د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
مسافر عبر الزمن (1)
سأحاول في هذا الشهر الكريم الابتعاد قدر الامكان الخوض في الشأن السياسي وخاصة ما يجري من حروب ومشاحنات وجدال بيزنطي في اليمن الذي لم نحصد من حروبه البينية الا المزيد من القتل والدمار والفرقة والانقسام حتى أصبح العامة من الناس يفتون ويحللون أكثر من محترفي السياسة وأصبح البعض ينظر ويفتي فيما يعلم وما لا يعلم ويهرف بما لا يعرف وتراشق الناس بأقذع والتخوين لبعضهم البعض كما تفوقوا على أهل بيزنطة في الجدل ولم يصلوا الى حل أو مخرج بل وما زال الكل يكابر وكل منهم يعتقد جازما انه وحده على صواب !!
وقررت أن ابتعد عن هذه الأجواء السياسية المشحونة خلال هذا الشهر الكريم رغم اننا نتداول مثلا عربيا في الجنوب يقول " من له مهره ما مل خزاها "
وبالمقابل قررت أن أقتصر على مقال واحد في الشأن السياسي في نهاية كل أسبوع خلال الشهر الفضيل !!
وحلقتين كل أسبوع من واقع رحلاتي فوجدت ان أمامي خيارا وحيدا هو الكتابة عن تجربتي في السفر من واقع رحلاتي الى بعض البلدان العربية والأجنبية بعيدا عن السياسة وأعتقد أن هذا المجال سيخفف من حدة التوتر والجدال
بين القراء والكتاب ونصل الى مصالحة خلال الشهر الكريم
وما سأكتبه لا يرقى إلى أدب الرحلات بل هو مذكرات وأحداث متفرقة رصدتها بقلمي عن رحلاتي الى بعض البلدان في الشرق والغرب سجلت فيها انطباعاتي ومشاهداتي عن تلك البلدان وما واجهت فيها من مواقف والله من وراء القصد والحمد لله رب العالمين .
رحلتي الى بلاد الضباب:
لندن :
عرض علي قريب لي وهو رجل أعمال في السعودية السفر معه الى لندن لإجراء بعض الفحوصات في المشافي البريطانية ومعه أحد أصدقاءه الذي يشكو هو الآخر من بعض الألآم في بطنه وقد لبيت الدعوة لأنني كنت أعاني من مشكلة في أنفي وقد أجريت لي عملية اللحمية في السعودية ولكن دون جدوى !!
وفي شهر مايو عام سافرنا من جده على متن الخطوط السعودية وكان معنا في الرحلة العديد من النساء من جنسيات عديدة وكانت الغالبية منهن يلبسن العبايات السوداء ولا يرى إلا أعينهن ، وبعد الإقلاع ب45 دقيقة شعرت بحركة غريبة في الطائرة بين المقاعد وعندما التفت رأيت بعض النساء قد تخلصن من العبايات وأغطية الرأس !!
استغرقت الرحلة 7 ساعات ثم هبطنا في مطار أورلي في باريس وتوقفنا مدة 45 دقيقة ومن نافذة الطائرة شاهدت مباني المطار والمدرجات التي يطوقها العشب الأخضر من كل الجهات ثم أقلعت الطائرة الى لندن حيث وصلنا مطار هيثرو بعد المغرب في تمام الساعة التاسعة والنصف مساء وكان الجو باردا رغم اننا في شهر مايو ،وقد انهينا إجراءات الدخول بيسر وسلاسة وأخذنا حقائبنا وخرجنا الى الشارع ووجدنا طوابير من المسافرين يقفون بالدور لركوب سيارات الأجرة السوداء الشهيرة في لندن وركضنا بعشوائية كعادتنا في البلاد العربية والشاطر هو من يسبق الآخرين
ولكن البوليس البريطاني أعادنا مع الحشود الى آخر الطابور ورتبوا الصفوف حسب الأولوية وبعد أقل من 3 دقائق جاء دورنا وقرأت للسائق قائمة الفنا دق المدونة في مذكرتي الخاصة الذي دونها لي الشيخ محسن فريد وفيها عناوين الفنادق والمستشفيات والمتاجر الخ ...وناولتها للسائق وتوجهنا للفندق الأول والثاني حتى السادس ووجدناها كلها محجوزة ولا يوجد فيها شاغرا !!
عندها تدخل السائق وقال : دعوني أبحث بطريقتي الخاصة ولكن دون جدوى ولكنه أصر على البحث بطريقته ثم وصلنا أمام أحد الفنادق وكان الباب الزجاجي الداخلي المؤدي للردهة والاستقبال
مغلقا ثم أقبلت علينا فتاة انجليزية شقراء جميله لا يزيد عمرها عن عشرين عاما وبينما كانت تهم بفتح الباب إذ بعجوز تنادي عليها وتصرخ بصوت عالي النبرة وتمنعها من فتح الباب لنا وتحرك يدها بعصبية شديدة ثم شدت الفتاة وساقتها أمامها ونحن في دهشة مما يجري أمامنا !!
وسألت السائق لماذا تصرفت العجوز بهذه الحدة والعصبية ؟؟!!
وأجابني بالقول : هذه الفتاة زوجة ابنها تزوجت قبل شهرين وتخاف عليها العجوز من الغرباء !!
وقلت له مازحا : أكيد العجوز تعرفك وخافت على الفتاة منك ولا بد أن لك سوابق معها والا ما قابلتنا بهذا الحدة والعصبية ، وضحك السائق ضحكة ماكرة فهمت معناها وفي الوقت نفسه كان زميلاي واقفان بالقرب من السيارة التاكسي في الحديقة الواقعة أمام الفندق وسمع السائق كلامهما بالعربية وإذ به يطرح علينا سؤالا بالعربية :
هل أنتم عربا !! ؟؟ كنت اعتقد أنكم من إيران وتملكتنا الدهشة جميعا وقلت له : إذن أنت عربي مثلنا !!ولكن من أنت ؟! ثم قال أنا من المغرب ثم أردف قائلا : وأنتم من أين ؟!!نحن قادمون من السعودية ثم صافحنا وقال : لا بأس عليكم سنبحث لكم عن فندق آخر وبعد جولة أخرى لمدة نصف ساعة لم نجد شيئا !!
وبعد تردد السائق المغربي سألنا بتردد:
لا زال أمامنا خيار واحد فقلنا له : ما هو؟؟!!
فقال : أخشى أن لا توافقوا !!
فقلنا له : ولماذا ؟ فأجاب لأن مالكه يهودي !!
قلت له : وما لنا ولليهودي يا أخي تأخر الوقت ونريد أن ننام !!
نظرت لأصحابي ولم يعترض أحد ثم توجهنا نحو الفندق ووجدنا في الاستقبال شابا يهوديا واستقبلنا مرحبا وسلمناه جوازاتنا ثم قال له المغربي : ضيوف عرب من السعودية وللأمانة فقد عاملنا الشاب اليهودي باحترام وسلمنا مفتاح أحدى الغرف وفيها 3 أسرة بعشرين جنيها في الليلة ولا يوجد مصعد فيه والمبنى قديم جدا
وأثاثه كذلك وبعد أن استرحنا قليلا طلب زميلاي الذهاب مع السائق لإحضار عشاء من مطعم هندي الى هنا ونكمل في الحلقة الثانية
مع خالص تحياتي
د . علوي عمر بن فريد