خير الله خير الله يكتب:

"المسيرة الخضراء" مسيرة مستمرّة

يتذكّر المغرب في كلّ سنة “المسيرة الخضراء”. يعود ذلك إلى مشاركة الشعب المغربي كلّه في استعادة صحرائه التي كانت تحت الاستعمار الإسباني. استطاع المغرب ذلك من دون إطلاق رصاصة واحدة بفضل ما كان الملك الحسن الثاني يتمتع به من حكمة وحنكة وقدرة على استيعاب التوازنات الإقليمية والدولية إبان الحرب الباردة وفي مرحلة ما بعد سقوط جدار برلين وانتهاء هذه الحرب في مثل هذه الأيام من العام 1989.

هذه السنة ارتدى احتفال المغرب بالذكرى الـ44  لـ”المسيرة الخضراء” نكهة خاصة في ضوء ما تشهده منطقة شمال أفريقيا من تطورات أكدت أن المملكة كانت وستظل واحة سلام. الأهم من ذلك كلّه أن المناسبة وفرت فرصة لتأكيد أن الحقّ يبقى حقّا وأنّه يعلو ولا يُعلى عليه، خصوصا عندما يكون هناك من يرفع لواءه مثل الملك محمّد السادس الذي أثبت مرّة أخرى أن القافلة المغربية تتابع مسيرتها نحو مزيد من التقدّم على كلّ الصعد.

لم تعد الصحراء المغربية مجرّد قضية استطاع المغرب أن يحسمها لمصلحته بفضل الجهود الدؤوبة التي بذلها منذ العام 1975، بل منذ ما قبل ذلك بكثير. صارت الصحراء بمثابة دليل على “قدرة المغاربة، ملكا وشعبا، على رفع التحديات التي تواجه الأمة”. وتحوّلت “المسيرة الخضراء” إلى “مسيرة دائمة”. وكما يقول العاهل المغربي في خطابه الأخير إنّ “الروح التي مكنت من استرجاع الصحراء، سنة 1975، هي التي تدفعنا اليوم، للنهوض بتنمية كل جهات المملكة. وهذا ما ينطبق على أقاليمنا الجنوبية، التي تعتبر صلة وصل بين المغرب وأفريقيا، على الصعيد الجغرافي والإنساني والاقتصادي”.

هذه السنة ارتدى احتفال المغرب بالذكرى الـ44 لـ"المسيرة الخضراء" نكهة خاصة في ضوء ما تشهده منطقة شمال أفريقيا من تطورات أكدت أن المملكة كانت وستظل واحة سلام

من قضيّة تستخدم من جهات معروفة للإساءة إلى المغرب وابتزازه، أصبحت الصحراء أكثر من مفيدة على صعيد لعب دور في إطار الفضاء الأفريقي الذي يعمل المغرب على تطويره. لذلك قال محمّد السادس: “لقد مكنت المسيرة الخضراء، من استرجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية. منذ ذلك الوقت، تغيرت خريطة المملكة، ولم نستوعب أن الرباط صارت في أقصى الشمال، وأكادير هي الوسط الحقيقي للبلاد. فالمسافة بين أكادير وطنجة، هي تقريبا المسافة نفسها، التي تفصلها عن الأقاليم الصحراوية. ليس من المعقول أن تكون جهة سوس – ماسة في وسط المغرب، وبعض البنيات التحتية الأساسية، تتوقف في مراكش، رغم ما تتوفر عليه المنطقة من طاقات وإمكانات. لذا، فإننا ندعو للتفكير، بكل جدية، في ربط مراكش وأكادير بخط السكة الحديدية، في انتظار توسيعه إلى باقي الجهات الجنوبية ودعم شبكة الطرق، التي نعمل على تعزيزها بالطريق السريع، بين أكادير والداخلة.

وسيساهم هذا الخط في فك العزلة عن هذه المناطق وفي النهوض بالتنمية وتحريك الاقتصاد لاسيما في مجال نقل الأشخاص والبضائع ودعم التصدير والسياحة وغيرها من الأنشطة الاقتصادية. كما سيشكل رافعة لخلق العديد من فرص الشغل ليس فقط في جهة سوس وإنما أيضا في جميع المناطق المجاورة. فجهة سوس – ماسة يجب أن تكون مركزا اقتصاديا، يربط شمال المغرب بجنوبه، من طنجة شمالا، ووجدة شرقا، إلى أقاليمنا الصحراوية، وذلك في إطار الجهوية المتقدمة والتوزيع العادل للثروات بين جميع الجهات. فالمغرب الذي نريده، يجب أن يقوم على جهات منسجمة ومتكاملة تستفيد على قدم المساواة من البنيات التحتية ومن المشاريع الكبرى التي ينبغي أن تعود بالخير على كل الجهات”.

بالنسبة إلى ملك المغرب، باتت هناك في أيامنا هذه فرصة للبحث في مستقبل العلاقات بين القوى المختلفة في منطقة شمال أفريقيا وبين هذه المنطقة وكلّ من أوروبا والداخل الأفريقي. لذلك يقول “إن حرصنا على تحقيق تنمية متوازنة ومنصفة بكل جهات المملكة، لا يعادله إلا التزامنا إقامة علاقات سليمة وقوية مع الدول المغاربية الشقيقة. فالوضع الحالي في المنطقة وفي الفضاء المتوسطي يطرح علينا جميعا تساؤلات ويدعونا إلى التحرك الإيجابي نظرا لما يحمله من فرص وتحديات.

  •  فالشباب المغاربي يطالبنا بفضاء منفتح للتواصل والتبادل.
  •  وقطاع الأعمال يطالبنا بتوفير الظروف للنهوض بالتنمية.
  •  كما أن شركاءنا، وبخاصة الأوروبيون، يحتاجون إلى شريك فعال.
  •  وإخواننا الأفارقة جنوب الصحراء، ينتظرون مساهمة بلداننا في البرامج والتحديات الكبرى للقارة.
  •  وأشقاؤنا العرب يريدون مشاركة المغرب الكبير في بناء نظام عربي جديد.

  إن الآمال والانتظارات كبيرة، والتحديات كثيرة ومعقدة. وما يبعث على الأسف هو أن البعض لا يتعامل معها بجدية. والحقيقة أن عدونا المشترك هو الجمود وضعف التنمية، التي تعاني منها شعوبنا الخمسة (الشعوب العربية في شمال أفريقيا).

كشفت الأيام أن المغرب كان مصيبا في كلّ ما طرحه. لم تأت “المسيرة الخضراء” من فراغ، بل في أساسها حقوق تاريخية ثابتة. ففي خطابه في ذكرى “المسيرة الخضراء”، تطرّق محمّد السادس في العام 2017 إلى الارتباط التاريخي بين المغرب والصحراء. قال في هذا المجال إنه “قبل تسجيل قضية الصحراء في الأمم المتحدة عام 1963، وفي الوقت الذي لم تكن فيه أي مطالب بخصوص تحرير الصحراء، باستثناء المطالب المشروعة للمغرب، بل وقبل أن تحصل الجزائر على استقلالها (في 1962) قبل كلّ هذا، أكّد جدنا (الملك محمّد الخامس)، آنذاك، الحقوق التاريخية والشرعية للمغرب في صحرائه حين قال أمام ممثلي القبائل الصحراوية وشيوخها الذين قدّموا له البيعة في محاميد الغزلان: “نعلن رسميا وعلانية أننا سنواصل العمل من أجل استرجاع صحرائنا في إطار احترام حقوقنا التاريخية وطبقا لإرادة سكانها”.

للتذكير فقط، كانت زيارة محمّد الخامس لمحاميد الغزلان، على تخوم الأقاليم الصحراوية التي كانت وقتذاك تقع تحت سلطة المستعمر، في العام 1958. هذا يعني أن المغرب يناضل منذ خمسينات القرن الماضي من أجل استرجاع أراضيه وتثبيت وحدته الترابية. ظلّ نضاله على أسس صلبة وليس على مجرّد أوهام مبنية على شعارات فارغة من نوع “حقّ تقرير المصير للشعوب” استخدمتها الجزائر للمتاجرة بالصحراويين. لم تتمنّ الجزائر لهؤلاء يوما سوى العيش في بؤس منطقة تندوف بدل أن يكونوا مواطنين معززين مكرمين يتمتعون بكلّ حقوقهم في الأقاليم الصحراوية مثلهم مثل أيّ مواطن مغربي.

ارتدّت سياسة إيذاء المغرب على الذين يقفون خلف هذه السياسة. ما أثبته خطاب الملك محمّد السادس في الذكرى الـ44 لـ”المسيرة الخضراء” أنّه لا يصحّ إلّا الصحيح وأنّ الصحراء المغربية صارت واقعا. صارت أرضا مغربية تلعب دورها في التكامل بين المناطق المغربية المختلفة. كما أنّ محمّد السادس على حقّ عندما يقول إن “المسيرة الخضراء” إنّما هي “مسيرة دائمة”. إنّها مسيرة بلد بكامله فضّل التعلّق بكل ما هو حضاري في هذا العالم بعيدا عن أيّ عقد من أي نوع كان.