كمال ازنيدر يكتب لـ(اليوم الثامن):

عملاء بداخل النظام المغربي يخدمون أجندات أجنبية

كلامي هذا لا ينبغي تعميمه على كل مسؤولي الداخلية والأمن الوطني والمخابرات المغربية. فهؤلاء ليسوا كلهم سواسية. فيهم أناس نبلاء، وفيهم أشخاص حقراء. فيهم أناس وطنيون، وفيهم أشخاص معادين للوطن. فيهم من يتفانى في خدمة الصالح العام للمغرب والمغاربة، وفيهم من يستغل سلطته وصلاحياته لخدمة أجندات أجنبية.

هؤلاء الخونة الذين يعملون على إعاقة عجلة نمو المغرب والمغاربة من داخل الإدارة المغربية هم المقصودين بكلامي هذا. أما المسؤولين بالداخلية والأمن الوطني والمخابرات المغربية "الشرفاء"، فهم غير معنيين بالمرة. هؤلاء أكن لهم كل مشاعر الحب والتقدير والاحترام وأقول لهم "أعانكم الله على خدمة هذه البلاد".

فبداخل النظام المغربي هناك تيار يعمل ضد الصالح العام للمغرب والمغاربة. من داخل الإدارة المغربية وأجهزتها الأمنية، هناك أيادي تعمل على شل تقدمنا ومضينا للأمام وتسعى إلى العودة بنا سنوات للوراء، وبالضبط إلى عهد سنوات الجمر والرصاص.

هذه الأيادي معروفة بوحشيتها ودمويتها. بالماضي ارتكبت العديد من الجرائم ضد المعارضين والمحتجين المغاربة. كانت تلفق لهم اتهامات باطلة وتتهمهم ظلما وعدوانا بمحاولة قلب نظام الحكم. وبعد هذا، تقوم بحبسهم، وبالسجن والمعتقلات السرية تذيقهم أشد أنواع التعذيب. كثير من الأبرياء من عاشقي تراب هذا الوطن عانوا من خبثها : منهم من جن، ومنهم من أصيب بعاهات مزمنة ومنهم من تعرض للقتل.

هدفها المعلن كان حماية النظام المغربي وتطهير المغرب من الأعداء الداخليين والخونة، لكن هدفها الخفي الذي يعتبر هدفها الحقيقي كان إضعاف البلد بحرمانه من خيرة ذرعانه وأدمغته القادرة على إخراجه من الظلمات إلى النور. فهذه الأيادي كانت تخدم أجندات قوى أجنبية معادية للمغرب، هدفها تشتيت وحدتنا الشعبية وإبقاء مغربنا في التخلف والأزمة على جميع المستويات.

فالمستعمر زرعها في قلب النظام المغربي قبل أن يقوم بمنح المغرب الاستقلال. هو لم يقم بترحيل قواته وإداراته من الأراضي المغربية إلا بعد أن تيقن أنه ترك بالمغرب عملاء له زرعهم بداخل الإدارة المغربية سيعملون على تسيير مستعمرته السابقة بالشكل الذي يخدم مصالحه، مما يجعل من استقلال بلدنا الحبيب استقلالا وهمي لا حقيقي.

فمعظم المغاربة، إسلامويين ويساريين، مناصرين للملكية المطلقة وملكيين دستوريين، كانوا معادين للصهيونية وللإمبريالية الغربية. كانوا يكرهون الغرب وعلى رأسه فرنسا وإسبانيا إلى أبعد الحدود، بالتالي لم يقبلوا أن يبقى البلد الذي حاربوا من أجل استقلاله تابعا لفرنسا.

وعوض أن يرضخ النظام المغربي لمطالبهم، حاربهم. عوض أن ينهج سياسات تعبر عن إرادتهم الشعبية، اختار توجهات سياسية معاكسة كليا لأمالهم. وحينما استنكروا عليه خيانته لتطلعات الشعب المغربي ولدماء المقاومين الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم لتحرير المغرب من تبعيته لقوى الإمبريالية الغربية، وصفهم بالخونة وشن ضدهم حربا شرسة هدفها تطهير المغرب من أعداء مستعمرينا السابقين وبقية الإمبرياليين الغربيين.

فعملاء الإمبريالية الغربية بداخل الإدارة المغربية ومختلف أجهزتها الأمنية والمخابراتية، استغلوا ثقة الحسن الثاني فيهم. كذبوا عليه وأوهموه أنه يتعرض لمؤامرة داخلية، هدفها قلب النظام الملكي. كانوا يمدونه بتقارير مليئة بالمغالطات والأكاذيب ليشعروه أن عرشه وعرش أسلافه في خطر، ليحصلوا منه على الضوء الأخضر ليمضوا قدما في تصفيتهم لأعداء الإمبريالية الغربية المغاربة المعارضين لتبعية المغرب لفرنسا.

ومن بين أشهر هؤلاء المعارضين، المهدي بن بركة الذي كان صديقا مقربا من الحسن الثاني. لكن خونة الداخل عملوا على تسميم صداقتهما وأوهموا الحسن الثاني أن المهدي بن بركة ليس بصديق بل عدو وأن مطالبه بقيام ملكية دستورية، الملك فيها يسود ولا يحكم، ما هي إلا خدعة مرحلية وقنطرة تقوده لتحقيق هدفه الخفي المتمثل في إقبار الملكية واستبدالها بنظام حكم جمهوري سيكون هو أول رئيس له.

وبعد أن خلقوا الفتنة بين المهدي بن بركة والحسن الثاني، قتلوه بفرنسا بمساعدة من المخابرات الفرنسية والإسرائيلية. وبعدها سيقومون بقتل عشرات أو ربما مئات الآلاف من المغاربة الأبرياء الذين يصورونهم في أعين الحسن الثاني كجمهوريين وعملاء لقوى المعسكر الشرقي. فليست هناك إحصائيات واضحة بخصوص أعداد ضحاياهم. كل ما نعرفه، أنهم كانوا يسجنون أعداءهم في معتقلات سرية ويدفنون قتلاهم في مقابر جماعية.

وللإشارة، ليس اليساريون والإسلامويون وحدهم من كان يتم قتلهم في سنوات الجمر والرصاص. فممن قتلوا أو اعتقلوا وأذيقوا أشد العذاب، كان هناك وطنيون ينتمون لحزب الاستقلال. فهذا الحزب نظم العديد من الوقفات والمسيرات الاحتجاجية، التي كان يتم تفريقها بالقوة - وبما في ذلك إطلاق الرصاص -. والأمر هذا لم يكن منحصرا في الستينيات، بل حتى في السبعينيات من القرن الماضي، تعرض محتجون استقلاليون للقتل، وآخرون اختفوا ولم نسمع عنهم خبرا إلى يومنا هذا.

فمصائب المغاربة كانت مصائب جماعية ولم تكن حكرا على فئة محددة. خونة الداخل لم يكونوا يحاربون ثلث المغاربة كما كانوا يوهمون الحسن الثاني بل كانوا يحاربون الأغلبية الساحقة للشعب المغربي. فقط أساليب حربهم كانت تختلف من فئة لأخرى. فمثلا اليساريون كانوا يبررون اضطهادهم وتصفيتهم لهم باتهامهم بالعمل على قلب النظام الملكي وتغييره بآخر جمهوري، والإسلامويون كانوا يشرعنون تعذيبهم وقتلهم باتهامهم بالعمل على الإطاحة بالملكية واستبدالها بنظام الخلافة الإسلامية. أما الاستقلاليون، فكانوا يدسون بمعاونيهم في وقفاتهم ومسيراتهم الاحتجاجية السلمية ليقوموا بأعمال شغب (تخريب المنشآت العمومية ورشق السلطات الأمنية بالحجارة) يبرروا بها قمعهم لهذه الاحتجاجات وإيقافهم لقادتها وبقية المشاركين فيها.

سنوات الجمر والرصاص انتهت، لكن خونة الداخل مازالوا في مناصبهم الإدارية والأمنية والمخابراتية. نفوذهم ضعف بشكل كبير بعد موت الحسن الثاني وطرد إدريس البصري وكذا ما شهده المغرب من إصلاح للقضاء الذي لم يعد دمية للسلطة التنفيذية كما كان الأمر عليه في السابق. لكن ضعف نفوذهم لا يعني زواله واختفائه نهائيا. فهؤلاء الفيروسات مازالوا يمتلكون سلطا وصلاحيات تجعلهم قادرين على إلحاق الأذى بأعدائهم.

وأعدائهم هذه المرة لم يعودوا هم اعداء فرنسا، فهم في العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين قطعوا علاقتهم بالمستعمر الفرنسي ولم يعودوا يدافعون عن مصالحه ويخدمون أجنداته من داخل مصالحهم الإدارية، وهذا ما يفسر تدهور العلاقات المغربية الفرنسية في السنين الأخيرة... أعداءهم اليوم هم أعداء إسرائيل، وهم اليوم يستعملون مناصبهم وصلاحياتهم لمحاربة المغاربة المعادين للصهيونية القاطنين بالمغرب والمهجر.

فعلى مواقع التواصل الاجتماعي، هم يسخرون ذبابهم الإلكتروني لمهاجمة المغاربة أعداء الصهيونية بالخارج. يعيبون عليهم اهتمامهم بقضية فلسطينية لا تعني قضايا المغرب في شيء ويتهمون بالخيانة من منهم يصوت لصالح حزب فرنسا الأبية.

هذا الحزب المعروف بشدة انتقاده للسياسات الاستعمارية لإسرائيل وجرائمها ضد الإنسانية ودفاعه المستميت عن القضية الفلسطينية، وكذا باستنكاره للسياسات الإسلاموفوبية ودفاعه عن الأقليات المسلمة، يدعون الفرنسيين المغاربة إلى مقاطعته والتصويت ضده بداعي أنه معارض للوحدة الترابية المغربية، وهو الحزب الذي عبر على لسان قائده جان لوك ميلونشون في شهر أكتوبر من العام الماضي عن اعترافه بمغربية الصحراء ودعمه لمقترح الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب لحل النزاع الصحراوي ودعا الحكومة الفرنسية إلى فتح تمثيلية لها بالأراضي الصحراوية على غرار ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية ! وبالمقابل يلقون بالزهور على إسرائيل ويثنون عليها وعلى الخدمات الجليلة التي قدمتها للمغرب وخصوصا مساهمتها في بناء جدار الصحراء وتجهيزه بأحدث معدات المراقبة وتقنيات التجسس.

وإذا ما عارضهم أحد، قاموا بتعنيفه وشتمه ووصفه بالخائن وعميل الجزائر وتهديده بالسجن والتعذيب وتجريده من جنسيته المغربية. وإذا لم ترعبه أساليبهم الهمجية والإرهابية واستمر في الرد على حملتهم وكشف ما تحويه من كم هائل من الأكاذيب والمغالطات، استعملوا تقنيات القرصنة المتوفرة لديهم ليحصلوا على رقم هاتفه ويرسلوا له فيه رسالة نصية تمكنهم من التجسس عليه : يقرؤون حواراته وبريده الإلكتروني، يستمعون إلى مكالماته الهاتفية، يتعرفون على كلمات المرور الخاصة به، يصلون إلى صوره وفيديوهاته، ويتتبعون تحركاته وتنقلاته، إلى آخره.

كل هذا يقومون به خدمة لمصالح ولي نعمتهم الجديد، إسرائيل. وهذا ما يؤكد أن عاموس يادلين "الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (آمان)" لم يكذب ولم يبالغ عندما أكد في عام 2013 أن أجهزة المخابرات الإسرائيلية نجحت في التغلغل بالمغرب والتسلل إلى أعماق أعماقه بطريقة تمكن من التأثير على قراراته وتوجهاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفقا لاحتياجات إسرائيل.

ففي الوقت الذي لدينا بداخل الإدارة المغربية ومختلف أجهزتها الأمنية والاستخباراتية أيادي نظيفة تحاول تلميع صورة البلاد والمضي به إلى الأمام، لدينا أيضا أيادي قمة الوساخة والقذارة، تضر بسمعة المغرب وتعيق تقدمه. ولهذا، ومن هذا المنبر، أقول للوطنيين المغاربة الذين يشغلون مناصب المسؤولية بداخل النظام المغربي والذين يعملون بجهد من أجل تقدم المغرب ورفاهية المغاربة : "طهروا إداراتكم وأجهزتكم من هذه الجرثومات الخبيثة قبل فوات الأوان".

بالماضي الذي ليس ببعيد، خلقت هذه الفيروسات اللعينة للمغرب أزمة دبلوماسية كبيرة مع فرنسا ولطخت سمعة النظام المغربي لدى الفرنسيين والعديد من شعوب العالم بسبب تجسسها على شخصيات فرنسية عديدة من بينها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وها هي اليوم تعيد نفس الأساليب المتعفنة وتتجسس على مغاربة مقيمين بالديار الفرنسية. بالتالي إن لم يتم استئصالها ووضع حد لها، فسلسلة أعمالها القذرة المسيئة لسمعة المغرب لن تعرف التوقف وكل مجهودات أصحاب النوايا الحسنة ومحاولاتهم الإصلاحية ستذهب سدى.

كمال ازنيدر

كاتب مغربي، باحث في الأداء السياسي والمؤسساتي، مقيم بفرنسا