د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

هل ينجح نظام الأقاليم في الجنوب ؟؟!!

هناك اختلاف جوهري في نظام الحكم في اليمن تاريخيا بين (الشمال والجنوب ) كذلك التركيبة الاجتماعية والمذهبية والتغول الطبقي الفوقي شمالا والتدرج انحدارا وتعريف طبقات المجتمع والتباينات الواضحة والمتغولة شمالا ،واستحواذ العنصر الزيدي حصرا على الحكم وعدم الاعتراف بباقي المكونات الاجتماعية الأخرى في حقها في المواطنة المتساوية !!
رغم أنني شخصيا غير مقتنع بهذه التسمية التي طغت بعد ثورة 26 سبتمبر عام 1962م وهي مسمى " الشمال والجنوب " التي تم الترويج لها تمهيدا لإخضاع الجنوب وضمه وإلحاقه باليمن الذي لم يتوحد تاريخيا كبلد واحد إلا في فترات تاريخية قصيرة ربما لا يزيد أطولها عن خمسين عاما منذ عصور الممالك اليمنية القديمة حيث كان البقاء والغلبة في الحروب للأقوى ، ومنذ استيلاء الأئمة على حكم اليمن شمالا وتأسيس حكمهم الدموي الكهنوتي الذين يدعون أنهم السلالة المختارة المفوضة إلهيا بحكم اليمن زورا وبهتانا ونظرا لتفشي الجهل والمرض والخوف وانتشار الحروب بين القبائل اليمنية فكان لابد للسلالة الكهنوتية من التسلل إلى اليمن والإدعاء بأنها مفوضة إلهيا بحكم اليمن من خلال استدرار عواطف الشعب شمالا واستغلت تلك العصابة عواطف اليمنيين شمالا من خلال تذكيرهم بمظلومية الهاشميين منذ بيعة السقيفة في المدينة المنورة وما تبعها من إسناد الخلافة لأبي بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب ومن بعده عثمان من بني أميه وما تبع ذلك من اغتيال عثمان ومطالبة بنو أمية بدمه واتهام علي بن أبي طالب بدمه و انتزاع الخلافة منه وما لحق ذلك في صفين ومعركة الجمل وانقسام الصحابة وقيام الفتنة الكبرى التي قادها معاوية بن أبي سفيان وانتقال الخلافة إلى دمشق !!
وما تبع ذلك من تسميم الحسن بن علي ثم ما قام به صنائع يزيد من قتل الحسين بن علي في كربلاء وما تبعه من تنكيل بأبناء وأحفاد المهاجرين والأنصار في المدينة المنورة حيث عمت الفتن كقطع الليل المظلم !!
وكلنا يعرف ما جرى للهاشميين عموما والطالبيين خصوصا وما نالهم من تنكيل في العهدين الأموي والعباسي ،ومن هنا خرجت المطالبات برد الحق الإلهي المزعوم لآل البيت من خلال التذكير بتلك المظالم التي لم تلحق بالهاشميين وحدهم بل راح ألآلاف من أبناء القبائل العربية وقودا لتلك الصراعات !!
وركب تلك المظلومية كل دعي ومدعي بالنسب الهاشمي واختلط الحابل بالنابل فوفد إلى اليمن الغث والسمين والأصيل والهجين والمتسلق للهاشميين وهذا الخليط يذكرنا بالمآسي والمذابح التي قام بها أئمة اليمن طوال حكمهم عندما أزهقوا أرواح مئات الآلاف من أبناء اليمن في حروب عبثية حتى سقوط حكمهم عام 1962م !!
وفي الجنوب كان الحكم يختلف عنه في اليمن الشمالي حيث لم ينجح أي حاكم أو سلطان لإخضاعه تحت راية واحدة بل كان عبارة عن سلطنات ومشيخات صغيرة ومتفرقة تعتمد على قبائلها التي تأبى كل قبيلة أن تخضع للأخرى حتى بلغ عددها في بداية الستينيات من القرن الماضي أكثر من عشرين سلطنة وإمارة!!
وجمعت بريطانيا بعضا منها في "اتحاد الجنوب العربي "في نهاية الخمسينيات بما في ذلك عدن التي انضمت إلى الاتحاد أوائل الستينيات مع بقاء سلطنات القعيطي والكثيري والمهرة خارج الاتحاد!!
ونستطيع القول أن الحسنة الوحيدة للجبهة القومية أنها صهرت كل السلطنات في الجنوب في 6 محافظات ولكنها أخفقت في تأسيس نظام حكم تعددي يضم كل المكونات و يستمد سلطاته من الشعب بطريقة واقعية مستمدة من واقع التاريخ والتركيبة السكانية بما يتوافق مع ذهنية شعب الجنوب ممزوجة بالعصرنة ونظام حكم ديمقراطي يقبل الآخر مهما كانت درجة الاختلاف !!
واليوم وبعد أكثر من نصف قرن على حكم الاشتراكي وفشله فشلا ذريعا في حكم الجنوب بتنكره لكل المكونات الجنوبية ثم عندما قفز على التاريخ والجغرافيا وتجاهل التباين والاختلاف بين الشمال والجنوب وذهب بنا قسرا إلى الوحدة ها نحن نعود إلى مربع الصفر ونكاد نصل إلى الحكم الذاتي كحد أدنى بحيث نؤسس لحكم الأقاليم جنوبا و تحكم كل محافظة من قبل أبنائها الذين ولدوا فيها فقط ؟!!
أما شمالا علينا أن نقلب الصفحة بعد وحدة فاشلة ذهب ضحيتها مئات الآلاف من الأرواح شمالا وجنوبا ، كما بقي أن نذكر إخوتنا الشماليين أنهم إذا استمروا في استعداء شعب الجنوب فان حروبنا معهم ستطول عدة قرون طويلة ومن الأفضل لنا جميعا أن نتعايش ونتصالح وفق الظروف الواقعية التي تحكمها المصالح لنا ولهم وعدم التنمر والاستقواء على بعضنا البعض !! ، وبقي أن نذكر أولئك النرجسيين ومن لف لفهم من أبناء الجنوب الذين قد ألفوا حياة الخنوع والتدجين وباعوا ضمائرهم وعاشوا على الفتات وصناعة الأزمات وأصابتهم العدوى من الحظائر الشمالية التي رتعوا فيها بذل واستكانة وخيل لهم أنهم لا يستطيعون العيش خارجها نقول لهم كفاكم ذلا واستكانة ونجد من واجبنا أن نذكر كل مكون سياسي جنوبي فردا أو حزبا أو جماعات تغرد خارج السرب أن يعودوا إلى حضن الوطن الجنوبي ونصيحتي لأبناء الجنوب عموما أن يتصالحوا مع أنفسهم ويقبلون بعضهم البعض بكل مكوناتهم وكفاهم توزيع التخوين ضد بعضهم بعضا كما أدعوهم إلى بناء علاقات جيدة وراسخة مع جيرانهم في الخليج وفق المصالح المشتركة خاصة مع الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية والتخلي عن الشطحات وأحلام اليقظة !!
د. علوي عمر بن فريد