د. تيسير كريشان يكتب لـ(اليوم الثامن):

إيران بين استمرارية القمع وتصاعد المقاومة.. قراءة في واقع البلاد ومسار التغيير

تواجه إيران منذ أكثر من أربعة عقود حرباً حقيقية ومستدامة لا تقل أهمية عن أي صراع مسلح.. وهي الحرب التي يخوضها الشعب الإيراني ومقاومته ضد نظام ولاية الفقيه الفاشي، وجاء هذا الصراع بمثابة المأزق الأساسي الذي يحدّد مستقبل هذا البلد وشعبه، وفي هذا المقال نحاول تحليل الظروف الراهنة استناداً إلى المواقف والأحداث الميدانية والدولية التي تُظهر مسارات الصراع والنوايا والتحديات.

الحربُ مستمرة؛ والصراع لم يُحسم بعد بين الشعب والنظام

بدأت هذه الحرب الحقيقية في 20 يونيو 1981 عندما انطلقت شرارة المقاومة ضد حكم الملالي، واستمرت مع إرادة شعبية راسخة تسعى إلى سقوط النظام عبر المقاومة المنظمة.. وقد كشفت هذه المقاومة نفسها منذ أغسطس 2002 عن خفايا المشروع النووي السري للنظام، معلنةً للعالم تهديدات خطيرة كانت مغمورة تحت غطاء مزاعم سلمية.

في حقيقة الأمر كان هذا النظام كان يحاول سرًا امتلاك السلاح النووي، وبينما تستفيد المقاومة والمجتمع الدولي من الكشف عنه تؤكد في الوقت ذاته على مدى خطورة النظام وتحركات المقاومة المسؤولة من أجل حماية مصير إيران والمنطقة.

أكدت السيدة مريم رجوي قبل عقدين من الزمان أن الحل لا يكمن في المساومة أو الحرب، وإنما هو التغيير الجذري عبر إرادة الشعب وتنظيم المقاومة، وحذرت من أن سياسة التسويف والاسترضاء تشجع النظام على البقاء وتفتح الباب أمام حروب لا تريدها إيران ولا المنطقة.

نظام غير قابل للإصلاح أو التهدئة؛ والحل في إنهاء شره وإقرار البديل الديمقراطي

لقد فشلت أي محاولات لإصلاح النظام؛ وتقول المقاومة وفقا لأدبيات: “لن تلد الأفعى حمامة” إذ يعتمد النظام على الإعدام والقمع والاعتقالات والحروب الخارجية وصناعة السلاح النووي للحفاظ على سلطته، وهو ما يجعل احتمالات التحول صعبة المنال إلا بسقوطه الكامل.. وتطرح المعارضة السياسية الإيرانية خياراً ثالثًا رافضاً لكل أشكال المساومة والضغط العسكري مؤكدين على استقلالية القرارات لصالح الشعب.

يُشرّع النظام محاكمات غيابية مكثفة ضد مقاومة مجاهدي خلق التي تُعتبر المنظمة الوحيدة التي تحمل مشروعًا ديمقراطيًا واضحًا لإيران الحرّة؛ مشروع ينادي بالجمهورية المدنية، وفصل الدين عن السلطة، حقوق الإنسان، المساواة، والحكم الذاتي للأقليات بجانب إلغاء حكم الإعدام، والسلام الإقليمي في شرق أوسط بلا أسلحة دمار شامل.

الاحتجاجات الشعبية والتصعيد الأمني

شهدت إيران انتفاضات شعبية واسعة منذ 2017 وحتى 2022، شاركت فيها فئات متنوعة من المجتمع.. من الطلاب إلى العمال والفلاحين، وقد عبّرت عن رفضها المطلق للنظام بكل ممارساته، وتصاعدت هذه الحركات مع تكرار الاعتقالات والإعدامات التي فاقت الألف خلال العامين الماضيين مع موجة قمع جديدة تستهدف أفراد المقاومة وحلفائهم.

تتنامى وحدات المقاومة المسلحة داخل إيران لتلعب دوراً مركزياً في تنظيم الانتفاضات وحمايتها معتمدّة على تشكيل تنظيماتٍ شبكية واسعة بين الناس، والتنسيق الذكي في التعبئة والنضال مما يجهد النظام ويفقده قدراته الأمنية والرقابية.

الدعم الدولي والخيار الثالث

تحظى المقاومة الإيرانية بدعم دولي واسع تجاوز الآلاف من البرلمانيين وقادة العالم الذين يعترفون بحق الشعوب في التغيير السلمي والديمقراطي، وتمثل خطة السيدة مريم رجوي ذات النقاط العشر إطارًا واقعياً وشاملاً لحل الأزمة الإيرانية يعيد إيران إلى المجتمع الدولي كدولة ديموقراطية تعيش في سلام مع جيرانها، لكن هذا الدعم ما زال يحتاج إلى ترجمة عملية على الأرض؛ إذ تواجه المقاومة تضييقات قانونية وسياسية كثيرة حول العالم.. وكذلك تحدياتٍ من نظام دولي يواجه صعوبات في اتخاذ خطوات ملموسة تنقذ الشعب الإيراني من الاستبداد والقمع.

خلاصة القول.. الواقع في إيران اليوم هو مواجهة مفتوحة بين نظام فاشي يستند إلى القمع الدموي والظلم، ومقاومة شعبية منظمة تتصاعد يومياً بحجمها وأثرها داخلياً وخارجياً محملة برؤية واضحة للمستقبل.. وستكون الغلبة الحقيقية للشعب الإيراني الذي رفع شعار “لا للشاه ولا للمرشد” وهو يمضي قدماً نحو بناء وطن جديد يقوم على العدالة والحرية.

إن دعم هذه المقاومة وتوفير الحاضنة السياسية والدولية لها.. إلى جانب التمسك بخيار التغيير الديمقراطي السلمي سيكون مفتاح خروج إيران من نفق الظلام إلى مستقبل مشرق.. وتفرض الظروف الراهنة حتمية أن يكون العالم الحر إلى جانب هذا الشعب.. ليشهد ثورة تحرر حقيقية في إيران تعيد بناءها في قلب الشرق الأوسط.

د. تيسير كريشان / نائب برلماني أردني سابق