ملاحظات عابرة عن بيان عدن التاريخي
- تحاشى البيان التعرض لأية إشارة لا من قريب ولا من بعيد لأهم مفردات يستخدمها الخطاب السياسي والثوري الجنوبي والحراك الجنوبي تحديداً, والتي يعتبرها عنوانا لنضالاته منذ سنوات مثل: (استعادة الدولة, والاستقلال والتحرير وفك الارتباط..).
- لم يلمح مجرد التلميح الى عدم رضاء الجنوب ونخبه ومقاومته عن موقف التحالف المتجاهل للدور الجنوبي وتعمده أي التحالف اغفال القضية الجنوبية عند كل جولة حوار وفي خطابات قيادته ووسائل اعلامها وبالذات المتلفزة والذي شطب مصطلح الجنوب والمقاومة الجنوبية من مواده شطبا تاما تقريباً, هذا علاوة على عدم ورود اية نبرة عتاب ولو على استحياء على إبقاء التحالف للحالة الخدمية في مدن الجنوب في حالة انهيارمستمر, سيما و أن هذا التحالف لديه الإمكانيات الهائلة للدعم ولو بجزئية المشتقات النفطية على رخص اسعارها بالسوق العالمية.
فهذه التلميحات أن كانت حصلت فلا يمكن أن يكون مدعاة لاستفزاز التحالف كما يبرر البعض فهو مطلب مشروع وحق للجنوب على هؤلاء الشركاء بل هو اقل حق يقدمه هؤلاء لشريك صنع لهم نصر عسكري في لحظة كاد فيها التحالف أن يغرق ببحر من اليأس والإحباط ,والإحراج تجاه المجتمع الدولي خصوصا حين اكتشف خيبة حساباته العسكرية والجماهيرية بالشمال.
- كان من الأفضل أن يكون التفويض للواء عيدروس بتشكيل القيادة من غير أن يشترط البيان أن يكون الرجل على رأس هذا القيادة, لسبب بسيط وهو أنه كما نعلم أننا شعب ونخب سياسية لدينا حساسية لا حدود لها من موضوع القيادة والمناصب. ثم أنه من غير المعقول ولا اللائق أن تقول لشخصية أو لمكون تعالوا نشكل قيادة أكون أنا رئيسها.!
هذا علاوة على أن هذه النقطة قد تتحجج بها قوى وشخصيات لا تتوافر لديها النية الحقة بتشكيل مظلة سياسية موحدة ,وستتخذ منها ذريعة للتملص,وربما للعرقلة. ففي حال نجاح المهمة فلا اعتقد ان ثمة خلافا كبيرا سيكون على وجدود اللواء عيدروس على رأس هذا الكيان المرجو تشكيله, أو يكون موضوع القيادة لهذا الكيان محكوما بالرئاسة الدورية, ولنا في تحالفات الأحزاب تجربة لحل هذه المعضلة.
- البيان حاول يرضي كل الاطراف, فهو لم يعلن صراحة فك تحالفه المرحلي مع الشرعية,لا نقل إعلانا بطلاق بات مع هذه الشرعية فالمصلحة والظروف أكبر من ذلك, مع أن الشرعية قد اعلنت فض تحالفها مع الجنوب من طرف واحد, بمجرد أن عزلت رموزه الذين عينوا بمناصبهم بتوافق بينهم وبين هذه الشرعية ودول التحالف كاستحقاق لنصر عسكري تحقق, ولكن نقول أن البيان لم يقترب حتى من القول أن الجنوب بمقاومته وحراكه يعلن عن نفسه كقوة سياسية وثورية ومقاومِــة مسيطرة على الارض لها الحق بأن يكون لها استقلالية اتخاذ القرار وامتلاك الإرادة السياسية المستقلة دون ان تأخذ الأذن من أحد , مع تأكيده على الإبقاء على العلاقة مع هذه الشرعية بحدود ما تقـتضيه المصلحة الجنوبية. بل من الغريب بالبيان أنه في الوقت الذي يهدد فيه بفض شراكته مع الجهة التي هي أصلا قد سبقته إليه, نراه يعود ثانية وينكر عليها تصرفها بقرار الإقالة ,حيث ظهر البيان وكأنه يتخذ من المليونية مجرد وسيلة ضغط وابتزاز لاستعادة مناصب مفقودة,أو حماية لأخرى قد تطير. فهو تارة يتأفف وتارة يتلهف.
-قبول اللواء عيدروس بهذه المهمة والتي هي سياسية بحت كما نعلم قد يكون دليلا على صرف نظره عن منصبه كمحافظ. أمّــا في حال لم يصرف نظره عن ذلك, وعاد الى منصبه (بأي شكل من اشكال العودة) وبالذات العودة كمنتصر استطاع أن يجبر اصحاب الاقالة عن التراجع, فأن المهمة الموكلة له-واقصد تشكيل قيادة سياسية جنوبية- سيكون من المستحيل القيام بها ولو بالحد الأدنى من النجاح, وذلك لكبر حجم مهمة المنصب وتحديداتها التي من المؤكد أنها ستتضاعف بعد عودته, وما سينوىء به من حمل ثقيل,فضلاً عن العراقيل التي سيجدها قد وضعت أمامه- فوق سابقاتها-. فعودته (المفترضة ) للمنصب لا شك ستثير ضده عاصفة من الضغينة والريبة من القوى التي دأبت على عرقلته بالسابق- وحزب الاصلاح على رأسها- ,وربما ثمة قوى أخرى قد تنضم لركبها.
وبالتالي فالحديث عن نجاح مهمة كهذه هي بالأصل مهمة صعبة إن لم نقل مستحيلة التحقيق حتى على من قد يتفرغ لها وبطاقم متكامل, لما فيها من تشابكات وتعقيدات كبيرة, في بلد مثقّل بتركة ضخمة من مخلفات المراحل وصراعاتها هو ضرب من ضروب المستحيل والتمنّــي. ومن نافة القول نذكّـــر أن الزبيدي كان قد دعا قبل شهور الى تشكيل حامل سياسي جنوبي, ولكن هذه الدعوة ذرتها الرياح بساعات قليلة, فالرجل الذي تم التعويل عليه للقيام بالخطوة الأولى بتلك المهمة غارقا بالتزامات لا حصر لها, والالتزامات الخدمية أبرزها.
-كلمة اللواء الزبيدي بمناسبة هذه الفعالية فعالية كانت أكثر وضوحاً وجُـرأة من البيان آنف الذكر والذي اُسميَ ببيان عدن التاريخي خصوصاً الفقرة التي يقول فيها : (...سنعمل مع كافة شرائح ومكونات الجنوب سياسية واقتصادية وعسكرية وصولاً إلى الاستقلال الكامل لدولة الجنوب العربي))...بصرف النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا ببعض المفردات التي وردت بها مثل جزئية مصطلح الجنوب العربي.
وبرغم ما تم ذكره فأن هذا البيان قد طرق أهم نقطة تؤرق النخب الجنوبية والمواطن العادي وهي نقطة تشكيل مظلة سياسية جنوبية أو ما اسماه البيان بقيادة سياسية نأمل أن تجد طريقها للنجاح, وبرغم ان مثل هذه النقطة لم تثر لأول مرة فقد سبقها كما اسلفنا دعوة مشابهة إلا ان الجديد هذه المرة هو عملية التكليف والتفويض شعبيا للرجل والتي ستعطي له صفة مشروعة بهذه المهمة – او هكذا نعتقد- . مع أن هذا التفويض- شخصيا اكره هذه الكلمة- من المتوقع أن يجد محاربة مباشرة أو غير مباشرة من كل القوى الشمالي, وهذا أمر طبيعي ومتوقع,ومعارضة من القوى بالساحة الجنوبية ومنها بالحراك الجنوبي نفسه وبالذات التي ترى أنها هُمّـشتْ خلال عامين ,وتأخذ باللوم على الشخصيات التي انخرطت بالسلطة دون تنسيق معها ,ودون أن تضع اية شروط بالمشاركة بتلك المناصب وهذا ما جعلها هي والقضية التي تمثلها طريدة سهلة من شركاء هم بالأساس خصوم,وبالتالي ترى هذه القوى الحراكية أن رموزا قيادات جنوبية قد اصبحت جزء من شرعية الاحتلال ليس بمقدورها أن تتحرر من املاءات تلك السلطة وحلفائها.
وبرغم كل ذلك فالمهمة يجب أن تنجح بغض النظر على يد من.
(×.....فمن نام لم تنظره الحياة )