنشآت وأملاك الدولة فضلا عن نهب الثروات وتقاسم منابع النفط وشواطئ الاصطياد وكل ما يعرفه القاصي والداني مما تعرض له الجنوب بـ"فضل" هذه الفتوى.
منذ يومين تكررت نفس الفتوى وبنفس لغة القتل والاستباحة تحت دعوى الخروج عن طاعة ولي الأمر.
لن أخوض طويلا في مناقشة مضامين البيان "الفتوى" لكنني أذكر زملاء الأمس أن دراويشكم ومنذ تسع سنوات فقط أصدروا نفس الفتوى للخروج عن طاعة علي عبد الله صالح، وكان الشعب بكله قد خرج عن طاعته ولم يكن بحاجة إلى فتواكم، ونضيف هنا: إنكم تدعون إلى الدولة المدنية فكيف ستتعاملون مع المختلف معكم الذي تدّعون أنكم تقبلونه، وهو يدعوكم إلى الخروج عن قناعاتكم أو يخالفكم ما تتبنون.
لا يمكن الجمع بين السياسات التي تحترم التنوع والتعدد والاختلاف الحر والديمقراطي وبين الفتوى التي تبيح قص الرؤوس واستباحة المحرمات بدعوى الغنيمة، ولا أرى قادتكم إلا ميالين إلى الأخيرة لأنها أكثر جلباً للأرباح وأقصر الطرق لحشد المخدوعين، وأسرعها لبيع الأوهام وتزيين حور العين للمغشوشين بشعاراتكم .
لكنني أقول لكم، لقد شب الناس عن الطوق، ولم يعد هناك من تهيجون أمامه صراخا في المساجد فيمتشق سلاحه للجري وراءكم، بعد أن عرّى الزمن تلك القيادات التي تاجرت بكل شيء من أرواح ودماء البشر حتى النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، وصار هؤلاء القادة من أثرى أثرياء الأمة على المستويين اليمني والإقليمي والعربي، بينما اكتفى آباء وأمهات ضحايا خداعكم، اكتفوا ببيانات النعي والنحيب وإسدال الستار على أسماء أبنائهم.
الفتاوي معمل اختبار لكل من يدّعي الديمقراطية والمدنية ويسقط فيها عند أول اختبار.