كمال ازنيدر يكتب لـ(اليوم الثامن):

كيف تحكم الأيديولوجيا الإسلاموفوبية سياسة الغرب تجاه فلسطين ؟

في زمن تتقاطع فيه الأكاذيب مع المصالح، ويغسل فيه الدم الفلسطيني ببياض البيانات الدبلوماسية، يأتي هذا الكتاب كصرخة وعي في وجه العمى الأخلاقي الغربي، وكشهادة فكرية على أن الكلمة لا تزال سلاحا حين تقال في وقت الصمت.

» إسلاموفوبيا الحكومات الغربية والموقف من القضية الفلسطينية » ليس مجرد بحث في المصطلحات أو تفكيك لأوهام ثقافية ؛ إنه مشروع مواجهة فكرية ضد منظومة الخداع التي جعلت من الخوف من الإسلام سياسة رسمية ومن معاناة الفلسطينيين مادة للنسيان.

ينبش الكاتب كمال ازنيدر في جذور العداء، فلا يقف عند سطح الصورة الإعلامية التي تبرر القتل باسم الدفاع عن النفس، بل يغوص إلى الأعماق حيث تتشابك الأوهام الدينية بالمصالح الاستراتيجية، وحيث تتحول الأساطير التوراتية إلى قرارات أممية.

الكتاب ليس تقريرا سياسيا باردا، بل عمل يتنفس حرارة الموقف. يكتب ازنيدر بلغة تمزج بين غضب الحقيقة وأناقة الفكرة، واضعا القارئ أمام مرآة الغرب الذي يدعي التحضر بينما يغض الطرف عن أبشع الجرائم الإنسانية في فلسطين.

في الفصول الأولى، يرسم الكاتب خريطة الصعود المرعب لليمين الإسرائيلي المتطرف، كاشفا كيف تحول التطرف إلى سياسة رسمية، وكيف انقلبت الديمقراطية الإسرائيلية إلى غطاء شرعي للاحتلال والعنصرية.

ثم ينتقل بخطى هادئة ولكن حادة إلى تفكيك المفارقة : فالغرب الذي يجرم معاداة السامية، هو ذاته الذي يرعى معاداة الإسلام. يقدس حرية التعبير حين تهين المسلمین، لكنه يصادرها حين تدين إسرائيل.

بمنهج يزاوج بين التحليل السياسي والتأمل الأخلاقي، يفكك المؤلف مصطلح « الإسلاموفوبيا » ليعيده إلى حقيقته : مرض نفسي جماعي، ينتج كراهية ممنهجة، ويدفع الشعوب والحكومات إلى تبرير العنف ضد كل ما هو مسلم.

غير أن ازنيدر، بخلاف كثير من الكتاب الغاضبين، لا يسقط في فخ التعميم. فهو يميز بذكاء بين اليهودية كديانة روحية، والصهيونية كمشروع استعماري، ويذكر بأن بين اليهود من وقف مع فلسطين حين صمت العالم.

من خلال هذا التمييز الأخلاقي، يحرر الكاتب الخطاب العربي الإسلامي من نزعاته الانفعالية، ليضع القضية الفلسطينية في سياقها الإنساني الأشمل  :قضية حرية وكرامة، لا حرب أديان.

ويمتد التحليل إلى البعد الأمريكي، حيث تتجسد الصهيونية المسيحية كقوة خفية تحرك القرار السياسي باسم النبوءات والآخرة. يشرح كيف تحولت واشنطن إلى كعبة سياسية لإسرائيل، وكيف أصبح دعمها "عبادة مقدسة" في العقل الإنجيلي.

أما أوروبا، التي طالما قدمت نفسها ضميرا أخلاقيا للعالم، فيظهرها الكتاب عارية من هذا الادعاء. فقد انحسر صوت العدالة فيها أمام تصاعد الخوف من الإسلام، وذابت مبادئها أمام ضغط اللوبيات والإعلام الموجه.

الكتاب - الصادر عن دار الجندي للنشر والتوزيع / القدس - لا يكتفي بالتنديد، بل يقدم تفسيرا مركبا للانحياز الغربي، جامعا بين النفسي والسياسي، بين الأسطورة والدعاية، بين الخوف والمصلحة. هكذا يقدم ازنيدر أطروحته بوصفها تشريحا لوعي مريض أكثر مما هي دراسة لسياسة خارجية.

ولأن الحقيقة لا تكتمل دون مرآة الداخل، يوجه الكاتب نقدا صريحا إلى الأصوات الإسلامية المتطرفة التي تسيء للقضية باسم الدفاع عنها، محذرا من أن خطاب الكراهية لا يحرر فلسطين بل يمنح خصومها ذخيرة جديدة.

على امتداد صفحاته، يتنفس الكتاب حبا للإنسان قبل أن يكون نصرة لدين أو قوم. إنه يذكر القارئ بأن مأساة فلسطين ليست مأساة شعب فقط، بل مأساة ضمير عالمي باع إنسانيته في سوق السياسة.

وهكذا يخرج « إسلاموفوبيا الحكومات الغربية والموقف من القضية الفلسطينية » من حدود التحليل إلى أفق الشهادة. شهادة تقول إن الإسلاموفوبيا ليست خوفا من الإسلام، بل خوفا من عدالته، وإن القضية الفلسطينية ستبقى امتحان العالم الذي لم يتعلم بعد معنى الحرية.