د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

إلى بائعي الوهم !!

بدأ حديثه بالرد على صديقه بهذا العنوان وقال : إن ما يجري في اليمن من أحداث متسارعة في الآونة الأخيرة دليل على رواج بيع الأوهام حتى جنح بنا الخيال وابتعدنا عن واقعنا وقفزنا فوق الأسوار!!
ولكن صديقه أجابه بحدة : نعم يا صديقي في السياسة ما أكثر من يبيع الأوهــام ، فقد أضحى للسياسة دكاكين، وكثر تجارها وتنوعت بضاعتها وأقبل الناس عليها من كل حدب وصوب.واشتغل بها من لا يعرف دهاليزها وأسرارها وأصبح من هؤلاء الناس من يبيع الوهم للآخرين وأصبح هؤلاء البؤساء ،لا يدفعون مالاً فقط ، لكنهم يدفعون ما هو أكثر منه قيمةً.. إنه العمر، حيث يظلون واهمين ومنخدعين طيلة العمر، ولا يكتشفون أنهم واهمون إلا بعد فوات الأوان، وتلك حسرة ما بعدها حسرة، تصديقاً لقوله تعالى: «قُل هل نُنَبِّئُكُمْ بالأخسرينَ أَعمالا، الذين ضلَّ سَعْيُهُم في الحياةِ الدُّنيا وهم يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنون صُنعًا». (الكهف: 103 – 104).. لكن مع الأسف ،لمَاذا في كل مرّة ،يُصـّر الناس على شراء الوهم ،وهم يعلمون أنه وهـمٌ ،ويعلمون أنه لن يزيدهم إلا هَـمّاً وغـمّــاً؟.. وهم يعلمون أنه سيبقى تجار الأوهـام من الساسة وغيرهم ما دام هناك من يشتري بضاعتهم الخداعة ، وسيبقى مصير الوطن معلقـا على مشجب الزمــن ، وحلم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية مؤجلا إلى مزاد جديد ، لعل أثمانه ترسو عند حدود ما يطيق العبــاد والبــلاد؟؟ !!
فرد عليه صديقه بالقول : لقد كانت تجاربنا بائسة عندما أشتعلت الثورات في الستينات من القرن الماضي ضد الإمامة في الشمال وضد بريطانيا في الجنوب إبان المد القومي العربي وشطح بنا الخيال ونسينا أننا في مجتمعات محافظة وأردنا أن نقفز على واقعنا في اليمن والجزيرة العربية والخليج ورغم التدخل المصري في اليمن إلا أننا دفعنا ثمنا باهظا وسالت دماء غزيرة وأزهقت آلاف الأرواح من أبناء شعبنا وأشقائنا امتدت لسنوات ولا زالت تلك الحروب تجر ذيولها حتى اليوم !! أتعرف لماذا يا صديقي ؟؟!!
لأننا لم نستمع ولم ننصت لنصح أشقائنا في السعودية في التصالح مع بعضنا البعض وآل وضع اليمن إلى التفكك والانقسام وباعتنا الأحزاب التي كانت تدعي الوطنية طوال ستين عاما للشرق والغرب وإيران واستوردنا مذاهب ونحل وملل من خارج دائرتنا العربية بل والإسلامية وأصبحنا مطية للآخرين للعبث ببلادنا وتعبنا وأتعبنا أشقائنا من سلسلة هذه الحروب التي لا نهاية لها ؟!!
وفي الأزمات والحروب يا صديقي ينبري السياسيون وتجار الحروب والعملاء والخونة لفتح دكاكينهم والترويج لبضاعتهم الكاسدة وهي بيع "الأوهام" التي يقبل الناس عليها من كل حدب وصوب لاقتنائها وينسون أن من يشتري هذه البضاعة لا يخسر فقط نقوده بل يخسر عمره ثمناً لبضاعة فاسدة ويكتشف مع مرور الزمن أنه اشترى "سراب بقيعة يحسبه الضمآن ماء" وأنه خسر عمره وأمنياته وطموحاته، ويعي هذا بعد فوات الأوان..وهذا ما حدث لنا في اليمن شمالا وجنوبا!!

والوهم كما هو معروف: كل ما هو غير مطابق للحقيقة, والعقل البشري له قدرة كبيرة لتلقي الأوهام والخرافات والبحث عن خبايا المستقبل ويعتبر الطموح والرغبات والمخاوف من أهم دواعي تقبل الوهم.
وبالنظر إلى حجم رغبات وتطلعات مجتمعاتنا فإن إمكانية رواج بضاعة السياسيين "الوهم" كبيرة جداً.
لقد بقي شعبنا المسكين يبتاع بضاعة السياسيين وأحزابهم وأوهامهم التي أمطرونا بسيل منها أكثر من ستين عاما ، وبعد ذلك لا نراهم إلا من خلال الشاشات والفضائيات وصفحات الجرائد لأنهم قد أمنوا أنفسهم وأهليهم في أوطان أخرى !!
أن السياسي الكبير من هؤلاء الذي وصل إلى سدة الحكم بجهود دولية وإقليمية لا يسمح لكائن أن يقترب من كرسيه ولو سالت أنهار من الدماء.
فصول المسرحية البائسة ما عادت تنطلي على أحد، لأننا نعلم أن "الكبار" ينظرون إلينا باستعلاء ونرجسية فاقعة وأنه من المستحيل أن يسمحوا لنا بأن نأخذ دورهم وإلى ذلك الحين سيحرص معظم السياسيين على استغلال الناس وبيع الأوهام لهم, ورغبة المواطنين بالتغيير وتطلعاتهم إلى غد مشرق كل هذا يشكل فضاءً أمثل ليمارس الزعماء لعبة تسويق الوهم وتوزيع الأحلام المرصعة بالأكاذيب.
سياسيو الغرب يبيعون لنا أوهاماً أيضاً، لكنهم يتقنون تسويقها..ولكن الذين عندنا فاشلون بجدارة حتى في صناعة الأوهام!
د.علوي عمر بن فريد