عبدالرحمن الراشد يكتب:

الاستعدادات في الخليج

الوضع في الخليج معلق لم يحسم بين معركتين؛ منع إيران من تصدير معظم بترولها، وهجومها على المنشآت النفطية السعودية، أما قرارات البيت الأبيض باستثناء تشديد العقوبات الاقتصادية فإن البقية رمزية مثل منع وزير الخارجية الإيراني من التحرك في مدينة نيويورك إلا في حدود ستة شوارع، المحيطة بمبنى الأمم المتحدة، أو منع أبناء النخبة الحاكمة الإيرانية من الدراسة أو زيارة الولايات المتحدة. الحقيقة، عدا أنها لا تؤثر ولا تضغط، فهي تخدم دعاية النظام الإيراني الذي يشتكي من استهداف الإيرانيين من قبل الإدارة، في وقت أقدمت السلطات الإيرانية في الآونة الأخيرة على خطوات مؤثرة مثل زرع الخوف بين شركات النقل والملاحة في مياه الخليج، وتسببت في رفع أسعار التأمين على خصومها، وكذلك على أصدقائها، واستهدفت منشآت نفط سعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، وأطلقت قذائف على محيط السفارة الأمريكية في بغداد، وبصراحة وعلى لسان سفيرها في بغداد هددت باستهداف الوجود الأمريكي العسكري في العراق، إلى جانب أنها اعتقلت مواطنين يحملون الجوازات الأمريكية والبريطانية والأسترالية وغيرهم من الغربيين الموجودين في إيران ولم تخجل من المساومة عليهم.

الاستعدادات على الجانبين ظاهرة للعيان، من بينها إنشاء تحالف عسكري بحري دولي لحماية خطوط الملاحة من الهجمات الإيرانية في مياه الخليج، وقد نجح الأمريكيون في الحصول على عدد من موافقات حكومات إقليمية وغربية بالمشاركة في الأسطول العسكري البحري

تصرفات عدوانية من قبل النظام، مثل الخطف والمساومة واستخدام المليشيات، وبينها جديدة مثل قصف منشآت سعودية، مقابل العقوبات الاقتصادية الأمريكية والتي هي بالتأكيد موجعة للنظام في طهران، وتكلفة مليارات الدولارات كل شهر.

هل توقفت المواجهات؟ لا يبدو ذلك، فالاستعدادات على الجانبين ظاهرة للعيان، من بينها إنشاء تحالف عسكري بحري دولي لحماية خطوط الملاحة من الهجمات الإيرانية في مياه الخليج، وقد نجح الأمريكيون في الحصول على عدد من موافقات حكومات إقليمية وغربية بالمشاركة في الأسطول العسكري البحري، سمّت أمريكا مشروعها هذا بـ«الأمن» وردت عليه طهران بالدعوة إلى تحالف مضاد سمته «الأمل»، ولا نعرف بعد تفاصيله.

من الواضح، وكان متوقعاً وليس مفاجئاً، أن تصعّد إيران عسكرياً مستغلة دخول السياسيين الأمريكيين في حلبة الانتخابات التي ستقيد الرئيس الأمريكي كثيراً في قراراته الكبرى، وعلى رأسها الرد عسكرياً على إيران، فالعقوبات الاقتصادية الأمريكية تطبق تدريجياً منذ نحو عام ونصف، إلا أن إيران يبدو أنها تأخرت في الرد عمداً، في انتظار الموسم الانتخابي، ووفقاً لهذا النمط من التخطيط قد ترفع من التصعيد العسكري والعمليات العدائية.

ولا بد أن نسأل، لماذا أصبح نظام المرشد الأعلى أكثر جرأة؟ لا شك أن العقوبات مؤذية له داخلياً ولمشروعه العسكري خارجياً. فهو يحتاج إلى المال لتمويل كل المليشيات الخارجية التابعة له، باستثناء المليشيات العراقية الحليفة، نفقات مقاتليها ونشاطها مدفوع من الخزينة العراقية. والسبب الآخر في الجرأة، في نظري، أنه يعكس التغيرات التدريجية المهمة في سلم القيادة ومراكز السيطرة في الحكم. فمن الواضح أن الجنرالات أصبحوا يحظون بصوت ومقاعد أكثر في القيادة العليا في طهران، وتراجع دور ما يوصف بالمعتدلين. وهذا ما اضطر وزير الخارجية جواد ظريف إلى الاستقالة عبر منصات التواصل في فبراير/شباط الماضي احتجاجاً على تدخلات الجنرال قاسم سليماني، ثم عاد للعمل، هذا جزء من الصراع تحت عباءة المرشد الأعلى، الذي مع تقدمه في العمر يزداد التنافس على الصلاحيات والنفوذ.