د. تيسير كريشان يكتب لـ(اليوم الثامن):
رقصة الموت في طهران
في تحليلنا الدقيق للمشهد الإيراني المعقد؛ نرى أن النظام الحاكم في طهران في حالٍ كمن يؤدي رقصة الموت الأخيرة.. وأن كل خطوة تصعيدية يتخذها سواء كانت باتجاه تخصيب اليورانيوم إلى مستويات حرجة تقربه من صنع القنبلة النووية أو تصعيد حملات الإعدام الوحشية ضد الشباب والنساء أو إطلاق التهديدات الجوفاء عبر وكلائه في المنطقة؛ ليست كما تبدو للوهلة الأولى استعراضاً للقوة بل هي في جوهرها أعراض تشنجية لكيان سياسي يحتضر.. إن النظام الذي لم تكن له شرعية وفقد شرعيته بالكامل في أوساط المنتفعين منه في الداخل، وتحطمت هيبته في الخارج لم يعد يملك أدوات للحكم سوى الإرهاب المطلق ضد شعبه والابتزاز النووي ضد سائر العالم.. هذه الاستراتيجية الانتحارية للنظام تكشف عن حقيقة بسيطة لكنها حاسمة ومفادها أن: النظام يدرك أنه يخوض معركة وجودية خاسرة، وأن أي تراجع من جانبه سيعني انهياره الفوري.. هذه اللحظة من الضعف غير المسبوق لا ينبغي أن تدفع العالم نحو الارتباك والتذرع بالخوف من حرب إقليمية بل يجب أن تكون بمثابة جرس إنذار يوقظ صناع القرار على حقيقة أن الفرصة سانحة الآن أكثر من أي وقت مضى لتبني الخيار الثالث وهو الحل الوحيد القادر على استئصال سرطان الإرهاب من جذوره، وهذا الخيار هو: دعم التغيير الديمقراطي بقيادة الشعب الإيراني ومقاومته المنظمة.
إن هذا الضعف القاتل يتجلى بأوضح صوره في الداخل الإيراني الذي تحول إلى ساحة حرب حقيقية بين نظام معزول وشعب ثائر.. والأرقام الرسمية التي يعلنها النظام نفسه هي أكبر شاهد إدانة ضده.. فعندما يقر جهازه القضائي باعتقال ما يزيد عن 21 ألف مواطن بتهم "أمنية" خلال أشهر قليلة فهذا ليس دليلاً على القبضة الأمنية بل هو اعتراف رسمي بحجم الانتفاضة الصامتة التي تجري تحت السطح، وعندما تصل الإعدامات إلى مستويات قياسية تقارب الألف سنوياً فإن الهدف ليس تطبيق العدالة بل هو بث الرعب الممنهج في قلوب جيل جديد كسر حاجز الخوف.. وما هذه الوحشية برد فعل عشوائي بل هي استجابة مباشرة للتهديد المنظم الذي تمثله شبكة "وحدات المقاومة" التابعة لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية.. حيث نجحت هذه الوحدات في تحويل السخط الاقتصادي والاجتماعي إلى قوة سياسية فاعلة.. منظمة ومستمرة، مما جعلها الكابوس الأكبر للنظام.. ذلك لأنها تقدم للشباب الغاضب هيكلاً تنظيمياً وبديلاً أيديولوجياً واضحاً يمثل خلاصها ويحيي الأمل في نفوسها الأمر الذي يفسر الهستيريا التي يتعامل بها النظام مع أي شكل من أشكال المعارضة المنظمة.
يتزامن هذا الزلزال الداخلي مع انهيار استراتيجي كامل للنظام على الساحة الدولية.. واليوم انتهت اللعبة التي كان النظام يمارسها بمهارة لعقود: لعبة ابتزاز العالم بورقة البرنامج النووي.. فبعد أن وصل بتخصيب اليورانيوم إلى نسبة 60% لم يترك للقوى الأوروبية التي كانت تدعو للحوار أي خيار سوى تفعيل آلية "الزناد" لإعادة فرض العقوبات الأممية. هذا الإجراء ليس مجرد عقوبة اقتصادية بل هو إعلان دولي بأن النظام أصبح دولة مارقة ومنبوذة مما سيقطع الشرايين المالية التي يستخدمها لتمويل وكلائه الإرهابيين في المنطقة من حزب الله إلى الحوثيين، وفي نفس الوقت كشفت المواجهة العسكرية الأخيرة مع إسرائيل عن أن "القوة الصاروخية" التي يتغنى بها النظام ليست سوى نمر من ورق وأن قدرته على خوض صراع طويل ومباشر محدودة للغاية..
لقد أصبح النظام معزولاً ومفضوحاً بلا أصدقاء حقيقيين، وبلا قوة ردع حقيقية، وأمام هذا الواقع الجديد يصبح التمسك بالخيارات القديمة ضرباً من الجنون السياسي.. وقد أثبتت سياسة الاسترضاء فشلها الذريع حيث أنها لم تفعل شيئاً سوى شراء الوقت للنظام ليصبح أكثر خطورة.. ومن ناحية أخرى سيفتح خيار الحرب أبواب الجحيم على منطقة لم تعد تحتمل المزيد من الدمار والاضطرابات.. وإن ضعف النظام الشديد يحررنا من هذه الثنائية الخاطئة ويضع "الخيار الثالث" على الطاولة كحل منطقي، أخلاقي وفعال، وهذا الحل هو ما سيتردد صداه بقلب أوروبا في *بروكسل في السادس من سبتمبر الجاري*.
إن المظاهرة الحاشدة التي ستنظمها المقاومة الإيرانية في يوم السادس من سبتمبر ليست مجرد تجمع للاحتجاج بل هي إعلان سياسي للعالم بوجود بديل ديمقراطي جاهز وذي مصداقية، وستكون تلك المظاهرة بمثابة برلمان شعبي في المنفى يقدم للعالم رؤية لإيران الغد من خلال *خطة السيدة مريم رجوي ذات العشر نقاط*: جمهورية تقوم على فصل الدين عن السلطة، والمساواة الكاملة بين الجنسين، وإلغاء عقوبة الإعدام، واحترام حقوق القوميات، وإقامة علاقات سلمية مع العالم.. إنها دعوة مباشرة للمجتمع الدولي للانتقال من سياسة التردد إلى سياسة الحزم عبر فرض عقوبات "الزناد" كإجراء وحلول عاجلة، والاعتراف بالحق المشروع للشعب الإيراني في مقاومة الطغيان، وتقديم الدعم السياسي الكامل للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وإن دعم هذا الخيار ليس مجرد موقف أخلاقي بل هو استثمار استراتيجي في أمن العالم واستقراره على المدى الطويل.