أزراج عمر يكتب:
تناقضات تهدد المشهد السياسي الجزائري
حفل المشهد السياسي الجزائري هذا الأسبوع بالكثير من التحركات والتصريحات الملفتة للنظر، ومنها رفض نائب وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح، لأي تدخل أجنبي في الشأن الداخلي الجزائري، وكذلك اقتراحه البدء في تهيئة المناخ للشروع في الانتخابات الرئاسية قصد حل الأزمة العالقة المتمثلة في استمرار مظاهرات الحراك الشعبي، وبروز مطالب الطلاب الجزائريين خلال مظاهراتهم الثلاثاء الماضي، والتي تجسدت في شعاراتهم المرفوعة التي أكدوا فيها رفضهم السماح بإجراء الانتخابات الرئاسية من دون إشراكهم في الحوار الوطني وإسقاط كافة رموز عصابة النظام أولا.
المدهش في الأمر أن المطالبة بالمشاركة في الحوار تتناقض مع عدم اعتراف الحراك الشعبي بلجنة الحوار التي يرأسها رئيس البرلمان السابق كريم يونس، مع العلم أن حركة الطلاب تقدم نفسها كجزء عضوي من الحراك الشعبي. هناك تناقض آخر في المشهد الجزائري وقد عكسه انعقاد اجتماع البرلمان للنظر في طلب وزير العدل برفع الحصانة عن بعض أعضاء البرلمان وهم بن حمادي إسماعيل وبري الساكر ومحمد جميعي الذي يشغل أيضا منصب الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني. ويقال إن رفع الحصانة عن أفراد هذا الثالوث هو من أجل تفعيل القوانين لمحاكمتهم بسبب القضايا التي رفعت ضدهم في محاكم الدولة. فكيف يعقل أن ينصّب محمد جميعي على رأس البرلمان (الغرفة السفلى) ثم كزعيم لحزب جبهة التحرير الوطني في ظرف زمني قياسي جدا، في الوقت الذي تعرف فيه المخابرات وجهاز القضاء الشيء الكثير عن أسرار ملفاته التي تفتح الآن فقط حيث يتهم بتهم خطيرة قد تؤدي به إلى السجن؟
وهكذا يمكن لنا تأويل التحرك المضاد لمحمد جميعي ضد محند أوعمر بلحاج الأمين العام بالنيابة لمنظمة المجاهدين، الذي يتهمه بكتابة بيانات ضد حزبه تدخل في نطاق صرف الأنظار عن مشاكله مع المحاكم ومع جهات داخل النظام لا ترغب فيه كأمين عام لحزب جبهة التحرير. أما اتهامه لسعيد بوتفليقة، الموجود الآن سجينا في سجن الحراش، بأنه كان يسير حزب جبهة التحرير بالهاتف فيفسره المحللون السياسيون على أنه محاولة منه للاصطفاف بشكل مرتجل ومختلق إلى جانب رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الذي وضع شقيق الرئيس المخلوع عبدالعزيز بوتفليقة في سجن الحراش، بهدف التقرب منه لحمايته من المحاكمة ومن أجل الحفاظ على موقعه كرئيس حزب كبير ضمن بنية النظام الحاكم.
وتفيد القرائن أن محمد جميعي، الذي يواجه الآن خطر إسقاط الحصانة عنه من طرف البرلمان الذي كان يرأسه منذ مدة قصيرة، لم ينطق يوم كان سعيد بوتفليقة صاحب نفوذ في أعلى هرم السلطة بمثل هذا التصريح ضده أو ضد شقيقه عبدالعزيز بوتفليقة، وبالعكس فإن كل الكلمات التي ألقاها سابقا وهو على رأس البرلمان أو في قيادة حزب جبهة التحرير الوطني كان قد أصرّ فيها على شرعية النظام الحاكم وحق بوتفليقة في الترشح للعهدة الخامسة.
وفي سياق تفاقم هذه التناقضات التي تثقل كاهل الحياة السياسية الجزائرية نجد سليمان شنين، رئيس البرلمان (الغرفة السفلى)، قد دعم سابقا وها هو يواصل دعمه الآن، وذلك من خلال الكلمة التي ألقاها مؤخرا على أعضاء هذه الغرفة، دعوة رئيس أركان الجيش إلى الانتخابات الرئاسية في الوقت الذي يصرح فيه شنين باستمرار بأنه جزء من الحراك الشعبي، مع العلم أن هذا الحراك لم يكلفه بالنيابة عنه للقيام بموافقة دعوة رئيس الأركان.
ويلاحظ هنا أن كثرة هذه التحركات والتصريحات المتناقضة تعني في العمق وجود ولاءات مختلفة وصراعات حادة متنوعة في تضاريس المشهد السياسي الجزائري الذي ينذر بتطورات دراماتيكية خطيرة، ومنها إمكانية فرض حالة الطوارئ من قبل أطراف ما فتئت تسعى إلى إعادة حكم الرجل الواحد أو الشلة بالقوة.
وتنبغي الإشارة هنا إلى أن كل هذه التناقضات التي تنخر الحياة السياسية الجزائرية ويعاد تفريخها نمطيا في خطابات وممارسات جوقة النظام الحاكم في الجزائر، لم تستورد من خارج البلاد بل هي نتاج مركب من أشكال الزعامات الفردية ذات الطابع الإقطاعي التي أنتجتها ولا تزال تنتجها البنية الثقافية والاجتماعية والنفسية الجزائرية المتخلفة التي تسوّق منذ الاستقلال في مختلف أجهزة الحكم، وعلى مستوى أحزاب الموالاة، ولدى الكثير من أحزاب المعارضة، ويبدو أن الحراك الشعبي نفسه قد بدأ يصاب الآن بهذه اللوثة الخبيثة، مع الأسف، حيث يظهر فيه أفراد معينون ومكررون يوميا (لا يتجاوز عددهم سكان عمارة من طابقين) ويقومون بممارسة طقوس النرجسية السياسية كالظهور بمظهر الأبطال المنقذين من الضلال، ويمعنون في التسويق لأنفسهم كممثلين لخمسة وأربعين مليون جزائري وجزائرية، والأدهى والأمرّ هو أنّ وسائل إعلام جزائرية معروفة ومعينة هي التي تغذي هذه الظاهرة بهدف تفريغ الحراك الشعبي من روحه الجماعية، وتحويله إلى سقيفة بن ساعدة جزائرية معاصرة.