أزراج عمر يكتب:
الجزائر.. المناورات الانتخابية لحزب جبهة التحرير
بات من الواضح أن حزب جبهة التحرير الوطني لم يصحُ بعد بسبب صدمة خروج رئيسه الشرفي، الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة السابق، من الباب الضيق بعد إجباره على الاستقالة من منصبه، وبسبب تورط عدد كبير من مسؤوليه في الفساد السياسي والمالي، وجرّاء انشطاره من الداخل وتقهقره إلى الصفوف الخلفية، وكذا نتيجة عدم توفر شخصية نظيفة وكاريزمية بين صفوف قيادته الحالية لترشيحها للانتخابات الرئاسية التي ستجري يوم 12 ديسمبر الحالي.
على ضوء هذه الوضعية السلبية التي يعاني منها هذا الحزب يتساءل المحللون السياسيون: هل سيعوّض حزب جبهة التحرير خسوفه السياسي بدعم مرشح ينتمي إلى حزب آخر؟ أم أنه سيقف، في اللحظات الأخيرة، مع المرشح عبدالمجيد تبون الذي ما فتئ يلوح باستمرار أنه مرشح حر، علما أنه كان وما يزال عضوا قياديا باللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير، ولا يوجد دليل على انسحابه الرسمي من هذا الحزب إلى يومنا هذا؟
لا شك أن بعض التسريبات تلمح من حين لآخر إلى أن جناحا من هذا الحزب يرغب في دعم المرشح عزالدين ميهوبي الأمين العام بالنيابة لحزب التجمع الوطني الديمقراطي (الآرندي)، وحجة هذا الجناح أن هذا الحزب هو جزء عضوي من بنية النظام الحاكم، وحليف تقليدي له ولأحزاب الموالاة ككل، ولكن لم يتضح بعد أن رغبة هذا الجناح تشمل الأجنحة الأخرى داخل جبهة التحرير الوطني. كما أن رغبة هذه الأجنحة لم تتحول بعد وبقوة القانون الداخلي لهذا الحزب إلى موقف رسمي ملزم لجميع إطاراته وأتباعه بالوقوف إلى جانب مرشح حزب “الآرندي” بدلا من دعم عبدالمجيد تبون أو حتى تشجيع عبدالعزيز بلعيد وعلي بن فليس وهما من الذرية الشرعية لهذا الحزب.
وفي الحقيقة فإن التلويح بأهمية الوعاء الانتخابي لحزب جبهة التحرير الوطني في ترجيح الكفة لصالح هذا المرشح أو ذاك، هو مجرد فرضيات لأن القاعدة الشعبية في الجزائر لم تعد كما كانت في الماضي، بل إنها تغيرت بدفع من الحراك الشعبي حيث نجد قسما معتبرا من هذه القاعدة الشعبية، من حيث العدد والتأثير السياسي، يتهم هذا الحزب بأنه المسؤول المباشر على خراب الحياة السياسية الجزائرية وأنه عرّاب الفساد المالي الناتج عن الحكم الفردي والشللي في ظل سيطرة زمرة من المسؤولين ورجال الأعمال التابعين للنظام على الاقتصاد الوطني في إطار الرأسمالية البيروقراطية البشعة التي تشكل نسيج أيديولوجية جبهة التحرير الوطني وتطبيقاتها التعسفية في المجتمع الجزائري.
ولكن هناك وجهة نظر أخرى، قابلة للأخذ والرد، ويحاجج أصحابها بأن حزب جبهة التحرير ما يزال قادرا على صنع التوازنات وممارسة التأثير وتقرير جزء من مصير الانتخابات. وتستند وجهة النظر هذه إلى حجة مفادها أن معظم الأحزاب الجزائرية التي تكوّن المشهد الحزبي التعددي الراهن في الجزائر ليست من فصيلة مختلفة، والدليل على ذلك أنها لا تملك فرقا جوهريا يميزها عن مضامين وخيارات جبهة التحرير الوطني باستثناء توجهات بعض الأحزاب الإسلامية التي لا تعتبر نفسها من سلالة هذا الحزب.
وفي هذا الشأن بالذات يلاحظ المحللون أن المرشحَين للرئاسيات، وهما علي بن فليس الأمين العام لحزب طلائع الحريات وعبدالعزيز بلعيد رئيس حزب جبهة المستقبل، كانا منذ وقت قريب قياديين كبيرين في صفوف حزب جبهة التحرير وأجهزته السياسية ومؤسساته التنفيذية المختلفة وذلك على مدى سنوات طويلة، أما انفصالهما عن هذا الحزب فهو ليس تغييرا جذريا لمواقفهما أو منعرجا لتناقضهما الفكري والسياسي المبدئي مع جبهة التحرير الوطني، وإنما هو مجرد تغيير للمواقع، مع الاحتفاظ بنفس النسق البنيوي، بسبب الخلافات الشخصية المشوبة بطموحات الزعامة عندهما.
والدليل على ذلك أن العمود الفقري الناظم للخيارات السياسية لدى كل من حزب بن فليس، وحزب بلعيد هو طبعة منقحة للعمود الفقري الذي ينهض عليه هيكل الخيارات القديمة – الجديدة لحزب جبهة التحرير الوطني. وأكثر من ذلك فإن خروج بن فليس وبلعيد عن توصيات مخرجات اتفاق “مازفران” لأحزاب المعارضة وترشحهما للرئاسيات هو اصطفاف مع أحزاب الموالاة وفي مقدمتها حزب جبهة التحرير الوطني ومع الجيش الذي يرفض المرحلة الانتقالية، ويصر على أن الانتخابات الرئاسية هي الحل للأزمة الجزائرية.
هناك أيضا سبب أساسي جعل قيادة الهرم الأعلى لحزب جبهة التحرير الوطني تناور حينا وتؤجل حينا وتتكتم طورا آخر عن اسم المرشح الذي ستدعمه في الانتخابات الرئاسية، التي ستنطلق يوم 12 ديسمبر، ويتمثل في تقدير الملاحظين السياسيين في عدم تلقي هذا الحزب الإشارة الصارمة من طرف القيادة الرسمية للجيش الذي يقبض على السلطة راهنا بدعم هذا المرشح أو ذاك.
لاشك أن هذا الوضع هو الذي يسمُ مناخ حملة الانتخابات الرئاسية الجزائرية منذ بدايتها حتى الآن بظواهر شبه فولكلورية تدل على خمود الحياة السياسية الجزائرية وغياب الرموز الوطنية القادرة على صنع الفرق الجوهري، وفي المقدمة الضمور الجماعي لمواقف ما تبقّى من قادة حركة التحرر الوطني تجاه الأزمة بشكل عام، وتجاه الانتخابات بشكل خاص، والانقسام الدرامي للرأي العام الشعبي الجزائري وضعف برامج المرشحين. من هذه الظواهر غير المعتادة في الساحة السياسية الوطنية منذ الاستقلال بكاء المرشحين واحدا إثر واحد أمام الجماهير، ولجوء بعضهم إلى الأضرحة وبعضهم إلى الزوايا ورجال التصوف طلبا للتزكية الدينية، علما أن أحكام الدستور الجزائري تمنع مثل هذا السلوك المخالف للقواعد القانونية التي تنصّ على أنه لا يجوز للأحزاب السياسية وللسياسيين توظيف الدين لأغراض سياسية وانتخابية.