د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

أنصفوا هؤلاء الرجال!!

لقد ظلمنا بعضنا البعض في الجنوب في كل المراحل التاريخية التي مرت بنا وخاصة قبل و بعد خروج الاستعمار البريطاني وكان نتيجة ذلك زرع الكثير من الأحقاد والمظالم عند ما أسند الأمر لغير أهله ولا زالت آثارها واضغانها تلقي بظلالها على الجنوب وشعبه حتى اليوم !!
لقد ظلمنا حكام الجنوب العربي سابقا وأصدرنا بحقهم شتى ألقاب العمالة والخيانة الخ من الألقاب التي كانت نتاج تغييب وتزييف الوعي الجمعي لشعب الجنوب في حمأة الثورات العربية جراء الدعوات الكاذبة والعنتريات الزائفة التي عملت على بثها ونشرها بعض وسائل الإعلام العربية !!
والمستهدف كان هو العقل الجمعي،الذي أصبح مشوشا وفقد ذاكرته التاريخية والوطنية .. العقل الذي كان يفكر أن الهدم، هو السبيل الذي يصنع أملًا ولا يصنع قتلًا.. وأعتقد أنه ينشأ وطنًا ولا يبني مُعتقلًا، يخلق أمةً حُرّة وليس أمةً مستعمرة.. وغاب عنه أن العقل الغائب لا ينشر العدل ويقيمه بل هو الذي يرسخ الظلم ويعمقه.. العقل المغيب لا يزرع التفاؤل والطموح ولا يجلب سوى اليأس والقنوط.. وعندما يكون مغيبا لا يرتبط بالله بل يرتبط بالشيطان!!
العقل الحُر وحده الذي يُفكِّر ليبني ويُعمِّر ويغرس ويتعاون.. هذا هو العقل المستهدف! هذا هو العقل الذي يتم اغتياله وقتله ويُراد وأده وتحطيمه وهذا في الحقيقة هو ما حصل للعقل الجنوبي .. استخفاف بالعقول لخفة أحلامهم وقلة عقولهم {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ "واستخفاف الطغاة للجماهير أمرٌ لا غرابة فيه؛ فهم يعزِلون الجماهير أولًا عن كل سُبل المعرفة، ويحجبون عنهم الحقائق حتى ينسوها،
وفي تلك الظروف القاسية التي أعقبت الاستقلال والتي مر بها الوطن الجنوبي كان العقل هو الغائب في الذاكرة الجمعية للشعب الذي جرى نحو السراب في صحاري المجهول حتى لم يتبين له السراب من الماء !!
..وضاعت أحلام الراشدين والعقلاء في ظل تلك الظروف التعيسة ..رغم أن أفذاذ الرجال من شرفاء الجنوب كانوا يدركون أن الإعصار قادم لا محالة وسيجرف في طريقه كل شيء ولكن مع الأسف الشديد لم يستمع إليهم أحد ومن ذلك وفي اجتماع تم في عدن في فبراير عام 1966م بين اللورد بيزفيك والمجلس الأعلى لحكومة اتحاد الجنوب العربي حدث نقاش حاد في الاجتماع بين أعضاء المجلس واللورد البريطاني بعد أن شعر وزراء الإتحاد أن بريطانيا تسعى للتخلص منهم هاجم وزير خارجية اتحاد الجنوب العربي الشيخ محمد فريد العولقي اللورد البريطاني بالقول ::
(نحن لا نهاجمك شخصيا نحن نعرف اهتمامك بالجنوب العربي لكن نشعر أن حكومة صاحبة الجلاله تتصرف بطريقة مشينة ونعتقد أنها تتخلى عن مسؤليتها وهذا يحمل وصمة عار سمها ما شئت !!
وكان ذلك الاجتماع العاصف يحمل مؤشرات على المؤامرة على الجنوب بين بريطانيا والجبهة القومية (الحزب الاشتراكي اليمني لاحقا)
وعندما شعر الشريف حسين بن أحمد الهبيلي وزير الداخلية في حكومة اتحاد الجنوب العربي بعقد بريطانيا صفقة مع الجبهة القومية وتخليها عن الجنوب وحكومة الاتحاد قال قولته المشهورة :
((من الأفضل لك أن تكون عدواً للبريطانيين من أن تكون صديقاً لهم ، لأنهم في الحالة الأولى سيعملون على شرائك أما في الحالة الثانية فأنهم سيقومون ببيعك))
ولكن سبق السيف العذل خاصة عندما سيطر المستبدون على الحكم في الجنوب وعلى وسائل الإعلام بأنواعها المختلفة بالتواطؤ مع المستعمر البريطاني قاموا بتغييب وعي الشعب الجنوبي ليتمكنوا من السيطرة على مقدرات الوطن وخيراته دونما حق أو محاسبة، يقول جوزيف جوبلز وزير الإعلام النازي (أعطني إعلاماً بلا ضمير أعطك شعباً بلا وعي)
أننا اليوم جميعاً منشغلون بأنفسنا ونبدد أوقاتنا في قضايا لا تنفعنا ولا تسهم في تغيير جزء من حياتنا. وهذا الذي نشهده ونعيشه مرغمين أو عن قناعة ورضا هو ما يشكل الصورة الواقعية والشافية لدى سكان العالم ونكاد ننفرد بها دون الآخرين. والمشكلة الأكبر أن من تدعي ا ليوم من منظمات إرهابية التي فرضت نفسها على شعبنا بقوة السلاح هم أنفسهم من يصنعون هذه الحالة من التغييب وهم يمارسون ذلك بكل رضا وارتياح لأنهم ضحايا التغييب وفقدان الوعي، ولو لم يكن الأمر كذلك لما ساد الصمت وسيطرت حالات اللامبالاة والتبلد ولما اتسعت دائرة الحروب والخلافات التي تؤدي بدورها إلى إعادة إنتاج الحروب وإلى ما هو أمرّ وأقسى: الفرقة والتفتت .
وقد سبق لبعضنا –وما يزال ذلك هو دأب البعض- تحميل الاستعمار الأجنبي كل الشرور والويلات التي نعاني منها، وقد يكون في ذلك بعض الحق لكن الحقيقة تقول أن المسؤولية الكبرى نتحملها نحن، فقد دخل الاحتلال إلى شعوب كثيرة وحاول إفساد حياتها وتدمير اقتصادها وتفتيت نسيجها الوطني من خلال إحياء النعرات الطائفية والمناطقية وغيرها من الأمراض إلا أن تلك الشعوب قاومت مخططاته وتمكنت بالوعي العالي والشعور الوطني الصادق أن تتجاوز العوائق وأن تبني نفسها في أقل وقت من الزمن، مع أن بعضها بدأ من الصفر، وبعض هذه الشعوب نجحت في التفوق على مستعمريها صناعياً واقتصادياً، في حين بقينا نحن نتجرع الأوهام ونحِّمل أسباب تخلفنا على الآخرين دون أن نتمكن من إنجاز الخطوة الأولى على طريق تجاوز ذلك المعيق الخطير!!
وهذا هو ما حصل لشعب الجنوب العربي عندما تولى أمره من هب ودب من الطائشين والمراهقين وفتحوا عليه بطيشهم أبواب الجحيم ولازال يصارع للخروج منها حتى اليوم !!!
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو : هل نستطيع إعادة عجلة التاريخ إلى مسارها الصحيح ؟؟
د. علوي عمر بن فريد